تعلمنا في أزهرنا الشريف على يد مشايخنا فن قراءة النصوص الشرعية سواء من الكتاب أو السنة ، وكان مما تعلمنا على أيديهم أن النص يحتاج إلى عدة مهارات للتعامل معه تتمثل في فهم اللغة والمنطق وأسباب النزول والواقعة التي قيل فيها النص، ومعرفة مقاصد الشريعة وروحها ومراميها.
وكثير ممن يتعامل مع النصوص اليوم يفتقر إلى هذه المهارات، وافتقارهم هذا أدى بهم لاتهام الإسلام بأنه دين ينتقص من قيمة المرأة اعتمادًا على نص طالعوه يقول : "إن النساء ناقصات عقل ودين "، ودون أدنى جهد يذكر في تحقيق النص واستيفاء شروطه من مصادره صدروه للناس على أنه دليل ناطق على انتقاص الإسلام من قيمة المرأة ، ولم يطالعوا بقية النصوص التي جاء ظاهرها يكرم المرأة ، ولم يطرحوا على أنفسهم سؤالًا مفاده :- كيف انتقص الإسلام من قيمة المرأة، وهو الذي جعل الجنة تحت أقدامها، وجاء في نصوصه "استوصوا بالنساء خيرًا " كما جاء أيضًا "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء" كما جاء "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين .."، ونزلت سورة كاملة في القرآن باسم النساء، وسورة باسم "مريم"، كل هذا وغيره الكثير من النصوص التي يضيق المقام عن ذكرها، ومع ذلك يُتهم بأنه دين ينتقص من قيمة المرأة!
إن عدم الفقه والتلمذة للعلماء يوقع الناس في هذه المغالطات، والمقصود بناقصات عقل ليس الانتقاص من قيمتهن بل هو وصف لما أودع الله فيهن من اللطائف، والأسرار، فتلكم المرأة الرقيقة التي ينفطر قلبها على وليدها إذا بكى، وعلى زوجها إذا ما اغترب، وعلى أهلها إذا ما نزل بهم مكروه، بعاطفة جياشة بالحب الذي يملك عليها عقلها ووجدانها ومشاعرها فتغلب عاطفتها على عقلها إذا ما تطلب الأمر ذلك، وهي في ذلك ليست من بنات جنسها، فأمهات المؤمنين أيضًا كن ذوات عاطفة جياشة تتحكم في تصرفاتهن؛ فعن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول«غارت أمكم» ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت.
وأما نقصان دينها فلِما يعتريها من حالات الحيض والنفاس التي تمنعها من ممارسة شعائرها الدينية كالصلاة والصيام، وهذا جزء من تكوينها التي جبلها الله عليه، بمعنى أن عدم صلاة المرأة وصومها في أيام حيضها ونفاسها ليس لتقصير منها وإنما هي لم تكلف أصلًا بهاتين العبادتين في مدة حيضها ونفاسها تيسيرًا من الله تعالى عليها ورحمة بها، وبناءً على ذلك فهي لا تأثم ، وأجرها ثابت بفضل الله تعالى، وينبغي أن نعلم أن سياق الحديث سياق مدح للمرأة، وليس ذمًا لها، وهو محمول على التذكير والتنبيه.
وإذا كان الإسلام قد أنقذها من الوأد وجعل لها نصيبًا في الميراث، وكفل لها حقها في التعليم، واختيار زوجها، واسترعاها رعية وجعلها مسؤولة عن رعيتها، فأين وجه الانتقاص، وهل لفهم التوصيف بما حباها الله به من عاطفة جياشة وحب غامر، ورقة في المشاعر، وإحساس مرهف وأمومة رؤمة على أنه انتقاص من عقلها، ولما هو انتقاص من عقلها فلِم قص علينا القرآن قصة امرأة فرعون، وملكة سبأ؟!
وهل يفهم رفع الحرج عنها في حالات خاصة بإسقاط بعض الشعائر الدينية على أنه انتقاص من دينها ؟ عجبًا لهذا الفهم الذي يتعارض مع المنطق والعقل والشرع والتاريخ .