فكر و أديان

12 أغسطس, 2018

أفضل أيام الدنيا

في فضل عشر ذي الحجة

أيام عشر ذي الحجة.. أيام عظيمة، أقسم الله -عز وجل- بها، فقال: {وَالْفَجْرِ   وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، وبيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضلها بقوله: «مَا مِنْ أَيَّامٍ، الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». أخرجه ابن ماجه.

فهيا بنا نُرى الله من أنفسنا خيرًا، و نتعرض لنفحاته بفعل الصالحات في هذه العشر الفاضلة.

وأفضل ما نستقبل به هذه الأيام المباركة، التوبة إلى الله عز وجل:

فالتوبة الصادقة علي رأس الأعمال الطيبة كلها، ومفتاح الفلاح والنجاة، لا سيما في عشر ذي الحجة الفاضلة، قال تعالي: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» أخرجه أحمد في مُسنده، وإذا كان هذا حال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع التوبة وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فنحن لها أحوج بلا شك.

ومن أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه، وقرَّبه، ووفَّقه لفعل الطاعات وتجاوز عن زلاته وخطاياه، فعَنْ أَبِي ذَرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً». أخرجه مسلم. 

ومن الأعمال العظيمة في أيام العشر من ذي الحجة أداء الحج والعمرة لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، فالحج هو ركن الإسلام الخامس، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

والحج المبرور من أفضل الأعمال عند الله عز وجل، فقد سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» أخرجه البخاري.

وقد جعل -صلى الله عليه وسلم- ثواب الحج الجنَّة، وأخبر أن العمرة بعد العمرة تُكفِّر الذنوب، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» أخرجه البخاري.

وأداء الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله، وهذا في أيام عشر ذي الحجة وخارجها، وإن كانت العشر لفضلها ينبغي لها اجتهاد في الطاعة، والحرص على أداء الصلاة في جماعة هو شأن المسلم في كل حياته، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]، وعن عَبْدِ اللَّهِ -بن مسعود- رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أخرجه البخاري.

 

وصلاة الجماعة في المسجد لها فضل عظيم، وينبغي المحافظة عليها وتحصيل ثوابها والتأكيد عليها في عشر ذي الحجة الفاضلة، قال صلى الله عليه وسلم: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ (أي الفرد) بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه.

وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفق عليه.

والنوافل لها فضل عظيم، وينبغي الإكثار منها في عشر ذي الحجة، فهي أمنة للفرائض، بمعنى أن المحافظ على أدائها يكون على الفرائض أحرص، لهذا كان المتقرب إلى الله بها مُستحق لمحبته عز وجل، قال تعالى في الحديث القدسي: «.. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..» أخرجه البخاري.

ونوافل الصلوات كثيرة، منها:

* سنن الفرائض الراتبة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ». أخرجه النسائي.

* قيام الليل ولو بركعتين بعد صلاة العشاء، قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» أخرجه مسلم، وقال أيضًا: «واعلم أن شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُه بِاللَّيْلِ». أخرجه الطبراني.

* صلاة الضحى، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى (عظم الأصبع) مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» أخرجه مُسلم، وهي صلاة الأوابين، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين». أخرجه ابن خزيمة والحاكم.

* الوتر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ» أخرجه أبو داود، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» مُتفق عليه، وأقلُّ الوتر ركعة قبل النوم.

* سنة الوضوء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ رضي الله عنه: «عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. متفق عليه.

وذكر الله عز وجل من أعظم الأعمال في أيام عشر ذي الحجة الفاضلة، قال تعالى:  {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ (أي عشر ذي الحجة)، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ (قول: لا إله إلا الله) وَالتَّكْبِيرِ(قول: الله أكبر) وَالتَّحْمِيدِ (قول: الحمد لله)».  أخرجه أحمد في مُسنده.

والوارد في فضل الذكر أحاديث كثيرة منها، قوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ» وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». أخرجه ابن ماجه.

* وما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكُنَّ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، سَائِرَ يَوْمِهِ إِلَى اللَّيْلِ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ، إِلَّا مَنْ قَالَ أَكْثَرَ» أخرجه ابن ماجه.

* ما ورد في التسبيح والتكبير والحميد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ» أخرجه البخاري.

وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ القَائِلُ كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أخرجه الترمذي.

* ما ورد في الاستغفار وأنه مفتاح للرزق، وممحاة للذنوب، وبه زوال الهم والغم، قال تعالى:  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)}[نوح: 10-12]، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَعَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَإِنْ قَالَهَا بَعْدَمَا يُصْبِحُ مُوقِنًا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، كَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَإنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، كَانَ فِي الْجَنَّةِ». أخرجه النسائي.

وأفضل الذكر هو تلاوة كتاب الله -عز وجل-، فعلى العبد أن يغتنم عشر ذي الحجة المباركات في قراءة القرآن  حتي يصل إلى ختمه في يوم عرفة زيادة في الحسنى، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: ٢٩]، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لك في السَّماء» أخرجه ابن حبان، وقَال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» أخرجه الترمذي.

والصيام من أخصّ العبادات التي عظم الله ثوابها، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» (الخريف: السَّنة، والمراد: مسيرة سبعين سنة). مُتفق عليه، وخصّ نفسه سبحانه بالمجازاة عليها، فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ حَسَنَةَ ابْنِ آدَمَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ، وَالصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» أخرجه أحمد في مُسنده.

 وقد كان من سنته صلى الله عليه وسلم صيام التسع الأُول من شهر ذي الحجة، فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ» أخرجه أبو داود.

ولقد منَّ الله -عز وجل- على عباده إذ شرع لهم مناجاته، ووعدهم بإجابة دعائهم، فقال سبحانه: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }[غافر:60]، وقال أيضًا: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186].

وقد رفعت الشريعة الغراء شأن الدعاء، وجعلته قربة من أعظم القربات، فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» أخرجه ابن ماجه. وقَالَ أيضًا: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي» أخرجه الترمذي.

فاغتنم أخي الكريم هذه العشر الفاضلة، وخصِّص وقتًا فيها لمناجاة الله عز وجل، وتحرَّ أسباب قبول الدعاء، والتي منها:

*الدعاء في الرخاء، دون الاقتصار على الدعاء في الشدائد فقط، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيْبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَخَاءِ» أخرجه ابن ماجه.

* الثناء علي الله والدعاء باسمه الأعظم، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ» أخرجه ابن ماجه.

* الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، يَقُولُ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِلَ هَذَا»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ» أخرجه الترمذي.

* تحري أوقات استجابة الدعاء، وهي كثيرة:

كالدعاء عقب الصلوات المكتوبة، وعند ثلث الليل الآخر، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ» أخرجه الترمذي، وكالدعاء بين الأذان والإقامة قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ» أخرجه الترمذي، وعند نزول المطر، وفي ساعة الإجابة يوم الجمعة، وفي السجود، وعند سماع صياح الديك، وعند شرب ماء زمزم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ، لِمَا شُرِبَ لَهُ» أخرجه ابن ماجه.

واعلم أخي الكريم أن الإنفاق في وجوه البر يُزيد المال وينميه، قال تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ }[البقرة: 272].

وإطعام الطعام قُربة لله -عز وجل- عظيمة، وقد رتَّب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- الجنة والنجاة من النار، وتتأكد هذه القربة في أيام العشر الفاضلة لإدخال السرور على قلوب المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ». أخرجه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة» متفق عليه.

وكذلك قضاء حوائج العباد من أعظم ما يتقرب به العبد من الله -عز وجل- في كل الأحيان وفي عشر ذي الحجة كذلك، ومَن يَسَّر الله له بابًا لقضاء حوائج الناس فقد أنعم عليه بنعمة عظيمة، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «عِنْدَ اللهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ» أخرجه الطبراني في الكبير.

فقد كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ» أخرجه البخاري.

كما بين صلى الله عليه وسلم أن قضاء حوائج الناس سبب في بقاء النعم ودوامها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ العِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا يَبْذُلُونَهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلى غَيْرِهِمْ» أخرجه الطبراني في الكبير.

بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن قضاء حوائج الناس أحب إليه من اعتكافه في مسجده شهرًا فقال: «أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَقْضِى عنه دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنه جُوعًا ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا.. » أخرجه الطبراني في الأوسط.

وجعل الإسلام صلة الرحم من دلائل إيمان المؤمن،  فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». أخرجه البخاري.

فعلى العبد في هذه الأيام أن يبادر ليضرب بسهم في شتى أبواب البر، لا سيما وأن لصلة الرحم أجرًا عظيمًا، قَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». أخرجه البخاري.

نسأل المولى عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.