قال د.محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إن الإمام الأكبر أ.د/ احمد الطيب شيخ الأزهر حرص في زيارته التاريخية لإندونسيا في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم الإسلامي على أن يبين للناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين على أن الأزهر الشريف يعمل على ترسيخ دعائم السلام والمحبة والتعايش المشترك بين الشعوب والمجتمعات المختلفة في مواجهة قوى الظلام وتلك الجماعات الإرهابية التي تمارس القتل والتفجير والحرق باسم الإسلام، وتعمل على تضليل وتجنيد الشباب من خلال بثّ المفاهيم المحرَّفة والمضللة للنصوص الشرعية.
وجاء التكريم العظيم لشيخ الأزهر في الاحتفال الرسمي والشعبي الضخم ومنح الإمام الأكبر درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية بإندونسيا بمقر الجامعة بمدينة مالانج بمحافظة جارة الشرقية؛ وسط هذا الحشد الضخم من عمداء الكليات والأساتذة والطلاب والاحتفاء الشعبي الكبير الذي قوبل به شيخ الأزهر.
وفي الحقيقة أن هذا التكريم يجسد اعتراف العالم بقيمة وقامة مصر الأزهر تلك المؤسسة العالمية التي حرصت على مر التاريخ على العطاء العلمي المستنير، الذي نعم به الطلاب والطالبات ممن درسوا وتخرجوا في الأزهر المعمور، وشربوا من نيل مصر وعاشوا على أرضها وتعرفوا على مكانتها الحضارية واحتضانها ورعايتها للأزهر المعمور.
لقد استطاع الإمام الأكبر في تلك الزيارة أن يحقق عدداً من المعاني والأهداف من أبرزها:
- بيان أهمية ومكانة وقدرة إندونيسيا على الحفاظ على هويتها الإسلامية واستفادتها من تلك الأجيال التي درست في رحاب الأزهر ونهلت من الوسطية والاعتدال.
- حرص الأزهر الشريف بكل وحداته على تقديم الدعم العلمي اللازم لجميع المسلمين في العالم، وهذا ما أكده الإمام الأكبر في زيارته لإندونيسيا وتقديمه (50) منحة دراسية لأبناء وبنات المسلمين هناك، بالإضافة إلى (50) منحة دراسية أخرى قُدمت قبل بضعة أشهر، ولا شك أن ذلك يجسد شعور الإمام الأكبر بحاجة المسلمين في إندونيسيا إلى سفراء السلام والسماحة ممن يدرسون في الأزهر لأجل تصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر المبادئ الصحيحة للإسلام، وهو ما يعد من أهم سبل مواجهة الإرهاب.
- أكدت الزيارة على مكانة الأزهر وقيمته في عيون الشعوب التي تُقدر مصر الأزهر؛ تلك المؤسسة العريقة التي تواجه هجوماً شرساً ممن لا يعرفون دور وتاريخ وعطاء وقدرة الأزهر على استيعاب المتغيرات ويحاولون –عبثاً- أن يُركعوا تلك المؤسسة وأن يُفقدوها الثقة في قدرتها على مواجهة الإرهاب والتعامل مع المتغيرات والمستجدات.
فماذا تعني دراسة 40 ألف وافد ووافدة من 140 دولة من دول العالم؟ وقيام الأزهر على رعايتهم وتقديم الدعم العلمي والمعنوي لهم، وتلك المنح العلمية التي تدعمها الدولة؛ فما يقدمه الأزهر من خدمات تعليمية سواء من خلال الطلاب الوافدين أو من خلال مبعوثي الأزهر في أكثر من 70 دولة من دول العالم، لا تستطيعه أي دولة في العالم، كما أن كل ما يقدمه الأزهر بدون مقابل مادي هي خدمات مدفوعة من قبل مصر الأزهر؛ ولذا فإن زيارة شيخ الأزهر لإندونيسيا تُعد أقوى رد على من ينكرون ويجحدون دور الأزهر الذي يحاولون القفز عليه!!.
إن تقويض الأزهر ومحاولة إضعافه، تقويض وإضعاف لمصر ولدورها الاستراتيجي ويتنافى مع أبسط معاني الوطنية والانتماء.
كما أن الأزهر مؤسسة عالمية تتميز بالسماحة والاعتدال واحترام التعددية الدينية والمذهبية والفكرية وتدعم التعايش السلمي والحوار والمواطنة العالمية من خلال الأخوة الإنسانية التي أرسى الإسلام دعائمها.
لقد جاءت زيارة الإمام الأكبر لإندونيسيا لتؤكد عالمية وإنسانية الأزهر الشريف، وأنه لا ينحاز لأحد على حساب أحد ويحترم الآخر ويقدر خصوصيات الشعوب ولا يتدخل في الشؤون الخاصة للمجتمعات ، ويؤكد على ضرورة العمل من خلال المشتركات الإنسانية مع كل الشعوب.
إن تلك الزيارة أكدت على حاجة الأزهر الشريف إلى التلاحم والتواصل مع الناس جميعاً في أنحاء العالم لتصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين التي تكونت في ظل أعمال الإرهاب والقتل والممارسات غير الإنسانية التي نُسبت زوراً إلى الإسلام ممن لا يعرفون الإسلام وشوهوا صورته بالأعمال الإرهابية؛ حيث أكدت زيارة الإمام على تعطش المسلمين وحاجتهم للأزهر.
كل تلك المعاني المهمة في زيارة الإمام الأكبر، تُشعر بضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق الأزهر الشريف في جميع قطاعاته وعلمائه؛ لأن العالم يحتاج إلى رؤية واقعية موضوعية وموضعية لمعالجة مشكلاته؛ ومن لذلك إلا الأزهر الشريف بقيامه على التعددية في جميع المجالات العلمية؛ لكن هذه المسؤولية تحتاج إلى الدعم والمؤازرة والتعاون.