روي "أنَّ فاطِمَةَ عليهما السَّلامُ شَكَتْ ما تَلْقَى في يَدِها مِنَ الرَّحَى، فأتَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَسْأَلُهُ خادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعائِشَةَ، فَلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ، قالَ: فَجاءَنا وقدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْتُ أقُومُ، فقالَ: مَكانَكِ فَجَلَسَ بيْنَنا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، فقالَ: ألا أدُلُّكُما علَى ما هو خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُما إلى فِراشِكُما، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ وعَنْ شُعْبَةَ، عن خالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قالَ: التَّسْبِيحُ أرْبَعٌ وثَلاثُونَ". أخرجه البخاري في صحيحه.
هذا بيت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرهقها العمل، وزوجها الذي له ظروفه الاقتصادية،لكن قلبه مملوء بهمومٍ كبارٍ في سبيل الله.
وقد أحست الزوجة من أول يوم دخلت فيه بيت الزوجية بأحوال زوجها الذي لم يجد مهرا لها سوي درع عنده يستخدمها في الحرب، ولا يستطيع أن يستأجر لها من يقوم بالأعمال الشاقة من إدارة الرحى ونحو ذلك في بيته، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، ورضي الله عنكم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في إحدي غزواته وعاد منتصراً ومعه غنائم وسبايا، ودخل الإمام عليٌّ بيته فرأي زوجته فاطمة متعبة من مشقة إدارة الرحى، فأشفق عليها وقال لها :" اذهبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالتمسي منه خادما يعينك"
وذهبت رضي الله عنها على استحياء، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بها، وسألها : "ما جاء بك يا بنية؟" فمنعها الحياء أن تصرح بما جاءت من أجله ،وقالت :"جئت لأسأل عنك"وانصرفت.
وكانت السيدة فاطمة رضي الله عنها كما يصفها الرواة صغيرة الجسم، نحيلة العود، رقيقة الإحساس، مرهفة الشعور.
ولما تكررت رؤية الإمام علي رضي الله عنه للمشقة التي تظهر علي السيدة فاطمة رضي الله عنها والتعب الذي تعانيه من إدارة الرحى وحمل القربة، عند ذلك اصطحبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولى الحديث عنها، فقال : يا رسول الله، أدارت فاطمة الرحى حتى أثرت في يدها، وحملت القربة حتي أثرت في نحرها، فلما جاءك الخدم بعد الغزوة أمرتها أن تأتيك لتعطيها خادما.
هذا موقف عظيم يتعلق بفاطمة الزهراء رضي الله عنها أقرب الناس إلي أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهى قطعة منه .
ألم يكن بوسع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لها شيئاً من الغنائم؟ !
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن من تولى أمانةَ أَمْرٍ ما عليه أن يؤدي الأمانة، وألا تهتز العدالة بين يديه تبعاً لعواطفه ومشاعره لأهله وأبنائه وقرابته؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما : "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم ، فرجعا". (أخرجه أحمد في مسنده).
وكأني بك يا رسول الله تمضي ابنتك -وهي قطعة منك- والقلب ينسحب معها انسحابا، لكن أمر الله أغلى وأعلى من الولد وأغلى من كل شيء.
وفي المساء ذهب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلي منزل الحبيبين الإمام علي والسيدة فاطمة رضي الله عنهما يردهما إلي الله تعالى؛ لنتعلم أن ما نعجز عن تحقيقه من آمال أو طموحات لأولادنا، علينا أن نوجه أولادنا إلي أن يرفعوه إلي الله تعالى، وأن يستعينوا بالله تعالى فهو سبحانه على كل شيء قدير.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما :"عليكما بكلمات علمنيهن جبريل عليه السلام :إذا أويتما إلي فراشكما تسبحان ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، وتكبران ثلاثا وثلاثين".
فكانت القوة والعافية والبركة من ثمرات الاستجابة لنصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته.
وهذا درس قيم في ثمرة اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيمان وحب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.
فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم دون تردد أو مراجعة؛وكذلك أهل بيته وصحابته الكرام رضي الله عنهم ؛ لنفوز بما فازوا به من توفيق الله تعالى وعنايته في الدنيا، وبالجنة والرضوان في الآخرة.
رضي الله عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدبنا الله بأدبهم وخلقنا بأخلاقهم.
نعمة محمد مصطفى الشنشورى
منطقة وعظ جنوب سيناء