عندما يُطِلُّ علينا شهر ربيع اﻷول تُطلُّ علينا معه نسائم المحبة والشوق؛ ففي هذا الشهر أنعم الله علينا بولادة قمر اﻷنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم)، فهو من أعظم النعم التي منَّ الله تعالى علينا بها، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، المؤيد بجبريل، وإمام الغر المحجلين، أبهى من البدر ليلة التمام، فمحبته (صلى الله عليه وسلم) فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بل إن محبته (صلى الله عليه وسلم) هي عين محبة المولى -عزوجل- كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، فمحبته (صلى الله عليه وسلم) من مقتضيات الإيمان وكماله كما قال (صلى الله عليه وسلم): (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه وماله وولده)، فالواجب علينا أن نذوب حبَّا له وشوقًا إليه.
ولكن يجب أن نعلم أن هذه المحبة ليست كلمات تقال، ولا قصائد تقرأ، ولا مدائح تنشد، إنما المحبة سلوك فعلي وقولي ينسحب على الحياة بأكملها فالقلب يعشق محمدًا، واللسان يلهج بذكر أحمد، والجوارح تسير على نهج أحمد.
فإذا كنت كذلك -أخي المسلم- فاطمئن فأنت فى سفينة المحبين، ويصدق فيك قول خير المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه-(ومن أشد أمتي لي حبا قوم يكونون من بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) وتكون قد نهلت شربة ماء من نهر محبة الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) للحبيب (صلوات ربي وسلامه عليه)، إذ لا يوجد في التاريخ كله حب يفوق حب الصحابة للرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ فقد عرضوا أجسادهم للسيوف دون جسده الطاهر، وضحُّوا بدمائهم من أجل حمايته، فقد كان الصحابي منهم يذهب إلى الموت طائعًا مختارًا، وهو يعلم أنها النهاية، وكأنه يذهب إلى عرسه؛ لأنه أحبَّ محمدًا بل كانوا يتمنون رضاه على رضاهم، وراحته ولو تعبوا، وما كانوا يرفعون أصواتهم على صوته؛ تعظيما له، فقد أحبوه لأنه وصلهم إلى الله.
وأنا أعلم يقينا أن المحبين له (صلى الله عليو وسلم) في هذا الزمان وفي هذا البلد الطيب كثير، ولكن هذا الحب قد تراكم عليه تراب الغفلة والانشغال بالدنيا وما فيها من فرح أو حزن، فهيا بنا اﻷن لننهض من هذه الغفلة ونزيل تراب الدنيا وما فيها، ونجلوا القلوب بمحبة الحبيب وبالصلاة عليه فهي طوق النجاة، وهي نور للبصائر والأبصار، وراحة للأرواح وقرة للعيون، وذهاب للهموم والغموم، فهيا بنا لنكتب أسماءنا مع المحبين ولنلحق بسفينة الناجين، ولنكون من أهل الشفاعة أجمعين، فصلاة الله وسلامه عليك يا أبا القاسم في كل وقت وحين.
وأختم بقول الشاعر:
يا من ولدت فأشرقت بربوعنا
نفحات نورك وانجلى الإظلام
أأعود ظمآنًا وغيرى يرتوى
أيرد عن حوض النبي هيام
بقلم / نادية مصطفى
منطقة وعظ أسيوط