للقدوة دور مهم في حياة الأفراد والمجتمعات، وهي أحد المؤثرات الأساسية في مسار حياة الناس، وهي دافع نحو التغيير والإصلاح، وعنصر مهم في إعداد الأجيال عبر الأزمان، وصقل شخصياتهم علميًّا وتربويًّا، بما يؤهلهم لتحمل مسؤولية التكليف وأداء أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض على منهاج النبوة.
والمتدبر للقرآن الكريم يجد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يقتدي بمن سبقه من إخوانه الأنبياء؛ تتفيذًا لأمر ربه - تعالى- الذي قال: «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ» {الأنعام ٩٠}.
وأمر ربنا عباده في القرآن الكريم بالاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا، فقال تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» {الأحزاب ٢١}.
وهذا دليل على أهمية القدوة الحسنة في المجتمع.
ولا شك أن القدوةَ الحسنة أسلوبٌ من أساليب التربية المؤثرة في إعداد الأبناء خلقيًّا، وتكوينهم نفسيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا، وذلك لأن المربي(الأب- المعلم- ٠٠٠) هو المثل الأعلى والأسوة الصالحة في عين الطفل، يقلده سلوكيًّا ويحاكيه خُلقيًّا من حيث يشعر أو لا يشعر، بل تنطبع في نفسه وأحاسيسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية.
وهو أسلوب مهم جدا وخطير في الوقت نفسه، لأنه يعني إيصال الخُلق الحسن عن طريق السلوك الإيجابي، فإن كان السلوك سلبيًّا صارت القدوةُ سيئةً؛ لذلك وجب على المربي أن يراقب سلوكه وأقواله وأفعاله التي يقوم بها أمام الأولاد، كما عليه أن يهتم بتهذيب الوسط الذي يتربى فيه الأولاد لأنه كما يقتدون به يقتدون بغيره، ولله در القائل:
مَشَى الطاووسُ يومًا باعْوجاج فقلدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا: بدأْتَ به ونحنُ مقلّدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ فإنا إن عدلْتَ معدلوه
أمَـا تدري أبانا كلُّ فرعٍ يجاري بالخُطى من أدبوه؟
وينـشَأُ ناشئُ الفتيانِ منـا على ما كان عوَّدَه أبوه
ولأهمية القدوة ومسؤولياتها كان الإمام أبو حامد الغزالي يرى أن وِزْرَ العالِم في معاصيه أكثر من وِزْرِ الجاهل؛ حيث إن ذنبه ومعصيته ممتدة، لأن معصية العالِم والفقيه تقود إلى تدمير قِيَم الدين.
ومتى اقتدى النشء بالقدوة الحسنة في أبيه أو معلمه أو شيخه- مثلًا- فإنه سيكون نبتة صالحة، ومتى فقد المجتمعُ القدوةَ الحسنة وقعت الأمة في مصيبة أخلاقية كبيرة كما يحدث في واقعنا المعاصر.
* وإن من أهم أسباب غياب القدوة لدى الشباب هو أن الحياة أصبحت بالنسبة لهم مادية أو تقليدًا أعمي بلا نقاش أو جدال، إذ يبدو أنَّ تَسَارُعَ عجلة الحياة وتعقيدها قد خلق فجوة كبيرة بين الأجيال الماضية والحاضرة، وجعلت لكل جيل منهما اعتقادات ومبادئ ورؤى مختلفة، وبنظرة ثاقبة وموازنة أو مقارنة بسيطة بين الأجيال نرى أن الجيل الحالي مختلف تمامًا في طباعه وعلاقاته ومعاملاته وسلوكياته عن الأجيال السابقة،ولعل ذلك يرجع في كثير من حيثياته إلى اختلاف القدوة، مع إيماننا الكامل باختلاف الزمن والمكونات والآليات في كل جيل.
* ولعل غياب القدوة الحسنة لدى كثير من أفراد هذا الجيل كان من أسباب فشل النجاح في الحياة وتصدر مشاهد العنف والبلطجة في حياتنا اليومية؛ وذلك لما للقدوة من أثر كبير في بناء الشخصية ووسطيتها واتزانها.
* ولا عجب في ميل الشباب إلى اتخاذ قدوة، فما كان ذلك كذلك إلا استجابة طبعية لحاجة داخلية في الإنسان تُعبر عن وجود نقص ما يشعر به ويحتاج إلى إشباعه.
والاعتماد على قدوة أو مثل يجب أن يبدأ من الصغر عندما يبدأ الناشىء تقليد أبويه في تصرفاتهما وسلوكهما، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى القدوة الحسنة، فالقدوة أمر جوهري، لا يمكننا التغافل عنه إن أردنا لأولادنا الصلاح والفلاح.
مقال بقلم الشيخ / محمد عمر حسن - وعظ قنا