تكفي نظرة بسيطة على الأحداث العالمية الراهنة، ومقارنتها بالأنشطة الإرهابية حول العالم، في إثبات حقيقة التشابه الكبير في العمليات الصهيونية ضد غزة وتنظيم داعش الإرهابي، بل إن الاحتلال أضاف عليها مزيجًا من الفاشية والنازية وأنتج مولودًا أقبح من كل التنظيمات الإرهابية مجتمعة على اختلاف مسمياتها وأيدولوجياتها.
وفيما يلي نسوق للقارئ الدليل على هذا التشابه عبر الملاحظات السبع التالية:
- توظيف الدين في تحقيق مكاسب سياسية:
استشهد "بنيامين نتانياهو" رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أكثر من مرة، بالنصوص التوراتية في تبرير مجازر الاحتلال ضد الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال في قطاع غزة، مثل الاستدلال بنبوءة (إشعيا) التي يقول فيها:" لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصًا وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحًا". [إشعيا: ٦٠/ ١٨]. وكذلك اقتباس ما ورد في سفر التكوين عن العماليق في تحفيز جنود الاحتلال على قتل كل ما يتحرك في غزة، وفيه:" الآن اضربوا العماليق، دمروا تمامًا كل ما يملكون لا تفلتوهم، اقتلوا الرجال والنساء، الرضع والمرضعات، العجول والخراف، الجمال والحمير". هذا بخلاف فتاوى الحاخامات بجواز استهداف المستشفيات. وكلها شواهد على توظيف (نتانياهو) للنصوص والفتاوى الدينية (على غرار قيادات تنظيم داعش الإرهابي) في تحقيق أهداف عسكرية وإضفاء الصبغة الشرعية على الجرائم الإرهابية.
- تحقيق حلم الإمبراطورية والتوسع الإمبريالي:
في العام ٢٠١٥م أعلن "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش الأسبق، قيام دولته المزعومة، وهو الحلم الذي لا يختلف في مضمونه عن رغبة الكيان الصهيوني بناء دولته على أرض عربية خالصة تمتد من النيل إلى الفرات. وبالتالي يمكن القول بجرأة إن طموح تنظيم داعش الإرهابي ببناء دولة ثيوقراطية تحت مسمى إحياء الخلافة، هو نفس حلم المتطرفين الصهاينة بشأن إقامة (مملكة إسرائيل الكبرى) أو (مملكة داود) على أرض مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزء من العراق والسعودية، وفق الخريطة المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي الصهيونية، مع اشتراك الطرفين في توظيف الدين للترويج لتلك الأوهام.
- العنصرية والاستعلاء وتوسيع دائرة الصراع:
العنصرية وادعاء التفوق، وامتلاك ناصية الحق، من السمات المشتركة الأخرى في أدبيات تنظيم داعش والكيان الصهيوني، في تسويغ أعمال العنف والقتل والاعتداء على الآخر الذي ينأى بنفسه عن استخدام أساليب مماثلة في المقاومة والدفاع عن النفس. بعبارة أخرى تكرس خطابات داعش والكيان الصهيوني للعنف والإرهاب باسم الأديان.
على سبيل المثال، قدمت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقًا "جولدا مائير" تعريفًا لليهودي بأنه "يقصي غير الغربيين". كذلك كشفت إحصاءات رسمية وردت بالعدد الأول من مجلة "ميداع عال شِفايون" عن عنصرية المنظومة التعليمية الصهيونية، من خلال توزيع الطلاب على فصول طبقية- طائفية، وأخرى طبقية- قومية.
ومع استمرار عمليات (طوفان الأقصى) انتشرت التصريحات الصهيونية التي تفوح بالعنصرية وتفوق العرق اليهودي على ما سواه، كتلك الدعوات التي تصم الفلسطينيين بالحيوانات، وتدعو إلى استحلال دمائهم وأعراضهم دونما شفقة أو رحمة، تصديقًا لقوله تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ" [آل عمران: 75]، كما سعى الكيان الصهيوني إلى توسيع دائرة الصراع في غزة، والضفة الغربية، وعلى الجبهة اللبنانية والسورية، تماما كداعش لا يحسنون إلا الصراع ولا يتنفسون إلا الحروب والقتل.
- التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين
ثمة تشابه قوي بين عمليات الإبادة الجماعية التي نفذتها عناصر تنظيم داعش الإرهابي ضد قومية الإيزيديين في العراق، وبين جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة وفلسطين بشكل عام. وقد كشفت طريقة التعامل الدولي مع كلا الحالتين، عن ازدواجية في المعايير ونفاق القانوني الدولي في التفاعل مع شعوب وقضايا المنطقة. من ذلك اتهام تقرير منظمة العفو الدولية عام 2014م، تنظيم داعش المتطرف بشن "حملة تطهير عرقي ممنهج" في مناطق شمال العراق على خلفية قتل الإيزيديين، وإبادة قرى المسيحين، والآشوريين والأكراد، مما تسبب في نزوح وهجرة مئات الآلاف من هذه العرقيات والأديان خوفًا من بطش تنظيم داعش الإرهابي. حينها ثار العالم وكان الأزهر الشريف في مقدمة المؤسسات التي أدانت تلك المجازر، ورفضها رفضًا قاطعًا، ودعا إلى ضرورة محاربة مرتكبيها وفضحهم.
لكن هذه الحكومات نفسها لم تكتف بتجاهل معاناة الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي اليومي، وإنما تعلن بلا خجل مساندة الكيان الصهيوني وتدعمه بالسلاح في جرائمه التي فاقت كل ما قامت به داعش وأخواتها من التنظيمات المتطرفة؛ حيث بلغ عدد ضحايا الإرهاب حول العالم في خمس سنوات، حوالي (46) ألفًا، بينما أسفر القصف الصهيوني على غزة خلال أربعون يومًا فقط عن استشهاد أكثر من (11500) فلسطيني بينهم (5000) طفل، وعدد (3500) امرأة، والأعداد مرشحة للزيادة مع استمرار العمليات، ناهيك عن أعداد المفقودين تحت الأنقاض والمصابين بجراح خطيرة، والأعجب من ذلك أن الضحايا في المرتين من أبناء العرب مسلمين ومسيحيين.
- العنف المفرط واستخدام التوحش:
لم ينس العالم حرق تنظيم داعش للطيار الأردني "معاذ الكساسبة" حيًّا، ولم يغب عن ذاكرته مشاهد قطع الرؤوس والأعضاء، وتفجير رؤوس الناس بالأسلحة النارية والعبوات الناسفة، وقد علمنا أن ذلك منطلق عند تنظيم داعش من كتابهم المعروف إدارة التوحش، وكيفية استغلال التوحش في إرعاب أعداء التنظيم.
ليتجسد ذلك في واقعنا مع الكيان الصهيوني، فيسير على نسق داعش في إدارة التوحش بصورة أبشع وبقوة نيرانية أشد، فأشلاء الأطفال باتت منظرًا معتادًا في غزة كل يوم، نرى أجسادًا بلا رؤوس وأعضاء بلا أجساد، وأشلاء لعائلات كاملة تجمع في حفنة، أو حفنتيْن، أو كيس، أو كيسين، هذا فضلًا عن تدمير آلاف المنازل. إن الذي يمكننا أن نؤكده أن هناك تشابهًا واضحًا بين الكيان وبين داعش، ولو أن هناك عقلاء في العالم لأوقفوا هذا الكيان عند حدوده، ولكن العالم قد مات ضميره، وأصبح لا يعرف إلى العدل سبيلًا، ولا يطبق الرحمة إلا وقتما يريد.
- إستراتيجية الأرض المحروقة:
إن سياسة التهجير التي يُصر عليها الكيان الصهيوني، يسبقها سياسة استخدام إستراتيجية الأرض المحروقة، وهي تلك التي استعملها داعش في العراق وسوريا، في أثناء تواجده هناك، فقد ذكر "جعفر الإبراهيمي" مستشار الحكومة العراقية للبنى التحتية، لرويترز أن "تنظيم داعش تسبب في خسائر تقدر بنحو (٣٠ مليار) دولار في البنية التحتية العراقية منذ ٢٠١٤م"، وأضاف الإبراهيمي: أن "تنظيم داعش استخدم سياسة التدمير الشامل للمنشآت والمصانع والبنايات؛ بقصد إحداث أكبر ضرر اقتصادي للعراق، وأستطيع أن أؤكد أن ما لا يقل عن (٩٠٪) من البنى التحتية والمنشآت الحيوية الصناعية قد دُمرت على أيدي تنظيم داعش في المناطق التي احتلها في العراق"، وهو ما يُسمى بسياسة الأرض المحروقة التي تستعمل وقتما تكون الأمور صعبة، أو أن المنفذ لها يحاول إيهام الخصم أنه منتصر عليه؛ ليجبره على سيناريو معين، والآن يحاول الكيان استخدام نفس الإستراتيجية في قطاع غزة؛ ليوهم الداخل الصهيوني أنه يحقق انتصارات على أرض الواقع، والحقيقة أنه يواجه انهيارًا كبيرًا حتى مع الدعم المفتوح للكيان من قبل الولايات المتحدة، وهو الأمر نفسه الذي ظلت داعش تتغنى به فترة طويلة تحت عنوان: "باقية وتتمدد" وفي النهاية اكتشف أتباعها أنها منهارة، وليست باقية ولا متمددة.
- التنكر للقوانين والمواثيق الدولية:
لا يكف تنظيم داعش الإرهابي عن ترديد عدم اعتباره للقرارات الدولية، وعدم احترامه للمواثيق الدولية، بل يعلن بشكل واضح كفره بالنظام العالمي ومؤسساته، وكأنه لا يراها ولا يسمعها.
وبالمثل، فإن هذا الكيان الصهيوني لم ينفذ قرارات الأمم المتحدة، ولم يستجب لنداءات النظام العالمي، ولم ينزل على نصوص القوانين الدولية والمواثيق، كلها لا يراها ولا يسمعها ولا ينفذها؛ لدرجة أن كثيرًا من الكتاب يرونه فوق القانون الدولي والقرارات الأممية.
إن هذه المقارنة السريعة لو أردنا تعميقها وحشد الأمثلة والأدلة كافة على إجرام كلا التنظيمين لتوسع هذا المقال ليصبح رسالة علمية مكونة من مئات الصفحات المليئة بمئات الأدلة والأحداث على أن الصهيونية والداعشية وجهان لعملة واحدة، ولصدَق على الكيان المحتل هذا النحت اللفظي الصهيوداعشية، بل لم يكفِ في التعبير عن معاني الإجرام والوحشية والعدوان والعنف والذي خرجت شعوب العالم منددة به، ومستنكرة له.
ليبقى السؤال الحائر: هل العالم الذي كون تحالفًا دوليًّا لمواجهة إجرام داعش ووحشيته سيقوم بتحالف حتى وإن كان تحالفًا غير عسكري لكبح جماح هذا الكيان الصهيوني؟! أم لا تكفي تلك الدماء التي أريقت وهذه الأشلاء التي قطعت، وهذا التهجير المُذل، وهذا الخراب الذي نراه لإثبات وحشية العصابات الصهيونية؟!
وحدة رصد اللغة العربية