المرأة في وثيقة الأخوة الإنسانية

  • | الأحد, 14 مارس, 2021
المرأة في وثيقة الأخوة الإنسانية

«باسمِ الله الَّذي خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلامِ».
بهذه الكلمات الوجيزة في لفظها ومبناها، العظيمة في محتواها ومعناها،  افتتحت "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" سطورها الأولى، إيذانًا منها والتزامًا نحو البشر جميعًا دون تفريق أو تمييز على أساس الدِّين أو العِرق أو اللون أو اللغة.
ونحن في هذا المقال إذ نستهل حديثنا بكلمات حول وثيقة "الأخوة الإنسانية" لنجيب عن تساؤل؛ كيف ترى "وثيقة الأخوة الإنسانية" المرأة؟ اسمحوا لنا أن نعيد إلى الأذهان بعضًا من هذه البنود السامية الخالدة التي احتوتها وثيقة "الأخوة الإنسانية".
في البداية كانت فكرة كتابة وثيقة "الأخوة الإنسانية" وليدة من رحم الحوار المشترك والمساحة الرحبة التي جمعت أكبر رمزين دينيين في العالم؛ فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس الأول بابا الكنيسة الكاثوليكية، ليتم توقيع بنود الوثيقة في 4 فبراير لعام 2019، في أبوظبي. وفي مقال سابق لوحدة الرصد باللغة الإيطالية بمرصد الأزهر بعنوان "الأزهر والفاتيكان.. محطات حوارية" أوضح المرصد فيه أبرز هذه المحطات الحوارية التي جمعت أكبر رمزين دينيين في العالم حتى تاريخ نشر المقال ذاته. 
ومن الجدير بالذكر، في هذا السياق؛ أن نشير إلى أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، كانت قد طرح فكرةَ الحوار بين الشرق والغرب، في شتاء 2014، وقد أيَّده  في فكرته مجلسُ حكماء المسلمين، كما استقبل حكماءُ الغرب هذا الطرح بالترحاب؛ فكانت النتيجةُ 6 جولاتٍ للحوار بين الشرق والغرب، بدأت في يونيو 2015، وجابت مدن العالم؛ فلورنسا وباريس وجنيف وأبوظبي والقاهرة وختامًا بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي، بالإضافة إلى لقاء أخير افتراضي في 4 فبراير 2021، جمع أكبر رمزين دينيين في العالم في الذكرى الثانية لتوقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية"، وبمناسبة الاحتفال الأول بـ "اليوم العالمي للأخوة الإنسانية" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ‏الخامسة والسبعين المنعقدة بتاريخ 21 ديسمبر 2020، وذلك بعدما أحاطت الجمعية علمًا بجميع المبادرات الدولية والإقليمية والوطنية والمحلية، وبجهود الزعماء الدينيين، الرامية إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وكذلك باللقاء الذي جمع بين فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس الأول في 4 فبراير 2019 في أبو ظبي، وأسفر عن توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك".
ولعل ما يميز وثيقة "الأخوة الإنسانية" عن باقي المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية الأخرى؛ أنها كانت وليدة اجتماع أكبر رمزين دينيين، وأكبر مؤسستين دينيتين في العالم حول بنودها، فكما جاء في الوثيقة " يُعلِنُ الأزهَرُ الشريفُ - ومِن حَوْلِه المُسلِمُونَ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها - والكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ - ومِن حولِها الكاثوليك من الشَّرقِ والغَرْبِ" إذ توضح العبارة بجلاءِ أن الأزهر الشريف يخاطب جميع المسلمين المؤمنين بالدين الإسلامي الحنيف، والنَّاسَ أجمع بالالتزام ببنود هذه الوثيقة وبما جاء فيها، وأن الكنيسة الكاثوليكية تخاطب جميع المؤمنين الكاثوليك المسيحيين، والنَّاسَ أجمع بالالتزام ببنود هذه الوثيقة وبما جاء فيها. وفي إعلان بنود هذه الوثيقة إقرار واعتراف ضمني بكل المبادئ، والتزام بكل الحقوق التي جاءت بين دفتيها.
ولقد تناولت وثيقة "الأخوة الإنسانية" في بنودها العديد من القضايا الهامة التي يعاني ويأنُّ منها العالم؛ منها: الحروب، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحماية دور العبادة، والمواطنة، ونشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش، والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ، والعدل والحوار مع الآخر، والإرهاب البغيض الذي يتنافى مع تعاليم الأديان السمحة البريئة منه، وحقوق الأطفال والمسنين، وأخيرًا وليس آخرًا الاعترافَ بحَقوقِّ المرأةِ.
ولأهمية ومكانة المرأة، تناولت الوثيقة المرأة وحقوقها في صور ومظاهر مختلفة؛ لتؤكد أن المرأة لا تقلُّ أبدًا عن الرجل، بل هي شريكة فاعلة وحاضرة معه في كل مناحي الحياة.
 أولًا: المرأة والمساواة في وثيقة الأخوة الإنسانية:
لقد تناولت الوثيقة في سطورها الأولى أن البشر جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات والكرامة، دون تفريق بين الرجل والمرأة. ونحن إذ نتحدث في ذكرى اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق 8 مارس من كل عام، نؤكد أن الله الخالق عز وجل، قد كرَّم المرأة بأنْ خصَّها بسورة في القرآن الكريم ألا وهي سورة "النساء". كما دعا القرآن الكريم إلى معاشرة النساء بالمعروف في قول الخالق عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء:19). كما يمكننا أن نشير إلى مقال لوحدة الرصد باللغة الإيطالية بمرصد الأزهر بعنوان "اليوم العالمي لنَبْذ العنف ضد المرأة" الصادر في نوفمبر 2018، الذي يتناول ويحلل المزيد حول هذه القضية.
ثانيًا: تناولت الوثيقة المرأة وخصَّت المرأة الأرملة، لتتحدث عن تلك المآسي والمعاناة التي تعاني منها على إثر فقدان زوجها، تتكالب عليها مشقة الحياة وصعوبة تربية الأيتام.
 ثالثًا: تناولت الوثيقة المرأة وخصَّت تلك المرأة التي تقع ضحية من ضحايا العنف والاضطهاد والأسر، وليس ما يعانيه النساء حول العالم ببعيد، فبحسب ما أعلنه موقع الأمم المتحدة؛ تتعرض ثلث النساء للعنف الجسدي أو الجنسي. 
رابعًا: لقد ضمَّت وثيقة "الأخوة الإنسانية" صوتها إلى صوتِ كلِّ امرأة حرة تحلم بحياة آمنة مستقرة، تحقق من خلالها نجاحات مختلفة، فالمرأة هي النواة الأساسية للمجتمع، لا نقول إنها نصف المجتمع؛ بل هي كل المجتمع، تُمثل فيه النصف وتنجب وتعلم وتربي النصف الآخر، وهنا ترى الوثيقة المرأة في صورة الأم التي ترعى جميع أفراد الأسرة، وبمدى ترابط هذه الأسرة يكون نجاحها، ويكون أمان واستقرار المجتمعات. 
لقد ضمت وثيقة "الأخوة الإنسانية" صوتها إلى صوت كل المعاهدات الدولية من حيث الحماية القانونية لحقوق المرأة، والاتفاقيات العامة التي تنادي بحقوق المرأة ومنها؛ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، والميثاق الإفريقي حول حقوق الإنسان والشعوب 1981، والاتفاقيات الخاصة ومنها؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الأمم المتحدة 1966)، القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (الأمم المتحدة 1979)، كما جاء في الوثيقة: "إنَّ هذه الوثيقةَ، إذ تَعتَمِدُ كُلَّ ما سبَقَها من وَثائِقَ عالَمِيَّةٍ" تؤكد على ضرورة الاعتراف بحق المرأة في:
 أ - التعليم، وذلك كي تنال كل فتاة حقها في التعليم، تنمي مداركها وتوسع من ثقافتها وتعد نفسها من أجل تأهيل الأجيال القادمة، وهو تصريح من أكبر رمزين دينيين في العالم بأن التعليم حق من حقوق المرأة، وأن كل ما تفعله الحركات الإرهابية من حرمان الفتيات من التعليم، وهو أحد الأمور التي تعاني منها النساء في أفغانستان على سبيل المثال، يتنافى مع كل المعاهدات الدولية والاتفاقيات العامة والخاصة وتعاليم الأديان.
ب - العمل، وإن كانت المرأة لعقود طويلة محصورة في أدوار وأسوار ضيقة، تعيق من آفاقها وقدراتها، فإن العمل حق أصيل من حقوق المرأة؛ كي تضع في هذه المجتمعات بصمتها التي ربما لا يبرع فيها أحد غيرها. كما تقف النساء في الخطوط الأمامية لجبهة التصدي لجائحة كوفيد- 19 بوصفهن عاملات في مجال الرعاية الصحية وراعيات ومبتكرات وناشطات مجتمع، ونماذج رائعة للقيادات الوطنية الفاعلة في جهود التصدي للجائحة. وقد سلَّطت هذه الأزمة الصحية الضوء على مركزية مساهماتهن، والأعباء الملقاة على عواتقهن بصورة غير منصفة. كما يعمل ما يقرب من 60% من النساء في العالم في الاقتصاد غير الرسمي، مما يعني أنهن يكسبن ويدخرن أقل، كما أنهن أكثر عرضة للوقوع في ربقة الفقر، وهو الأمر الذي يؤكد على ضرورة إتاحة الفرصة للمرأة، بحسب ما أعلنه موقع الأمم المتحدة.
جـ - ممارسة الحقوق السياسية، فالمرأة التي كانت بمعزل عن العالم، أصبحت اليوم رئيسةً لبعض الدول، ورئيسةً في مجالس النواب والشعوب والعديد من المناصب القيادية، لتؤكد أنها قادرة على التحمل والعطاء في كافة المجالات. كما تطالب الوثيقة بالعمل على تعديل التشريعات التي تحول دون حصول النساء على كامل حقوقهن، وبأن تحظى المرأة بتمثيل جديد في كافة المناصب المختلفة، إذ بحسب ما أعلنه موقع الأمم المتحدة؛ منعت القيود القانونية ما يزيد من ملياري ونصف المليار امرأة من اختيار الوظائف مثل الرجال، فضلًا عن عدد البرلمانيات في العالم قبل 2019 لم يكن يزيد عن 25%. ولم تزل واحدة من كل ثلاث نساء تعاني من العنف القائم على أساس النوع.
د - تحرير المرأة من الضغوط التاريخية والاجتماعية المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها.
هـ - حماية المرأة من الممارسات اللاإنسانية والعادات المبتذلة لكرامة المرأة.
و - حماية المرأة من الاستغلال الجنسي ومن معاملتها كسلعة أو كأداة للتمتع والتربح.
وحول هذه الضغوط التاريخية والاجتماعية، يمكننا أن نشير إلى مقال لمرصد الأزهر بعنوان "وثيقة الأخوة الإنسانية 3 الأسرة والمرأة"، الذي يحلل كافة هذه التفاصيل.
ولعل أبلغ دليل على مكانة المرأة في وثيقة ”الأخوة الإنسانية“، أن "اللجنة العليا للأخوة الإنسانية" لم تتوانى في منح  جائزة "زايد للأخوة الإنسانية" لعام 2021 مناصفة بين الناشطة الفرنسية من أصول مغربية السيدة/  لطيفة بن زياتين، والأمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنطونيو غوتيريش، لدورهما في دعم السلام العالمي.
جدير بالذكر الإشارة هنا إلى أن السيدة/ لطيفة بن زياتين، هي من أكثر الشخصيات النشطة والمؤثرة في مجال مكافحة التشدد والتطرف، حيث كرَّست حياتها لرفع الوعي تجاه التعصب الديني، وذلك في أعقاب مأساة فقدان ابنها عماد في هجوم إرهابي في عام 2012. ومنذ ذلك الحين أضحت لطيفة ناشطة حقوق مدنية معروفة في فرنسا وخارجها، حيث تعمل مع العائلات والمجتمعات لحماية الشباب من الوقوع في فخ التطرف، والعمل على نشر السلام وثقافة الحوار والاحترام المتبادل.

كما أن الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنطونيو غوتيريش، قد شرع منذ تولي مهام منصبه كأمين عام للأمم المتحدة في عام 2017 في العمل على إيجاد حلول للمشاكل، التي يعاني منها العالم، وخاصةً فيما يتعلق بالسلم والأمن العالميَّين، بالإضافة إلى مبادرته الأهم والأكثر تأثيرًا خلال العام الماضي، والتي جاءت تحت عنوان "حظر الحروب في سبيل مكافحة جائحة كورونا". ومن أقواله: "يجب أن يكون القرن الحادي والعشرون قرن المساواة بين المرأة والرجل. فليقم كل منا بدوره تحقيقًا لذلك".
وختامًا نقول؛ هكذًا ترى وثيقة "الأخوة الإنسانية" المرأة شريكًا فاعلًا، متساويًا في كافة الحقوق والواجبات والكرامة؛ أُمًّا وأُختًا وزوجةً وسياسيةً وقائدةً، لتُقر بـ "أنَّ الاعترافَ بحَقِّ المرأةِ في التعليمِ والعملِ ومُمارَسةِ حُقُوقِها السياسيَّةِ هو ضَرُورةٌ مُلِحَّةٌ، وكذلك وجوبُ العملِ على تحريرِها من الضُّغُوطِ التاريخيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُنافِيةِ لثَوابِتِ عَقيدتِها وكَرامتِها، ويَجِبُ حِمايتُها أيضًا من الاستغلالِ الجنسيِّ ومن مُعامَلتِها كسِلعةٍ أو كأداةٍ للتمتُّعِ والتربُّحِ؛ لذا يجبُ وقفُ كل المُمارَساتِ اللاإنسانية والعادات المُبتذِلة لكَرامةِ المرأةِ، والعمَلُ على تعديلِ التشريعاتِ التي تَحُولُ دُونَ حُصُولِ النساءِ على كامِلِ حُقوقِهنَّ".

 وحدة الرصد باللغة الإيطالية

    
 

طباعة