تشهد البيئات الرقمية تطورًا هائلاً في العصر الحالي، حيث أصبحت الأجهزة الإلكترونية والفضاء الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين. وفي عالم يزداد فيه التواصل الإلكتروني والترابط بين الأفراد والمجتمعات عبر الفضاء الإلكتروني، تزداد الحاجة إلى خلق بيئة رقمية آمنة وتمكينية (1) أكثر من أي وقت مضى. كما أدت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى زيادة اهتمام القُصَّر والشباب باستخدام الفضاء الإلكتروني بشكل كبير، خاصة منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث تعد أرضًا خصبةً لنشر الأكاذيب والأخبار والمفاهيم المغلوطة. من ناحية أخرى، يتزايد عدد الأطفال الذين يستخدمون الفضاء الإلكتروني للمرة الأولى بشكل يومي، سواء عبر أجهزة الحاسوب أو من خلال الهاتف المحمول، الأمر الذي يُثير قلقًا بشأن سلامة الأطفال وحمايتهم في هذه البيئات الرقمية.
كما يعد وصول الأشخاص إلى استخدام التكنولوجيا والأدوات الرقمية بسهولة وبشكل شامل يطرح تحديات كبيرة أمام المجتمع بخصوص الأطفال، وتتنوع الآثار المحتملة للأخطار التي تهدد حماية البيانات الشخصية والخصوصية، من التحرش والتسلط السيبراني، إلى المحتوى الإلكتروني الضار، واستغلال الأطفال جنسيًّا، وسنقوم بتسليط الضوء على أنواع التحديات والمخاطر التي تهدد الأطفال عبر شبكات المعلومات الدولية.
ومن أجل معالجة هذه التحديات والمخاوف المرتبطة بحقوق الأطفال عبر الفضاء الإلكتروني، قدمت الحكومة الإسبانية مشروع قانون جديد، حيث أعدت خطة تهدف إلى تثقيف جميع الطلاب، في جميع المراحل الدراسية، إعلاميًّا حيث يتلقى جميع الطلاب تدريبًا عمليًّا في المراكز التعليمية لتدريبهم على كيفية التعرف على حقيقة الأخبار المنشورة عبر الإنترنت، وعدم الانجراف خلف الخدع البصرية، وتجنب المنشورات الكاذبة والمغلوطة المنشورة بكثرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ بهدف جذب المزيد من المتفاعلين على المنشورات. كما صممت الحكومة الإسبانية تطبيقات ذات ضوابط أبوية يتم تحميلها على جميع الهواتف المحمولة حتى يتمكن الآباء من متابعة أبنائهم وحمايتهم من مخاطر الفضاء الإلكتروني.
لذا، فإن الهدف هو الحد من المخاطر الإلكترونية وحماية الأطفال من الأضرار التي قد يتعرضون لها عبر الإنترنت. وتشمل هذه المخاطر: أولًا: مخاطر المحتوى: وتتركز في التعرض لمعلومات غير دقيقة، أو غير كاملة، أو محتوى غير ملائم، أو إجرامي، مثل التعرض لمحتوى خاص بالبالغين، أو محتوى متطرف، أو عنيف، أو دموي، أو الاشتراك في منصات تتبنى أفكارًا عنصرية أو تمييزية. ثانيًا: مخاطر استغلال القصّر جنسيًّا أو التحرش بهم، أو تلقينهم وتجنيدهم لصفوف الجماعات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ثالثًا: المقامرة عبر الإنترنت، وكذلك انتهاك وإساءة استخدام البيانات الشخصية مثل القرصنة والاحتيال وسرقة الهوية؛ رابعًا: مخاطر السلوك: مثل تصفح مواقع ذات محتوى جنسي، أو المخاطر التي تتميز بنشاط عدائي أو عنيف مثل المطاردة، والتحرش. وأخيرًا: الإدمان والاستخدام الزائد: يمكن أن يتعرض الأطفال للإدمان على استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤثر على صحتهم النفسية والاجتماعية.
وأفاد أكثر من ثلث الشباب في 30 بلدًا بأنهم تعرضوا للتسلط السيبراني، حيث تغيب طفل واحد من كل خمسة أطفال عن المدرسة لهذا السبب. كما أفاد حوالي 80% من الأطفال في 25 بلدًا بأنهم يشعرون بخطر الاعتداء أو الاستغلال الجنسي عبر الانترنت.
وقد صرحت الحكومة الإسبانية بأن الهدف من تدريب الطلاب وتثقيفهم في كيفية استخدام الفضاء الرقمي هو إعطائهم الأدوات التي تحميهم من سوء استخدام الإنترنت وضمان حقوقهم. كما تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 95% من المراهقين لديهم هاتف محمول متصل بالإنترنت بشكل دائم، يستخدم ما يقرب من 50% منهم الفضاء الإلكتروني لأكثر من خمس ساعات في عطلة نهاية الأسبوع و31.6% يستخدمون الإنترنت خلال أيام الأسبوع. وعلاوة على ذلك، فإن 98.5% من المراهقين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي (تطبيقات فيسبوك، وإكس، وإنستجرام، وواتسآب)، وما يصل إلى 83.5% مسجلون على ثلاث أو أكثر من ثلاث شبكات. وإدراكًا من الحكومة الإسبانية بأنها لا تستطيع حظر استخدام جهاز المحمول (على الرغم من أنها روجت بالفعل بحظره في المدارس)، ستعمل الحكومة على تقليل تأثيره السلبي؛ ولهذا السبب أعدت حزمة من التدابير التي تهدف إلى حماية القُصَّر في الفضاء الإلكتروني.
وفي السياق ذاته، تنص المادة (2) على أن للأطفال والقُصَّر الحق في الحماية الفعالة ضد المحتوى الرقمي الذي قد يضر بالأطفال، لذلك سوف يخصص القانون الجديد حقوقًا للأطفال والمراهقين في البيئات الرقمية لأول مرة. كما تعترف بحقهم في الحصول على المعلومات الكافية والضرورية بشكل ولغة مناسبين لأعمارهم حول استخدام هذه التقنيات الخطيرة بالنسبة لأعمارهم، فضلًا عن حقوقهم والمخاطر المرتبطة بالبيئة الرقمية. كما تعترف القاعدة أيضًا بحق القُصَّر في حرية التعبير، والوصول العادل والفعال إلى الأجهزة، والتدريب على استخدام الأدوات الرقمية.
وتستمر التحديات والتهديدات المتعلقة بحماية الأطفال عبر الفضاء الإلكتروني بسبب الطبيعة العابرة للحدود للبيئة الإلكترونية وأسباب أخرى؛ لذا تحتاج حماية الأطفال عبر الفضاء الرقمي إلى إطار قانوني وخطط وإستراتيجيات وموارد دولية ووطنية ملائمة، بما في ذلك التمويل والمؤسسات، إضافة إلى ضرورة وضع إستراتيجية شاملة ومتعددة الأوجه لحماية الأطفال، تشمل تدابير فعالة وأنشطة هادفة. ولضمان هذه الحقوق، تخطط الحكومة لإنشاء ضوابط أبوية مجانية وإلزامية على جميع الأجهزة الإلكترونية مثل: الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التلفزيون الذكية. وفي الوقت الحالي، هناك بالفعل جزء كبير من الأجهزة يحتوي على عناصر التحكم هذه (في شركة Apple ضابط أبوي بالفعل يسمى وقت محدد للاستخدام Time of Use، وفي شركة جوجل هناك خاصية Family Link، وهي عبارة عن تحديد بعض المواقع ذات المحتوى الضار وحجبها).
من جانبه، يثمن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مبادرة الحكومة الإسبانية لتنفيذ خطة لتعليم الطلاب وتدريبهم عمليًّا على كيفية التعرف على الأخبار الكاذبة وتجنب مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي. ويشدد المرصد على ضرورة توفير برامج تعليمية متكاملة وتطويرها بحيث تغطي جوانب متعددة عند استخدام الإنترنت مثل: التحقق من صحة المعلومات، وتحليل المصادر، وتقييم المحتوى على الإنترنت، حيث يتعلم الطلاب كيفية التفكير النقدي واتخاذ قرارات سليمة. كما يوصي مرصد الأزهر بضرورة تزويد المعلمين بالتدريب اللازم، حيث يكونون قادرين على توجيه طلابهم، ومساعدتهم في تعلم مهارات التحقق من الأخبار، والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل آمن.
كما يجب توفير أدوات تكنولوجية جديدة مثل برامج حماية الأطفال على الهواتف المحمولة للآباء والأمهات، وذلك لحماية أطفالهم من المحتوى الضار ومخاطر الإنترنت، كما يوجه المرصد بتعزيز التعاون بين المدارس والأهل في مواجهة التحديات الرقمية، وتزويد الأهل بالموارد والمعلومات اللازمة لمساعدتهم في حماية أطفالهم، وتعزيز قدراتهم على التعامل مع الوسائط الرقمية بشكل صحيح. ومع تبني مشروع القانون وتنفيذه بشكل صحيح، ستكون إسبانيا في موقع قوي يؤهلها لتكون نموذجًا يُحتذى به في حماية حقوق الأطفال في البيئات الرقمية. وعلى المستوى العالمي، يجب أن تكون هذه الخطوة إشارة إلى أهمية العمل المشترك لضمان سلامة ورفاهية الأطفال في عصر الرقمنة.
وحدة رصد اللغة الإسبانية
([1]) تعني أن البيئة الرقمية يجب أن تكون مصممة ومهيأة بشكل يسهل استخدامها وتفاعل المستخدمين معها. يجب أن توفر البيئة الرقمية التمكين للأفراد والمؤسسات حيث يمكنهم الوصول إلى المعلومات والخدمات بسهولة وفاعلية.