مأساة مسلمى الروهينجا

 

استهداف الأضرحة الصوفية بباكستان
Sameh Eledwy

استهداف الأضرحة الصوفية بباكستان

لا يخفى على أحد أن الجميع قد بات مُستهدَفًا مِن قِبَل جماعات التكفير، تلك الجماعات التي نصّبت نفسَها المتحدّثَ باسم الله، ومن يملك مفاتيح الجنة والنار. يُكفّرون كل من يخالفهم، ويرمونه بالإلحاد، والضلال، ولا مانع أن يسفكوا دمه؛ لأنه من وجهة نظرهم القربان الذي سيدخلهم الجنة، فدمه وماله ونفسه ونساؤه حلال.

لم يسلم دين، ولا مذهب، ولا طائفة، ولا فرقة مِن شرور تلك الجماعات التكفيرية، الخارجة عن تعاليم الإسلام وسماحته. حتّى المسلمون أنفسُهم لم يَسلَموا من دمويتهم، بل يمكننا القول بأنهم أكثر من اكتوى بنيرانهم، وذاق ويلات أقوالهم وأفعالهم، وحصد نتائج وثمار دمويتهم وإرهابهم، وعلى رأسهم الصوفيون، الذين يتم تكفيرهم جهارًا نهارًا، بدعوى أنهم عُبّاد الأضرحة المشركون. ولا يخفى على أحد ذلك الخلاف الكبير بين الصوفيين، وبين الفكر التكفيري الذي تتبناه الجماعات الإرهابية "كالقاعدة"، و"طالبان"، و"داعش". ذلك الخلاف الذي حوّلته تلك الجماعات لمعركة لابد أن تُسال فيها الدماء؛ من أجل محاربة الشرك والمشركين – حسب اعتقادهم -.

من هنا يستبيح التكفيريون دماء الصوفيين كغيرهم من المسلمين وغير المسلمين، ولعل ما سنقوم بالتركيز عليه في هذه المقالة هو أبرز الحوادث الإرهابية التي استهدفت الصوفيين في باكستان على وجه التحديد؛ الصوفيين الذين كانوا سببًا أساسيًّا في دخول الإسلام لشبه القارة الهندية (الهند/ باكستان/ بنجلاديش).

كانت باكستان على موعد مساء الخميس الموافق الـ16 من فبراير الماضي مع فاجعة جديدة أريقت فيها دماء الأبرياء دون وجه حق؛ عندما قام انتحاري ينتمي لتنظيم "داعش" الإرهابي بتفجير نفسه في ضريح "لال شهباز قلندر" الصوفي، الواقع في إقليم "السِّند" الباكستاني، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 72 شخصًا، وإصابة ما يزيد عن 200 آخرين؛ فقُتل الأبرياء لأنهم - من وجهة نظر الجماعات المتطرفة - أصحابُ بدعة يتبرّكون بالأضرحة، وهو ما يوجب إراقة دمائهم.

ولا تُعدّ هذه الحادثة الأولى في تاريخ استهداف أماكن وأضرحة الصوفية في باكستان، بل إن لها تاريخًا حافلًا من المعاناة مع هذا الأمر، كان أبرزها:

- السابع والعشرون من مايو، من عام 2005م: انتحاري يقوم بتفجير نفسه في مزار "بري إمام"، مما أسفر عن مقتل 18 شخصًا، وإصابة 86 أخرين.

- نهاية عام 2007م: تسبب انفجار إرهابي في هدم ضريح "عبد الشكور مالينغ بابا".

- مارس 2008: قامت عناصر تابعة لجماعة "لشكر الإسلام" باستهداف ضريح "حضرت أبو السعيد بابا" الواقع بالقرب من مدينة "بيشاور" الباكستانية بالصواريخ، مما أسفر عن مقتل 10 قرويين.

- في يونيو من عام 2010م: قامت عناصر تابعة لحركة طالبان بتفجير ضريح "عمر بابا"، في مدينة "بيشاور" الباكستانية.

- الأول من يوليو من عام 2010م: مقتل ما يزيد عن 35 مواطنًا، وإصابة ما لا يقل عن 170 أخرين إثر ثلاثة تفجيرات انتحارية استهدفت ضريح "داتا دربار".

- أكتوبر من عام 2010م:

- وقع انفجار في ضريح "عبد الله شاه غازي"، الواقع بمدينة "كراتشي"، أسفر عن مقتل 8 وإصابة عدد من الجرحى.

- انفجار قنبلة في ضريح "بابا فريد الدين غانغ شكار"، الواقع بمدينة "باك بتتان" الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص، وإصابة 15 أخرين.

- في عام 2011م: قام انتحاري بتفجير نفسه في ضريح "سخي سرور"، مما أسفر عن مقتل 50 شخصًا، وإصابة ما يزيد عن 50 آخرين.

- 4 مارس 2011م: انفجار قنبلة في ضريح "أخوند باجوا بوبا" الصوفي، والواقع بمنطقة "نوشيرا"، القريبة من مدينة بيشاور الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 25 أخرين.

- الخامس والعشرون من فبراير، من عام 2013م:وقوع انفجار بضريح "غازي غلام شاه"، أسفر عن مقتل 3 أشخاص، وإصابة 24 أخرين.

- يناير 2014م: مقتل 6 أشخاص، خارج أحد الأضرحة الصوفية بمدينة "كراتشي"، ووجدت بجوار أشلائهم رسالة من حركة "طالبان"، تقول فيها: "هذا هو مصير كل من يقوم بزيارة الأضرحة".

- 19 فبراير 2015م: اغتيال "سيد محمد شاه" رئيس جماعة أهل السنة– التابعة للجماعة البريلوية– بالرصاص.

- 22 يونيو 2016م: اغتيال المنشد الصوفي الباكستاني المعروف "أمجد صبري"، وإعلان حركة طالبان باكستان مسئوليتها عن الحادث.

- 12نوفمبر 2016م: مقتل 62 شخصًا وإصابة 100 أخرون إثر قيام انتحاري ينتمي لتنظيم داعش الإرهابي بتفجير نفسه في ضريح "شاه نوراني" الواقع بإقليم "بلوشستان" الباكستاني. 

Image

ضريح شاه نوراني

ويستمر مسلسل عنف الجماعات الإرهابية ضد كل مَن يخالفهم في التوجّه، والفكر، والرأي ليَخضِبوا بدمويّتهم أرضَ الله تعالى، والحجّة أنهم يدافعون عن دين الله، ويطبّقون شرعه، ويمهّدون لدولة الخلافة. وإنّ مَن ينظر لممارسات تلك الجماعات التي تَدَّعي زورًا انتمائها للإسلام،  فسيرى أن كل أقوالهم، وأفعالهم، وممارساتهم لا علاقة لها بديننا الإسلامي الحنيف لا من قريب ولا من بعيد، وإلا فليخبرنا هؤلاء متى أمر ديننا بقتل المخالف لنا في الرأي، أو الدين، أو حتى المعتقد، واستباحة دمائه؟ هل تناسى هؤلاء قول الله - سبحانه وتعالى -: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ } [النحل: 125]، وقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [البقرة: 60]، وقوله تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ } [المائدة: 32]؛ فمَن يتسلّل بين الآمنين في ديار الإسلام أو غيرها في حال السِّلم، ليَقتلَ أو يدمّر، ثم يزعم أنه من أهل الجهاد، فهو كاذب على الله؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ } [الإسراء: 33]، وهو قد خان العهد في المسلمين وغيرِهم مِن الآمنين، والله تعالى يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].

وإذا كان هؤلاء يقومون بشن هجمات إرهابية على الأضرحة؛ بدعوى أنها أماكن شركٍ بالله تعالى، ولا يجوز البناء على القبور، فما هو قولهم في نصوص أهل العلم المتواطئة على جواز البناء على قبور الصحابة والصالحين؛ ففي شرح الإمام "التوربشتي" على "المصابيح" قال: "وقد أباح السلف البناء على قبور المشايخ والعلماء المشهورين؛ ليزورَهم الناس، وليستريحوا بالجلوس فيها"، وقال العلّامة "علي بن أحمد الحدّاد": "مَن قال بكفر أهل البلد الذي فيه القِباب... فهو تكفير للمتقدّمين والمتأخّرين مِن الأكابر والعلماء والصالحين من جميع المسلمين من أحقاب"؛ ذلك أن صحابة النبي - صلّى الله عليه وسلّم -  قد بنَوا على قبر أبي بصير- رضي الله عنه - بناءً، واتّخذوه مسجدًا، ولم ينكر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عليهم، كما أنه لم يأمر بهدمه. كما أنه - صلّى الله عليه وسلّم -أخبر أصحابه بفتح بيت المقدس، ووهَب تميمًا الداريّ - رضي الله عنه - أرضًا "بالخليل" تحقيقًا لوعد الله، وهو يعلم أنّ "بالخليل" قبرَ إبراهيمَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ - عليهم السلام - وعلى هذه القبور معبد وقبّة، ولم يأمر أصحابه - إذ أمرهم أن يدفعوا لتميمٍ الداريّ الأرضَ التي أقطعه إياها - أن يهدموا البناء الذي هو على قبر إبراهيم وعلى قبر غيره من الأنبياء الموجودين "بفلسطين": "بالقدس" و"الخليل" وما بينهما؛ فدلّت تلك النصوص على أن المراد التحذير من علة ذلك، لا من نفس بناء المسجد والقبة.

إن مثل تلك الأفعال التي تمارسها "داعش" و"القاعدة" و"طالبان" وغيرها من جماعات القتل باسم الدين تقوم بتنفيذ أجندة خاصّة، تَهدِف إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين عالميًّا. ولعل ما يتعرّض له بعضُ المسلمين مؤخرًا من اضطهاد، وما يشعرون به من مضايقات؛ بسبب تنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، خير دليل على تلك الأجندة.

وحدة رصد اللغة الأردية

الموضوع السابق الإمام الأكبر يكلف د محمد المحرصاوي للقيام بأعمال رئيس جامعة الأزهر
الموضوع التالي بالصور .. "بيت الزكاة والصدقات المصري" يستمر في المسح المجاني للكشف عن فيروس "سي"
طباعة
4408