د. الهدهد: المساس بالجسد الإنسانى «جريمة شرعية» ولا يبنى على أحاديث ضعيفة
د. سعيد عامر: عدم مشروعية الختان فيه مصلحة.. وشريعة الله مع المصلحة حيثما كانت
د. رحاب العوضى: زواج القاصرات يسبب الاكتئاب والكبت النفسى للفتاة ويمكن أن يؤدى للخيانة!
د. سامية خضر: مطلوب توعية مستمرة وتضافر جهود المؤسسات المعنية للقضاء على هذه الظواهر
شارك الأزهر الشريف مؤخراً فى القمة الأفريقية الأولى التى عقدت فى السنغال بشأن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وزواج الأطفال.. هذه المشاركة استدعت إعادة فتح هذا الملف المسىء لديننا ومجتمعنا وهو ملف ختان الإناث وزواج القاصرات، حيث مازلنا نعانى من وجود هذه الظواهر وعدم القدرة على التخلص منها والقضاء عليها نهائياً، ورغم تجريم هذه الظواهر شرعياً وقانونياً مازال البعض يصر على ممارستها بالالتفاف على الشرع والقانون، دون وعى لمدى خطورة هذه الظواهر والآثار النفسية والأضرار المترتبة على كل منها.. وفى هذا التحقيق نلقى الضوء مرة أخرى على الحكم الشرعى والأضرار النفسية لهذه الظواهر وكيفية القضاء عليها.
يقول الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر سابقاً وعضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو المركز الدولى للدراسات والبحوث السكانية بالأزهر الشريف، إن المركز أصدر كتابا شارك فيه مجموعة من كبار العلماء والفقهاء بشأن مسألة ختان الإناث وأكدوا أن الختان لا يستند لشىء فى الشرع، وأن اختلاف الفقهاء قديماً قام على الحديث الوارد لأم عطية وهو «اخفضى ولا تنهكى» وليس هذا الحديث معناه أن الختان عادة أقرها الإسلام ولكنها كانت عادة موجودة فأراد النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يزيلها حينما قال فى بقية الحديث «فإنه أنضر للوجه وأحظى للزوج»، فمعنى هذا أن الختان بالعادة التى كان يجرى عليها كان له تأثير سلبى على الحياة الزوجية وعلى الأسرة وما إلى ذلك، كما أن هذا الحديث فيه كلام فى سنده وفى درجته، فلا يمكن أن يستدل به، لأنه مساس بالجسد الذى كرمه الله والمساس بالجسد لا يبنى على أحاديث غير صحيحة وضعيفة لأنه جريمة شرعية، والفقهاء القدامى ربما لم تصح عندهم أدلة أو كانت عندهم أدلة صحيحة ثم بعد ذلك تغير النظر إلى هذه الأدلة بالنظر والبحث، كما أن الطب أثبت أن ذلك فيه مضرة على الأسرة ومضرة على المرأة وما ثبت ضرره طبياً لا بد أن يكون ممنوعاً شرعاً، لهذا رأى الأزهر الشريف أن ختان الإناث ممنوع.
أما بالنسبة لزواج الأطفال أو من هم تحت سن الثامنة عشرة من الذكور والإناث فأشار الهدهد إلى أن هذا الأمر نوقش بمجمع البحوث الإسلامية حينما كان هناك قانون سيصدر ليحدد سن الزواج فأخذ رأى الأزهر الشريف فى ذلك، وكذلك أيضاً عندنا جهة أخرى متخصصة فى هذا البحث من الناحية الطبية والشرعية وهو المركز الدولى للدراسات والبحوث السكانية بالأزهر الشريف، وقد أجمعت هذه الآراء على ضرورة تحديد سن الزواج لأنه متروك لأولى الأمر فى كل جيل حسب طبيعة هذا الجيل. مضيفاً أن سن البلوغ تختلف من منطقة إلى منطقة ومن زمن إلى زمن وأن بناء الأسرة أمر يتصل بالرشد ولا يتصل بالمسألة الفسيولوجية فى مسألة البلوغ أو غيره، ولكن العبرة ببلوغ سن الرشد، فما الشروط التى يجب اشتراطها فى قدرته على إدارة أسرة والتى هى إدارة بشر والتى هى أصعب أنواع الإدارة، فاشتراطه سن الزواج هو من باب أولى لمصلحة الأسرة ولمصلحة بناء المجتمع ولذلك كان رأى الأزهر واضحا فى هذا الشأن وهو أن الزواج قبل السن التى حددها أولو الأمر يعد مخالفا للشرع والقانون وجريمة فى حق المجتمع.
ويرى الدكتور سعيد عامر، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الدينى بمجمع البحوث الإسلامية، أن ختان الإناث من الموضوعات التى كثر فيها النقاش من جهات متعددة وتخصصات مختلفة وأدلة من قال بمشروعية الختان والرد عليه تتلخص فى أن البعض اعتقد أن قطع هذه الأجزاء يخفف الرغبة الجنسية عند الفتاة حتى لا تكون مدفوعة إلى الانحراف تحت ضغط الشباب، والعلم أثبت أن هذا الكلام ليس له أى أساس من الناحية العلمية، حيث ثبت أن الشهوة يكون مصدرها المخ والعوامل الاجتماعية المختلفة التى تتحكم فيها، وهو أمر جعله الله فى الرجل والمرأة سواء، واستدلوا كذلك ببعض الروايات والأحاديث وهى كلها ضعيفة، كما قال أهل العلم ليس للختان أى خبر يرجع إليه ولا سنة متبعة، كما أن لدينا من الاستدلالات والفتاوى التى تبين عدم مشروعية الختان، ومنها فتوى للإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى وكذلك دار الإفتاء المصرية أن ختان الإناث أمر غير مأذون به، وصدرت فتوى أيضاً للدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق وضح فيها أن الختان ليس قضية دينية وإنما هو من قبيل العادات الاجتماعية.
وأوضح عامر أن القرآن الكريم خلا من أى نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث، كما لم يرد فى السنة النبوية أى ذكر عن قيام النبى -صلى الله عليه وسلم- بختان بناته أو زوجاته وأن الروايات الواردة كلها ضعيفة والحديث الصحيح فيها «إذا التقى الختانان وجب الغسل» لا يدل على مشروعية الختان إنما ذكر على سبيل التغليب كعرف العرب فى ذلك، كما أن المصلحة تقتضى للمرأة عدم الختان بعد البيان العلمى الصحيح لخطورة هذا الأمر، حيث ذكر أهل الطب وعلماء التخصص أن هناك أضرارا تترتب على عملية الختان وبالتالى فإن عدم مشروعية الختان فيه مصلحة وشريعة الله مع المصلحة حيثما كانت.
وأما عن زواج الأطفال، فأشار الدكتور سعيد إلى أن هذا الموضوع كذلك من الخطورة بمكان لأن الزواج فى الإسلام له مقاصد وغايات، فمن مقاصده أنه يؤدى إلى السكن والمودة والرحمة وزواج الأطفال لا يحقق هذه المودة ولا تلك الرحمة التى تكون بين الزوجين، كذلك الزواج له مقاصد أخرى وهى استمتاع كل من الزوجين بالآخر الزوج بالزوجة، والزوجة بزوجها، وزواج الأطفال لا يؤدى إلى هذا، وكذلك شرط الإقدام على الزواج الاستطاعة وهى كما قال ربنا «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» وفى الحديث «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» إذاً فالاستطاعة شرط للإقدام على الزواج وهذا لا يتحقق بزواج الصغار، والزواج كذلك من غاياته تعمير هذا الكون كما قال ربنا «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» وعمارة الكون تكون بجلب النافع ودفع الضار، وزواج الأطفال لا يحقق عبادة الله عز وجل ولا عمارة الأرض وهو الهدف من خلق الإنسان لأنهم غير قادرين على هذا شرعاً، ومن هنا كان ذلك غير مشروع ولا مأذون به لأنه لا يؤدى إلى الغايات والهدف من الزواج الذى شرعه الله.
وأشارت الدكتورة رحاب العوضى، أستاذ العلوم النفسية والسلوكية، إلى أن زواج القاصرات يكون سببه وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية وعدم وجود وعى ثقافى لدى الأسرة فلكى أمنع زواج القاصرات لا بد من حل هذه المشكلات، ففى الحضر لا يوجد زواج قاصرات إلا فى المناطق العشوائية، وفى الصعيد لأن البنت لم تتعلم، وهناك بعض البيئات التى قمنا معها بعمل تنوير ثقافى وتوعيتها بمخاطر هذه الظاهرة ولاقت نجاحاً هائلاً.
مضيفة: أن أضرار زواج القاصرات ليست هينة، حيث إنه يحدث للفتاة نوع من الاكتئاب والكبت النفسى لأنى أزوج طفلة صغيرة لا تدرك شيئاً وبعد فترة صغيرة تجد معها أطفالا وهى غير قادرة على تربيتهم أو تعليمهم، وفى بعض الحالات من الممكن أن تحدث حالات خيانة من الزوجة أو يصل الأمر إلى الطلاق.
وأوضحت أن بعض الأهل يتجهون لختان بناتهم خوفا من انحرافهن وهذا خطأ لأن الانحراف لا علاقة له بالختان، ولكن له علاقة بسلوكيات معينة تم زرعها فى الفتاة، فما يفعله الأهل له آثار نفسية سيئة على الفتاة، حيث إن أى ألم يمر به الطفل يظل أثره معه حتى الكبر، كما أنه يعد إيذاء للطفلة فى جسدها بشكل متعمد ويعرضها لضغط عصبى وبدنى يجعلها دائماً منطوية ولا تشعر بالأمان وتفقد الثقة مع الأم والأب.
ونوهت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أننا مازلنا منذ أكثر من 20 عاماً نناقش مشكلات ختان الإناث وزواج الأطفال ونتحدث عن أسبابهما والأضرار المترتبة عليهما وكيفية التخلص منهما والقضاء عليهما، ومع ذلك لم نستطع إيجاد حل لهما والقضاء عليهما أو اقتلاعهما من جذورهما، والسبب فى ذلك هو أننا عندما نتحدث عن هذه الظواهر لا نستمر فى توعية الناس بشكل دورى، فلا يجب أن نكتب فى إحدى الجرائد موضوعاً ونصمت بعده أو تتم مناقشة هذه الظواهر فى لقاء تليفزيونى ونصمت بعدها، فلابد من التوعية المستمرة لأخطار هذه الظاهرة بشتى الوسائل فى القنوات والجرائد والمجلات، كما يجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات المعنية بحل هذه المشكلات والقضاء عليها مثل الإعلام والمدارس والجامعات والأزهر الشريف والمركز القومى للمرأة والمركز القومى للأمومة والطفولة وغيرها من الجهات، كما يجب أن يسلط الضوء على ما تقوم به أى جهة منها فى محاولة منها لحل مثل هذه المشكلات، فمثلاً القمة الأفريقية الأولى التى عقدت مؤخرا والتى شارك فيها الأزهر لمناقشة هذه الظواهر وإيجاد حل لها أين الإعلام من ذلك؟ لماذا لا ينقل لنا مثل هذه الأحداث التى تؤثر كثيرا فى حل هذه الظواهر، كما يجب أيضاً توضيح وبيان ما يقوم به المركز القومى للمرأة والمركز القومى للأمومة والطفولة لحل هذه المشكلات، كما يجب أن تكون هناك حملات توعية فى المدارس والجامعات فى جميع المحافظات للتوعية بأخطار هذه الظواهر وكيفية القضاء عليها، ويعرض ذلك عبر القنوات وعلى السوشيال ميديا، كما يجب عمل حملات توعية تذهب للناس فى بيوتهم لتفهمهم وتنشر الوعى لديهم بمخاطر وأضرار ومشاكل ختان الإناث والزواج المبكر وكل عادة سيئة تعودنا عليها، فبكل ذلك نستطيع أن نقضى على هذه الظواهر شيئاً فشيئا.