لم تتوقف مصر لحظة واحدة عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية على مر التاريخ، رغم مرور أم الدنيا بالكثير من العثرات والكبوات ورغم الاتهامات المستمرة لمصر بالتخلى عن القضية الفلسطينية، إلا أن التاريخ وحده كفيل بالرد على تلك الاتهامات الكاذبة.. واليوم تسطر مصر صفحة جديدة فى دعم القضية الفلسطينية ورأب الصدع بين الأشقاء من خلال إنهاء جميع الخلافات الفلسطينية والوصول إلى مصالحة شاملة جاء على إثرها تسليم حركة حماس اللجنة الإدارية لقطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية لتبدأ خلال عملها لأول مرة منذ سنوات..
وعبر الفلسطينيون عن هذا الدور الفعال والقوى لمصر فى إنهاء الانقسامات الفلسطينية بتزيين عدد من مدن قطاع غزة بصور الرئيس عبدالفتاح السيسى وشعارات «تحيا مصر»، كجزء من رد الجميل لمصر وقيادتها فى وقوفها بجانب القضية الفلسطينية على مر التاريخ.
ولعل هذه المناسبة تتطلب أن نسلط الضوء على جانب من التاريخ المشرف لمصر والأزهر الشريف تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن مصر تمر بذكرى انتصار حرب أكتوبر المجيدة، حيث كان لمصر دور بارز فى مناصرة الشعب الفلسطينى، وعلى مدار سنوات طويلة تحرك زعماء مصر للدفاع عن القضية الفلسطينية بشتى الوسائل، بعد أن وضعوها على قائمة اهتماماتهم، وبالتالى لا يمكن لأحد المزايدة على الدور المصرى تجاه قضية العرب المركزية ومكانة مصر فى المنطقة العربية تجعلها تتغاضى عما يوجه إليها من انتقادات لن تؤثر على مسيرتها فى تحقيق السلام بالمنطقة.
ولم يكن اهتمام مصر بالقضية الفلسطينية بجديد، فالاهتمام بدأ منذ عهد الملك فاروق الذى حرص على دعم فلسطين فى مواجهة العصابات الصهيونية، فأرسل جيشاً إلى فلسطين للدفاع عنها والقضاء على تلك العصابات فى عام 1948 وكانت الهزيمة أحد أسباب تفجير ثورة 23 يوليو 1952، وعندما تولى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وضع القضية الفلسطينية فى مقدمة اهتماماته فعقد مؤتمر الخرطوم الذى رفع فيه شعار «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل، والذى سمى بمؤتمر «اللاءات الثلاث».
وفى عام 1964، اقترحت مصر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بهدف توحيد الصف الفلسطينى وشاركت مصر فى القمة العربية الثانية التى اعتمدت قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطينى، وفى عام 1969، أشرف الزعيم جمال عبدالناصر على توقيع اتفاقية «القاهرة» تدعيماً للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية إلى أن توفى عام 1970 وعندما تولى الرئيس أنور السادات الحكم خاضت مصر حرب أكتوبر، التى توجت بالنصر فرفع شعار «النصر والسلام»، وبذل أيضاً جهوداً عديدة بشأن القضية الفلسطينية، فكان أول من اقترح فكرة إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة، عندما ادعت رئيسة وزراء إسرائيل «جولدا مائير» بعدم وجود شعب فلسطينى.
وخلال مؤتمر القمة العربى الذى عقد عام 1973 فى الجزائر ساعدت مصر منظمة التحرير الفلسطينية حتى تتمكن من الحصول على اعتراف كامل من الدول العربية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، وفى أكتوبر عام 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك فى جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر وقتها، وكان آخر جهود السادات هو ما بادر به بدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين للاعتراف المتبادل، وعندما تولى الرئيس مبارك استكمل نفس النهج وكانت البداية بسحب السفير المصرى من إسرائيل بعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا.
وفى عام 1989 طرح مبارك خطته للسلام حيث تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف الاستيطان الإسرائيلى، وفى سبتمبر عام 1993 شارك مبارك فى توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين فى الحكم الذاتى، وفى 2003 أيدت مصر وثيقة «جنيف» بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع فى المنطقة.
وفى عام 2010 عندما تجدد القصف الإسرائيلى على قطاع غزة رفض الرئيس مبارك فتح معبر رفح، مؤكداً أنه لن يسمح بتحقيق المصالحة على حساب البلاد، واستمر عطاء مصر حتى مجىء الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وعد الشعب الفلسطينى بالوقوف بجانبه، بعدما تعرضت غزة مؤخراً لحرب إسرائيلية شاملة وعرض مبادرة لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بعد تساقط العديد من الضحايا إلى أن انتهت كل هذه الجهود الجبارة فى تحقيق المصالحة الشاملة بين الفلسطينيين، ووجه على إثرها مؤخرا الرئيس عبدالفتاح السيسى، رسالة للشعب الفلسطينى، قائلا: «ستجدوننا بجانبكم على الدوام، التاريخ سيحاسب من يتسبب فى إضاعة فرصة تحقيق السلام»، مؤكدا فى كلمة مسجلة له تم عرضها فى الاجتماع الأول لحكومة الوفاق الفلسطينية، أمس الثلاثاء: «مصر كانت ولا تزال برغم التحديات التى تواجهها وستظل عاقدة العزم على تحقيق نقلة نوعية فى مسيرة الشعب الفلسطينى نحو مستقبل أفضل».
وذكر الرئيس السيسى، أن القضية الفلسطينية محور اهتمامه خلال أى لقاء مع زعماء العالم، فالعالم بأكمله يترقب جهود حكومة الوفاق لتحقيق الوفاق بين الشعب الفلسطينى وتخطى جميع العقبات التى أدت إلى الانقسام، فالاختلاف بين المكون الفلسطينى يجب حله داخل البيت الفلسطينى بدعم الأشقاء العرب.
وتابع: «تجربة السنوات الماضية أكدت أن الجميع خاسر من الانقسام، وهناك من يستغل الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، لكنى على ثقة من إدراك القادة الفلسطينيين لأهمية وصعوبة هذه المرحلة».
من جهته نقل رئيس جهاز المخابرات العامة، الوزير خالد فوزى، خلال لقائه والوفد المرافق له، فى مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، تحيات الرئيس السيسى، وسعادته ببدء انطلاق الخطوات العملية لطى صفحة الانقسام، وإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية، وذلك بوصول حكومة الوفاق الوطنى إلى غزة لتسلم مهامها، مؤكدا أن مصر ماضية فى رعايتها، لجهود إنهاء الانقسام، ومتابعة خطواتها كاملة، حتى يتم إنهاء جميع مظاهر الانقسام، وآثاره.
أحمد نبيوة