مولد خير الخلق

 

في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري، تحل على المسلمين ذكرى عطرة طيبة؛ هي مولد خير الخلق أجمعين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع ذكرى مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ تزداد حاجة الأمة الإسلامية إلى أن تجتمع على كلمة سواء، وتقتدي بهدي رسول الله، وأن تتمسك بسنته وتعتصم بها.
إنها ذكرى مباركة لإنسان عظيم نشَر العدل والرحمة في المجتمع، وغيّر مجرى التاريخ، وأزال الجهل ورسّخ الإيمان، ونشَر العلم في نفوس الناس، وقاد البشرية نحو العزّة؛ حتى أضحتْ أمته هي خير أمة أُخرجت للناس.
وفي هذا الملف الذي تقدمه بوابة الأزهر؛ تجدون مقتطفاتٍ من السيرة العطرة لنبينا الكريم، يمكنكم أن تتجولوا في حديقتها العامرة من أجل قطْف ثمارها اليانعة، فخير الهَدي هو هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الهدي الكامل والخُلُق الحميد، المؤيَّد بالوحي، والمُزَكَّى من السماء.

 

 

صلى الله عليه وسلم
 
صلى الله عليه وسلم
 

هدية الرحمن.. صمام الأمان

  • 7 نوفمبر 2019
هدية الرحمن.. صمام الأمان

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هدية الله إلينا، الذي كان يومُ بعثته أسعد أيام الدنيا على البشرية؛ لأنه أخرجها من الظلمات إلى النور.

إنه رسول الله الذي زكاه ربه في سمعه وبصره وفؤاده، بل وزكاه كله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.

إنه رسول الله الذي قالت له السيدة خديجة رضى الله عنها عندما جاءها يرتجف من غار حراء بعد نزول الوحي عليه: «والله لن يخزيَك الله أبدًا؛ إنك لتصلُ الرحِم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتُكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق».

إنه رسول الله الذي عندما سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه قالت: «كان خُلقُه القرآن».

إنه رسول الله أمان هذه الأمة من العذاب؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

فلقد كان رسول الله هو الأمان لأصحابه من العذاب؛ لوجوده بينهم، ولكن ما حالنا اليوم وقد فارقنا رسول الله؟

والجواب: أننا نستطيع أن نحافظ على أمان رسول الله؛ وذلك بإحياء سنته فينا، واتباع نهجه صلى الله عليه وسلم في بيوتنا وعبادتنا وأعمالنا وأخلاقنا؛ وبذلك يظل رسول الله حيًّا بيننا.

ولو نظرنا إلى أحوالنا اليوم لوجدنا أننا ابتعدنا كثيرًا عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فلو نظرنا إلى حال الشباب اليوم ومن هو قدوتهم فسنجد أنه اللاعب الفلاني والممثل والمطرب العلاني، ولو تربى هذا الشباب على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لما أثرت فيهم تلك النماذج التي ضيعت الشباب، وأصبح تقليدهم في الملبس والتصرفات هو الشغل الشاغل، مع أن الشباب في عهد النبي هم من قادوا الجيوش في وجود كبار الصحابة، وكانت نصرة الدين بهم مثل علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وخالد بن الوليد، وغيرهم...

ولو نظرنا إلى حال الأسرة اليوم، وما تعانيه من مشاكل بين الزوجين وبين الآباء والأبناء لغياب التفاهم بينهم؛ لوجدنا أننا بحاجة للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في بيته؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويحلب شاته، ويسابق زوجته، ولما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تسأله عن حبه لها ومكانتها عنده كان يقول لها: «كعقدة الحبل»، وكانت رضي الله عنها كل فترة تقول له: كيف حال العقدة يا رسول الله؟ فكان يقول لها: «على حالها»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخجل ولا ينكر حبه لها، ففي سنن الترمذي ومستدرك الحاكم من حديث عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا، فهل هذا حالنا اليوم؟ بالطبع لا، إن مدة السعادة في البيوت الآن تقتصر على ما يسمى شهر العسل فقط، وبعدها تبدأ الحرب والترصد بين الزوجين كل منهما للآخر.

ولو نظرنا للمال الذي نُدخِله على بيوتنا وأولادنا أحلال هو أم حرام؟ لكانت الإجابة في أغلب الأحيان مؤسفة؛ لأن من يمتلك المال في هذا الزمان هو المرموق المحترم بين الناس، حتى لو كان ماله من حرام، ويسمى (شاطر وفهلوي)، بينما يعاب على الشريف الذى يتقي الله ولا يُدخِل على بيته وولده مالًا حرامًا بأنه (مش بيفتّح مخه) بلغتنا الحالية، أو أنه لا يجاري الموجة، ولقد نسينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به» (رواه الإمام أحمد)، وقوله : «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسى كافرًا، ويمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» (أخرجه مسلم).

ولو نظرنا إلى حال نسائنا وبناتنا اليوم لوجدنا العجب العُجَاب؛ فالموضة هي الدين الذي يمشين عليه الآن، وللأسف أن أغلب صانعي هذه الموضة التي يسرن خلفها من غير المسلمين، ونساؤنا وبناتنا مخدوعات بمظاهر الرقي والحضارة، متخليات في ذلك عن تعاليم الإسلام وشرائعه.

ولو نظرنا إلى علاقة المجتمع ببعضه اليوم لوجدنا التفرق والتكفير والقتل، وهذا هو البعد كل البعد عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم، الذى أرسى قواعد المواطنة في وثيقة المدينة التي كان يعيش فيها المسلمين واليهود، والمشركين والمهاجرين والأنصار، وقال في وثيقته «يثرب أمة واحدة»، بمعنى أن هناك قواسم مشتركة في الوطن مباحة للجميع، وأن حق المواطنة والتعايش السلمي كفله الإسلام للجميع أيضًا، فلا يحق لأحد أن ينتزعه من الآخر بأي حجة، ولأي سبب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (متفق عليه).

إن تطبيق منهج النبي في حياة الناس على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع هو صمام الأمان لهذه الأمة من الانحراف والذلل والتِّيه والبعد عن الله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

فإذا كنتم تحبون رسول الله فاتبعوا منهجه وأحيوا سنته، قال الشافعي:

لو كان حبُّك صادقًا لأطعتَه      إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

بقلم الواعظة/ حنان محمود إبراهيم

منطقة وعظ بني سويف

طباعة