وثائق الأزهر
/ الأبواب: Main_Category

وثائق الأزهر

 

 

 

وثائق الأزهر

  1. وثيقة مستقبل مصر.
  2. بيان لدعم إرادة الشعوب العربية.
  3. بيان منظومة الحريات الأساسية.
  4. بيان حول استكمال أهداف الثورة.
  5. بيان القدس الشرف.

 

 

 

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

1433هـ -2012م

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

طليعة الوثائق

بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسوله:

    فإن الأزهر الشريف هو منبر الريادة الوطنية لمصر على مر التاريخ، وهو أيضا ضمير الأمة الإسلامية، يشعر بآلامها، ويعبر عن طموحاتها، وينافخ عن حقوقها. ثم هو صرح الثقافة العربية والإسلامية الراسخ، بتراثها الخصب العريق، وإشعاعها الوسطي الأصيل: محليا وإقليميا ودوليا.

    وانطلاقا من كل هذه الاعتبارات دعا الأزهر للحوار الحضاري بين الأمة الإسلامية وسائر أمم المعمورة، من أجل تبادل النفع، وتحقيق المصالح الإنسانية العليا، ومن أجل الوفاء بحق التعارف الأممي الذي نصت عليه سورة الحجرات من القرآن الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ﴾، غير أن الأزهر يرفض – في الوقت نفسه- كل ما يجد فيه مساسا بالأمة الإسلامية أو بشريعتها، مهما كان مصدره، ويعمل جاهدا علي تصحيح الممارسات غير البناءة، عن طريق متابعة الحوار مع مختلف الأطراف.

    ومن ثم وضع الأزهر كل ما سبق من اتفاقيات حوار بينه وبين بعض الهيئات موضع المراجعة والتصحيح وإعادة الصياغة في ضوء هذه المعايير.

    لقد بادر الأزهر في عهده الجديد بتعديل رؤيته للحوار وأطرافه وشروطه ومبادئه...وركز في البداية على الحوار الأزهري بكل أبعاده، المصري/المصري، والعربي/ العربي والإسلامي/ الإسلامي، ...وبعد أن كان الحوار مجرد شكل تفرضه معايير وظروف خارجية، أصبح الآن مبادرة في يد الأزهر نفسه ينطلق فيه من خلفية حوارية ثابتة تستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وسياقات الحضارة الإسلامية في لحظاتها المزدهرة والمتفوقة.

    ولما كان العلم هو صلب رسالة الأزهر، فقد بدأ منذ عامين مضيا تصحيح ما أصاب مناهج الأزهر من تسطيح وتشتيت، وبدأ بإصلاح مناهج التعليم في الأزهر، وأنشأ ضمن شعب الثانوية الأزهرية-شعبة خاصة بالدراسات الإسلامية والعربية، تهيئ حملتها للالتحاق بالكليات الشرعية واللغوية، على أساس من مناهج الأزهر العريقة والمعروفة بالوسطية والاعتدال والموضوعية والتي صنعت أعلامه ونجومه البارزين؛ من أمثال شلتوت، والمراغي، ودراز، وعبد الرازق، إلي عبد الحليم، والشعراوي، ومحمد الغزالي-رحمهم الله.

    كان ذلك قبيل قيام الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011، ثم جاء المناخ الثوري عونا على مزيد من الإصلاح والنهوض، فاتسع مجال العمل وتعددت الأدوار، ولكنها جميعا تصب في الهدفين الرئيسين: إصلاح البيت الأزهري من الداخل-عن طريق إصلاح مناهج التعليم الجامعية، وهو الهدف الأوجب والأولي لدي الأزهريين وسائر المصريين-ثم النهوض بالدور الوطني والإسلامي العام الذي ينتظره الجميع من مؤسستهم العريقة، على المستويين الإقليمي والعالمي، بعد الوطني بطبيعة الحال.

    وقد تلقت "مشيخة الأزهر" هذا الشعور الذي عكسه الرأي العام بالترحاب فأعرض الأزهر عن الجدال الذي زخرت به الساحة، ومله المواطنون، ودعا كوكبة من المثقفين المصريين الذين يمثلون أطياف الجماعة الوطنية، من الناحية الفكرية، ليعكفوا مع مجموعة من علماء الأزهر البارزين، على دراسة الموقف، ومتابعة تطورات الثورة واحتياجاتها، ويلتقوا علي أصول مقبولة شرعا، ومتفق عليها لدي هؤلاء المفكرين وتتجاوب مع متطلبات الوضع المصري، وربما تصلح نموذجا تحتذيه بعض المجتمعات الإسلامية علي حسب إرادتها وظروفها الموضوعية.

    وكان من ثمرة هذه الجهود العلمية والفكرية المشتركة، والحوارات المتعمقة والمستمرة على مدي عدة أشهر صدور هذه الوثائق التي نقدمها اليوم للقارئ العربي:

وأولها: وثيقة النظام الأساسي للدولة، التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحدد الحقوق والواجبات، وتنظم المشاركة الشعبية الديمقراطية في الحكم، وترسم صورة للدولة ترتضيها أمتنا، وترضاها شريعتنا، وتتحقق معها حاجات عصرنا.

وقد انتهت المداولات الفكرية إلى أن هذه الدولة هي "الدولة الوطنية الديمقراطية، الدستورية، الحديثة" والمراد بالحداثة أن تحافظ على الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقد صدرت تلك الوثيقة في 17/7/1432هـ الموافق 19/5/2011م، ورحبت بها مختلف الأوساط العلمية والسياسية، وتفاءلوا خيرا بأن تتبنى الهيئات الشورية الدستورية هذه الوثيقة عند وضع دستور الدولة بإذن الله.

والبيان الثاني: جاء بعد ذلك حين مست الحاجة-في الساحة المصرية-إلى أن يصدر من الأزهر الشريف، نص مرجعي يسهم في حماية الحريات الأساسية التي تنتظم بها شؤون المجتمع الحر الذي يرغب المصريون أن يعيشوا في ظلاله، وما يترتب على هذه الحريات من واجبات، وما يحيطها من إطار شرعي ينبع من مقاصد الشريعة وغاياتها، فجاءت الوثيقة الثانية بعد أختها السابقة بنحو شهرين، لتلبي تلك الحاجة من حاجات المناخ الثوري في مصر، بعد استجابته غير المسبوقة للوثيقة الأولي.

   وقد تضمنت هذه الوثيقة التأصيل الشرعي والفلسفي والدستوري لحرية العقيدة، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الأدبي والفني، وكل ما يحمي ذلك من حرية الرأي والتعبير عنه، وهو جوهر تلك الحرية المسئولة بجوانبها المختلفة.

    ثم جدت ظروف مع انتشار " الربيع العربي" واحتدام الحراك السياسي في بلاد عربية أخري غير مصر وتونس كاليمن وليبيا وسوريا، وتجاوب المحيط العربي كله أظن أن الأصح: "مع ما" تعانيه تلك الشعوب إزاء عناد السلطات؛ فكان من الضروري أن يبين الأزهر الشريف موقفه الحاسم بجانب الشعوب الثائرة، وعادت طوائف المفكرين والعلماء إلي صياغة البيان الثالث المتعلق بدعم إرادة الشعوب العربية، وأعلن الأزهر أن الحاكم الذي يريق دماء شعبه تسقط مشروعية حكمه، مادامت الثورة التي تواجهه ثورة جماهيرية سليمة، تمثل مطامح الشعوب لا مطامع القوى المترصدة للعرب والمسلمين، وصدر هذا البيان بتاريخ الثالث من ذي الحجة عام 1432هـ الموافق 30/12/2011م.

   وحين ثارت المناقشات بين القوى الوطنية المصرية، وهددت باستقطاب حاد بين مختلف القوي، وكادت الثورة- بحكم تدخل عناصر غير مسئولة- أن تنزع إلي العنف، حين حدث ذلك أصدر الأزهر بيانا هاما حول "استكمال أهداف الثورة واستعادة روحها" السليمة، وشارك في إصداره مع شيخ الأزهر البابا شنودة، بابا الإسكندرية الراحل ورئيس الوزراء وممثلون عن كل الأحزاب والجماعات الدينية والفكرية والسياسية وذلك بتاريخ 17/2/1433هـ الموافق 11/1/2012م، فهدأت الظروف، وتجاوزت الجماعة الوطنية مأزق التفرق، أخطار النزوع إلي العنف، والحمد لله رب العالمين.

وكان البيان الخامس والأخير عن "القدس الشريف"، حين اتجه العدو الغاضب إلي تصعيد إجراءاته التهويدية الباغية للمدينة المقدسة، والحرم الذي يمثل قبلة المسلمين الأولى، وثالث مساجدهم المقدسة، ومسري رسولهم-ﷺ- ومنطلقه إلي السموات العلي في معراجه الشريف، فأكدت عروبة القدس منذ ستين قرنا، وبينت ما توالى علي المدينة المقدسة من اعتداءات حرص المسلمون والعرب علي دفعها، وبقائها مفتوحة لسائر الأديان والملل تحت السيادة العربية والإسلامية، وبينت الوثيقة أن الصهاينة يغامرون بمصير دولتهم الباغية، المفروضة علي المنطقة بقوة السلاح، بما يتخذونه من سياسات عدوانية إزاء المدينة المقدسة وصدر هذا البيان في الرابع والعشرين من ذي الحجة عام 1433هـ الموافق للعشرين من نوفمبر سنة 2011م.

وقد رأت مشيخة الأزهر أن في تسجيل نصوص هذه الوثائق الخمس التاريخية حفظا لتراث الثورة المصرية من ناحية، وفائدة لجيل الثورة الذين لم يشاركوا في إصدارها من ناحية ثانية، وقد لا تخلو أيضا من فائدة للقارئ العربي الذي يتطلع إلى إصلاح حقيقي يثبت أركان المجتمع ومقوماته، ويحفظ هويته الثقافية والدينية، ويستعصي على الطامعين المترصدين؛ ويتجاوب مع الروح السائد في العالم كله، ويليق بأمة التوحيد وهي على قمة الثلث الأول من القرن الخامس عشر الهجري.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

 

   تحريرا في مشيخة الأزهر

4 من جماد أول سنة 1433هـ

27 من مارس سنة 2012م

 

          أحمد الطيب

          شيخ الأزهر

 

وثيقة مستقبل مصر

1-وثيقة الأزهر ونخبة من الموظفين

حول مستقبل مصر

 بمبادرة كريمة من الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر اجتمعت كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر الشريف، وتدارسوا خلال اجتماعات عدة مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياتها النبيلة، وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وقد توافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مبادئ كلية وقواعد شاملة تُناقشها قوي المجتمع المصري وتستبصرُ بها في سيرها بالخطي الرشيدة، نحو ترسيخ الأطُر الفكرية الحاكمة لقواعد المجتمع ونهجه السليم.

واعترافاً من الجميع بدور الأزهر القياديّ في بلورة الفكر الإسلاميّ الوسطىّ السديد ومكانته المرجعية، فإنّ المجتمعين يؤكدون أهميته واعتباره المنارة الهادية التي يُستضاءُ بها، ويُحتكم إليها في تحديد علاقة الدولة ِ بالدينٍ، وبيان أُسُس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجُها، ارتكازاً علي خبرته المتراكمة، وتاريخه العلميّ والثقافيّ الذي ارتكز على الأبعاد التالية

 

1-البعدُ الفقهىّ في إحياء علوم الدّين وتجديدها، طبقاً لمذهب أهل السنة والجماعةِ الذي يجمع بين العقلِ والنقلِ، ويكشفُ عن قواعد التأويل المَرعيّةِ للنُصوص الشرعية.

2-البعدُ التاريخيُّ لدور الأزهرِ المجيدِ في قيادة الحركةِ الوطنيةِ نحو الحريّة والاستقلالِ.

3-البعدُ الحضاريُّ لإحياءِ مختلف العلوم الطبيعيةِ والآدابِ والفنونِ بتنوعاتها الخصبة.

4-البعدُ العمليُّ في قيادة حركة المجتمعِ وتشكيلِ قادة الرأيّ في الحياة المصريّة.

5-البعدُ الجامعُ للعلمِ والرّيادة والنهضة ِوالثقافةِ في الوطن العربيّ والعالمِ الإسلاميّ.

وقد حَرَص المجتمعون على أن يستلهموا في مناقشتهم روح تراثِ أعلامِ الفِكرِ والنهضة ِ والتقدم والإصلاح في الأزهرِ الشريفِ، ابتداءً من شيخ الإسلام الشيخ حسن العطّار وتلميذه الشيخ رفاعةَ الطهطاويّ، إلي الإمام محمد عبده وتلاميذه من علماء الأزهر وأئمته من أمثال المراغيّ، ومحمد عبد الله دراز، ومصطفي عبد الرازق، وشلتوت، وغيرهم من شيوخ الإسلام، وعلمائه إلى يومِ الناس هذا.

كما استلهموا –في الوقت نفسه-إنجازات كبار المثقفين المصريين ممن شاركوا في التطور المعرفيّ والإنسانيّ، وأسهموا في تشكيل العقل المصريّ والعربيّ الحديث في نهضته المتجددةِ، من رجال الفلسفةِ والقانونِ، والأدبِ والفنونِ، وغيرها من المعارف التي صاغتِ الفكرِ والوجدانَ والوعيّ العامَ، واجتهدوا في كل ذلك وركّزوا في وضع القواسم المشتركةِ بينهم جميعاً موضع الرعاية، تلك القواسم التي تهدف إلى الغايةِ الساميةِ التي يرتضيها الجميعُ من عقلاء الأُمة وحكمائها، والتي تتمثل في الآتي:

تحديدُ المبادئ الحاكمة لفَهمِ علاقة الإسلام بالدولةِ في المرحلةِ الدقيقةِ الراهنةِ، وذلك في إطار استراتيجية توافقية، ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظامَ الحكم فيها، وتدفعُ بالأمّة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاريّ، بما يحقق عملية التحول الديمقراطيّ ويضمنُ العدالةَ الاجتماعية، ويكفل لمصر دخول عصر إنتاج المعرفة والعلمِ وتوفير الرخاءٍ والسلمِ، مع الحفاظ على القيم الرُوحيّة والإنسانية والتراث الثقافيّ، وذلك حمايةً للمبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة وضمير العلماء والمفكرين من التعرُّض للإغفال والتشويه أو الغلو وسوء التفسير، وصوناُ لها من استغلال مختلف التيارات المنحرفة التي قد ترفعُ شعاراتٍ دينيةٍ طائفيةٍ أو أيدولوجيةٍ تتنافي مع ثوابت أمتنا ومشتركاتها ، وتحيدُ عن نهج الاعتدال والوسطية ،وتُناقض جوهر الإسلامِ في الحريةِ والعدلِ والمساواةِ ، وتبعدُ عن سماحة الأديان السماوية كلها.

من هنا نعلنُ توافُقَنا -نحن المجتمعين-على المبادئ التالية لتحديد طبيعةِ المرجعية الإسلاميّة النيّرة، التي تتمثلُ أساساً في عدد من القضايا الكلية، المستخلًصةِ من النصوص الشرعية القطعية الثبوت والدلالة، بوصفِها المعبرة عن الفهم الصحيح للدين، ونُجملها في المحاور التالية:

أولاً: دعم تأسيس الدولة الوطنيةِ الدستوريةِ الديمقراطيةِ الحديثةِ، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطارَ الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها علي قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنوّاب الشعب، بما يتوافَقُ مع المفهوم الإسلاميّ الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يُعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينيةِ الكهنوتيةِ التي تسلّطت على الناس، وعانت منها البشريّة في بعض مراحل التاريخ  ،بل ترَك  للناس  إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المُحققةِ لمصالحهم ،شريطةً أن تكونً المبادئ الكليّة  للشريعة الإسلامية  هي المصدرُ الأساس للتشريع ، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرَى الاحتكام الي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.

ثانيا: اعتماد النظام الديمقراطيّ، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصريةَ لتحقيق مبادئ الشُوري الإسلامية، بما يضمنُه من تعدّدية ومن تداول سلميّ للسلطة، ومن   تحديد للاختصاصات، ومراقبةٍ للأداءِ، ومحاسبةٍ للمسئولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شئون الدولة بالقانون –والقانون وحده-وملاحقة الفساد، وتحقيق الشفافية التامة، وحرية الحصول على المعلومات وتداولها.

ثالثا: الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسئوولية في المجتمع.  

رابعاً: الاحترام التم لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفُرقة والتنابُذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمةً في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المُتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أيّة تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.

خامساُ: تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية، المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وما قدّمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها.

سادساً: الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ علي عزتها الوطنية، وتأكيد العناية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع شعائرها الدينية دون أية معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها، دون تسفيه لثقافة الشعب أو تشويه لتقاليده الأصيلة، وكذلك الحرص التام على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة.

سابعاً: اعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية، واستثمار الثروة البشرية، وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبرى.

ثامناً: إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد، ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة بما يفجر طاقات المجتمع وابداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية، على أن يأتي ذلك على رأس الأولويات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقة والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعا.   

تاسعا: بناء علاقا مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الافريقية والعالمية علي أساس ووثيق، ومناصرة الحق الفلسطيني والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع للدور القيادي التاريخي لمصر على أساس التعاون علي الخير المشترك، وتحقيق مصلحة الشعوب في إطار من الندية والاستقلال لتام، ومتابعة المشاركة في الجهد الإنساني النبيل لتقدم البشرية والحفاظ على البيئة، وتحقيق السلام العادل بين الأمم.

عاشرا: تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة (هيئة كبار العلماء) واختصاصها بترشيح اختيار شيخ الزهر والعمل على تجديد مناهج التعليم الزهري، ليسترد دوره الفكري الأصيل وتأثيره العالم يفي مختلف الأنحاء.

حادي عشر: اعتبار الأزهر الشريف هو لجهة المختصة التي يرجع غليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة مع عدم مصادرة حق الجميع في ابداء الراي متي تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار واحترام ما توافق علية علما ء الأمة.

ويهيب علماء الأزهر والمثقفون المشاركون في اعداد هذا البيان بكل الأحزاب والاتجاهات السياسية المصرية، ان تلتزم بالعمل على تقدم مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، في إطار المحددات الأساسية التي وردت في هذا البيان.

والله الموفق لماقيه خير الآمة

تحريرا في مشيخة الأزهر

17من رجب سنة 1432

19 من يونيو سنة 2011 م

علماء الأزهر

نخبة من المثقفين

شيخ الأزهر

 

 

2-بيان الأزهر والمثقفين لدعم إرادة الشعوب العربية

انطلاقاً من إدراك كبار علماء الأزهر الشريف ، و مجموعة المثقفين المشاركين لهم ، لمتطلبات المرحلة التاريخية المفصلية ، التي تمر بها شعوب الأمة العربية في نضالها المشروع للحرية و العدالة و الديمقراطية ، و استئناف مسيرتها الحضارية ، و استلهاماً لروح التحررفي شريعة الإسلام ، و القوانين الفقهية لمشروعية السلطة ، و دورها في الإصلاح و تحقيق المقاصد و المصالح العليا للأمة ، و اتساقاً مع مواقف الأزهر الشريف الوطن الشريف ، في دعم حركات التحرر من المستعمر الغاشم و المستبد الظالم ، و إيماناً من الجميع بضرورة يقظة الأمة للأخذ بأسباب النهضة و التقدم ، و تجاوز العثرات التاريخية ، و إرساء حقوق المواطنين في العدالة الاجتماعية ، على أساس راسخ من مبادئ الشريعة و أصولها ، بما تتضمنه من حفظ العقل و الدين و النفس و العرض و المال ، و سد الطريق أمام السلطة الجائرة التي تحرم المجتمع العربي و الإسلامي من دخول عصر التألق الحضاري ، و التقدم المعرفي ، و الإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي و النهضة الشاملة ، انطلاقاً من كل ذلك ؛ فإن المجموعة التي أصدرت وثيقة الأزهر ومثلت مختلف ألوان الطيف الفكري في المجتمع المصري ، قد أدارت عدة حوارات بناءة ، حول ما حققته الثورات العربية من تفاعل خصب ، و تجاوب حميم بين مختلف المشارب و التيارات ، و توافقت على جملة المبادئ المستمدة من الفكر الإسلامي ، و الطموحات المستقبلية للشعوب العربية ، و انتهت برعاية الأزهر الشريف إلى إعلان ضرورة احترام المواثيق التالية :

 

أولاً :   تعتمد شرعية السلطة الحاكمة  من الوجهة الدينية و الدستورية على رضا الشعوب ، و اختيارها الحر، من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة و شفافية ديمقراطية ، باعتباره البديل العصري المنظم لما سبقت به تقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة ، وطبقاً لتطور نظم الحكم و إجراءاته في الدولة الحديثة و المعاصرة ، و ما استقر عليه العرف الدستوري من توزيع السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و الفصل الحاسم بينهم ، و من ضبط وسائل الرقابة و المساءلة و المحاسبة ، بحيث تكون الأمة هي مصدر السلطات جميعاً ، و مانحة الشرعية و سالبتها عند الضرورة .

 

وقد درج كثير من الحكام على تعزيز سلطتهم المطلقة متشبثين بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة:

(يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) سورة النساء الآية رقم 59

 

متجاهلين سياقها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك في الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة:

 

(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمنت إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)

سورة النساء الآية رقم 58

 

مما يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكم و عدم إقامة العدل فيه مسوغاً شرعياً لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، و مقاومة الظلم و الاستبداد، ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبرعلى المتغلب المستبد من الحكام حرصاً على سلامة الأمة من الفوضى و الهرج و المرج ، فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك و انتفى احتمال الضرر و الإضراربسلامة الأمة و مجتمعاتها .

 

ثانياً : عندما يرتفع صوت المعارضة الوطنية الشعبية و الاحتجاج السلمي ، الذي هو حق أصيل للشعوب لتقويم الحكام وترشيدهم ، ثم لا يستجيب الحكام لنداء شعوبهم ، و لا يبادرون بالإصلاحات المطلوبة ، بل يمعنون في تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التي تنادي بالحرية و العدالة و الإنصاف ، فإن هؤلاء المعارضين الوطنيين لا يعدون من قبيل البغاة أبداً ، و إنما البغاة هم الذين تحددت أوصافهم فقهياً بامتلاك الشوكة و الانعزال عن الأمة ، و رفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم ، و الإفساد في الأرض بالقوة ، أما الحركات الوطنية السلمية المعارضة ، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام التي أكدتها سائرالمواثيق الدولية ، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حكامهم ، و الاستجابة لها واجب على الحكام و أهل السلطة ، دون مراوغة أو عناد .

 

ثالثاً تعد مواجهة أي احتجاج وطني سلمي بالقوة و العنف المسلح ، و إراقة دماء المواطنين المسالمين ، نقضاً لميثاق الحكم بين الأمة وحكامها ، ويسقط شرعية السلطة ، و يهدر حقها في الاستمرار بالتراضي ، فإذا تمادت السلطة في طغيانها ، و ركبت مركب الظلم و البغي و العدوان و استهانت بإراقة دماء المواطنين الأبرياء ، حفاظاً على بقائها غيرالمشروع – و على الرغم من غرادة شعوبها- أصبحت السلطة مدانة بجرائم تلوث صفحاتها ، و أصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين و على محاسبتهم ، بل تغييرالنظام بأكمله ، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرارأومواجهة الفتن و المؤامرات ، فانتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم و سقوطه في الإثم و العدوان ، و على الجيوش المنظمة – في أوطاننا كلها – في هذه الأحوال أن تلتزم بواجباتها الدستورية في حماية الأوطان من الخارج ، و لا تتحول إلى أدوات للقمع و إرهاب المواطنين و سفك دمائهم ، فإنه :

"    من قتل نفساً بغيرنفس أوفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً "

سورة المائدة – الآية رقم 32

 

رابعاً : يتعين على قوى الثورة و التجديد و الإصلاح أن تبتعد كلياً عن كل ما يؤدي إلى إراقة الدماء ، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أياً كان مصدرها ، و مهما كانت الذرائع و التعلات التي تتدخل بها في شئون دولهم و أوطانهم و إلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم ، و وجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض و أوجب الواجبات ، وعلى قوى الثورة و التجديد أن تتحد في سبيل تحقيق حلمها في العدل و الحرية ، و أن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية ، حفاظاً على نسيجها الوطني ، و احتراماً لحقوق المواطنة ، و حشداً لجميع الطاقات من اجل تحول ديمقراطي يتم لصالح الجميع ، في إطارمن التوافق وا لانسجام الوطني ، و يهدف لبناء المستقبل على أساس من المساواة و العدل ، و بحيث لا تتحول الثورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية ، أو إثارة للحساسيات الدينية ، بل يتعين على الثوارو المجددين و المصلحين الحفاظ على مؤسسات دولهم ، و عدم إهدارثرواتها ، أو التفريط لصالح المتربصين ، و تفادي الوقوع في شرك الخلافات و المنافسات ، و الاستقواء بالقوى الطامعة في أوطانهم أو استنزاف خيراتها .

 

خامساً بناء على هذه المبادئ الإسلامية و الدستورية ، المعبرة عن جوهرالوعي الحضاري ، فإن علماء الأزهر وقادة الفكرو الثقافة يعلنون مناصرتهم التامة لإرادة الشعوب العربية في التجديد و الإصلاح و مجتمع الحرية و العدالة الإجتماعية و التي انتصرت في تونس و مصرو ليبيا ، و لا تزال محتدمة في سوريا و اليمن ، و يدينون آلات القمع الوحشية التي تحاول إطفاء جذوتها ، و يهيبون بالمجتمع العربي و الإسلامي أن يتخذ مبادرات حاسمة و فعالة لتأمين نجاحها بأقل قدر من الخسائر، تأكيداً لحق الشعوب المطلق في اختيارالحكام ، و واجبها في تقويمهم منعاً للطغيان و الفساد و الاستغلال ، فشرعية أية سلطة مرهونة بإرادة الشعب ، و حق المعارضة الوطنية السلمية غيرالمسلحة مكفول في التشريع الإسلامي في وجوب رفع الضرر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدولية جميعاً .

 

سادساً يناشد علماء الأزهرو المثقفون المشاركون لهم النظم العربية و الإسلامية الحاكمة يناشدونهم الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي و الاجتماعي و الدستوري طوعاً ، و البدء في خطوات التحول الديمقراطي ، فصحوة الشعوب المضطهدة قادمة لامحالة ، و ليس بوسع حاكم الآن أن يحجب عن شعبه شمس الحرية ،  و من العارأن تظل المنطقة العربية و بعض الدول الإسلامية قابعة دون سائربلاد العالم في دائرة التخلف و القهرو الطغيان ، و أن ينسب ذلك طلماً و زرواً غلى الإسلام وثقافته البريئة من هذا البهتان ، كما يتعين على هذه الدول أن تشرع على الفورفي الأخذ بأسباب النهضة العلمية و التقدم التكنولوجي و الانتاج المعرفي ، و استثمارطاقاتها و ثرواتها الطبيعية خدمة لمواطنيها ، و تحقيقاً لسعادة البشرية كلها .

 

هذا ، و لا يحسبن أحد من رعاة الاستبداد و الطغيان أنه بمنجاة من مصيرالظالمين ، أو أن بوسعه تضليل الشعوب ، فعصرالاتصالات المفتوحة و الانفجارالمعرفي ، و سيادة المبادئ الدينية و الحضارية النيرة ، و نماذج التضحية و النضال المشهودة عياناً في دنيا العرب ، كل ذلك جعل من صحوة الناس شعلة متوهجة ، و من الحرية راية مرفوعة ، و من أمل الشعوب المقهورة باعثاً يحدوها للنضال المستميت حتى النصر، و ليكف لجاهلون بالدين ، و المشوهون لتعاليم الإسلام ، و الداعون لتأييد الطغيان و الظلم و الاستبداد عن هذا العبث الذي لاطائل وراءه .

 

" و الله غالب على أمره و لكن أكثرالناس لا يعلمون "

سورة يوسف – آية رقم 21

 

اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا ، و تجمع بها شملنا ، و ترد بها الفتن عنا يارب العالمين .

 

مشيخة الأزهرفي :

3 من ذي الحجة سنة 1432 هـ

الموافق 30 من أكتوبرسنة 2011

 

شيخ الأزهر- أحمد محمد الطيب

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهــر الشــريف

   مكتب شــيخ الأزهــر  

بيان الأزهـــــــر والمثقفـين

( عن منظومة الحريات الاساسية )

__________

يتطلع المصريون، والأمة العربية والإسلامية، بعد ثورات التحرير التي أطلقت  الحريات، وأَذكَت رُوح النّهضة الشاملة لدى مختلف الفئات، إلى علماء الأمّة ومفكِّريها المثقفين، كَي يحددوا  العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء ومنظومة الحريّات الأساسية التي أجمعت عليها المواثيق الدّولية، وأسفرت عنها التجربة الحضارية للشعب المصري، تأصيلًا لأسُسِها، وتأكيدًا لثوابتها، وتحديدًا لشروطها التي تحمى حركة التطور وتفتح آفاق المستقبل. وهي حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الأدبي والفني، على أساس ثابت من رعاية مقاصد   الشريعة الغراء، وإدراك روح التشريع الدستوري الحديث، ومقتضيات التقدم المعرفي الإنساني، بما يجعل من الطاقة الرّوحية للأمّة وقودا للنهضة، وحافزًا للتقدم، وسبيلًا للرُّقىّ المادي والمعنويّ، في جهد موصول يتسق فيه الخطاب الثقافي الرشيد مع الخطاب الديني المستنير، ويتآلفان معًا في نسق مستقبلي مُثمِر، تتحد فيه الأهداف والغايات التي يتوافق عليها الجميع.

ومن هنا فإن مجموعة العلماء الأزهريين والمثقّفين المصريّين الذين  أصدروا وثيقة الأزهر الأولى برعاية من الأزهر الشريف، وأَتبعوها ببيانِ دَعْمِ حراك الشعوب العربية الشقيقة نحو الحرية والديموقراطية، - قد واصلوا نشاطهم وتدارسوا فيما بينهم القواسم الفكرية المشتركة في منظومة الحريات والحقوق الإنسانية، وانتهوا إلى إقرار جملةٍ من المبادئ والضّوابط الحاكمة لهذه الحريات، انطلاقًا من متطلبات اللحظة التاريخية الراهنة، وحفاظًا على جوهر التوافق المجتمعي، ومراعاة للصالح العام في مرحلة التحول الديموقراطي، حتى تنتقل الأمّة إلى بناء مؤسساتها الدّستورية بسلامٍ واعتدال وتوفيقٍ من الله تعالى.

وبما لا يسمح بانتشار بعض الدعوات المغرضة، التي تتذرع بحجة الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتدخل في الحريات العامة والخاصة الأمر الذي لا يتناسب مع التطور الحضاري والاجتماعي لمصر الحديثة، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الكلمة والفهم الوسطي الصحيح للدين والذي هو رسالة الأزهر الدينية ومسؤوليته نحو المجتمع والوطن.

أولاً : حـــريّة العقيدة:

تُعتَبر حريّةُ العقيدة ،وما يرتبط بها من حقِّ المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساوة التامة في الحقوق والواجبات حجرَ الزّاوية فى البناء المجتمعي الحديث، وهي مكفولةٌ بثوابت النصوص الدِّينية القطعيّة وصريح الأصول الدستورية والقانونية،  إذ يقول المولى عز وجل ] لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ ويقول : ] فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [ ، ويترتّب على ذلك تجريم أي مظهر للإكراه في الدين، أو الاضطهاد  أو التمييز بسَبَبِه، فلكلِّ فردٍ في المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، دون  أن يمس حقّ المجتمع في الحفاظ على العقائد السماوية، فللأديان الإلهية الثلاثة  قداستها، وللأفراد حريّة إقامة شعائرها دون عدوان على مشاعر بعضهم أو مساس بحرمتها  قولاً أو فعلاً ودون إخلال بالنظام العام .

ولما كان الوطن العربي مهبطَ الوَحي السماوي وحاضن الأديان الإلهية كان    أشدّ التزاما برعاية قداستها واحترام شعائرها وصيانة حقوق المؤمنين بها في حرية وكرامة وإخاء .

ويترتّب على حـــق حرية الاعتقاد التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساسٍ متينٍ من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص  في جميع الحقوق والواجبات .

كما يترتب أيضًا على احترام حرية الاعتقاد رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين بهذه العقائد، بناء على ما استقرَّ من نظم دستورية بل بناء على ما استقر قبل ذلك -               بين علماء المسلمين من أحكام صريحة قاطعة قرّرتها الشريعة السمحاء  في الأثر النبوي الشريف : ( هلا شققتَ عن قلبه) والتي قررها إمام أهل المدينة المنورة الإمام مالك والأئمة الأخرون بقوله : " إذا صدر قول من قائل  يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِلَ على الإيمان ولا يجوز حَمْلُه على الكفر " وقد أعلى أئمة الاجتهاد والتشريع  من شأن العقل فى الإسلام، وتركوا لنا قاعدتهم الذهبية التي تقرر أنه : " إذا تعارض العقل والنقل قُدَّم العقل وأُوِّل النقل " تغليباً للمصلحة، المعتبرة وإعمالاً لمقاصد الشريعة . 

ثانياً: حرية الرأي والتعبير:

حرية الرأي هي أم الحريات كلها، وتتجلى في التعبير عن الرأي تعبيرًا حرًّا بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فني وتواصل رقمي، وهي مظهر الحريات الاجتماعية التي تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والرقمي، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأي، ولابد أن تكون مكفولة بالنصوص الدستورية لتسمو على القوانين العادية القابلة للتغيير. وقد استقرت المحكمة الدستورية العليا في مصر على توسيع مفهوم حرية  التعبير ليشمل  النّقد البنَّاء ولوكان حاد العبارة ونصت على أنه " لا يجوز أن تكون حرية التعبير في القضايا العامة مقيدة بعدم التجاوز، بل يتعين التسامح فيها" لكن من الضروري أن ننبه إلى وجوب احترام عقائد الأديان الإلهية الثلاثة وشعائرها لما في ذلك من خطورة على النسيج الوطني والأمن القومي. فليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية أو النعرات المذهبية باسم حرية التعبير، وإن كان حق الاجتهاد بالرأي العلمي المقترن بالدليل، وفي الأوساط المتخصصة، والبعيد عن الإثارة مكفولاً كما سبق القول في حرية البحث العلمي .

ويعلن المجتمعون أن حرية الرأي والتعبير هي المظهر الحقيقي للديموقراطية، وينادون بتنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها على ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين، ويهيبون بالعاملين في مجال الخطاب الديني والثقافي والسياسي في وسائل الإعلام مراعاة هذا البعد المهم في ممارساتهم، وتوخي الحكمة في تكوين رأي عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق ويحتكم للحوار ونبذ التعصب، وينبغي لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامي السمح الذي كان يقـــول فيه أكابر أئمة الاجتهاد: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ومن ثم فلا سبيل لتحصين حرية الرأي سوى مقارعة الحجة بالحجة طبقًا لآداب الحــــوار، وما اســـتـقرت عليه الأعراف الحضارية في المجتمعات الراقيــة .

 

ثالثاً :حرية البحث العلمي:

 يُعَدُّ البحث العلميّ الجادّ في العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضيــة وغــيرها، قاطرة التقدم البشري، ووسيلة اكتشاف سنن الكون ومعرفة قوانينه لتسخيرها لخير الإنسانية، ولا يمكن لهذا البحث أن يتم ويؤتي ثماره النظرية والتطبيقية دون تكريس طاقة الأمّة له وحشد إمكاناتها من أجله. ولقد أفاضت النصوص القرآنية الكريمة في الحث على النظر والتفكر والاستنباط والقياس والتأمل في الظواهر الكونية والإنسانية لاكتشاف سننها وقوانينها، ومهدت الطريق لأكبر نهضة علمية في تاريخ الشرق، نزلت إلى الواقع وأسعدت الإنسان شرقاً وغرباً، وقادها علماء الإســـلام ونقلوا شعلتها لتضيء عصر النهضة الغربية كما هو معروف وثابت. وإذا كان التفكير في عمومه فريضة إسلامية في مختلف المعارف والفنون كما يقول المجتهدون فإن البحث العلمي النظري والتجريبي هو أداة هذا الفكر . وأهم شروطه أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حـــرية أكاديمية تامة في إجراء التجارب  وفرض الفروض والاحتمالات

 واختبارها بالمعايير العلمية الدقيقة، ومن حق هذه المؤسسات  أن تمتلك الخيال الخلَّاق والخبرة الكفيلة بالوصول إلى نتائج جديدة تضيف للمعرفة الإنسانية، لا يوجههم  في ذلك إلا أخلاقيات العلم ومناهجه وثوابته، وقد كان كبار العلماء المسلمين مثل الرازي وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم أقطاب المعرفة العلمية وروادها في الشرق والغرب قرونًا عديدة، وآن الأوان للأمة العربية والإسلامية أن تعود إلى سباق القوة وتدخل  عصر المعرفة، فقد أصبح العلم مصدر القوة العسكرية والاقتصادية وسبب التقدم والتنمية والرخاء، وأصبح البحث العلمي الحر مناط نهضة التعليم وسيادة الفكر العلمي وازدهار مراكز الانتاج إذ تخصص لها الميزانيات الضخمة، وتتشكل لها فرق العمل وتُقترح لها المشروعات الكبرى، وكل ذلك مما يتطلب ضمان أعلى سقف للبحث العلمي والإنساني . وقد أوشك الغرب أن يقبض بيديه على كل تقدم علمي وأن يحتكر مسيرة العلم لولا نهضة اليابان والصين والهند وجنــوب شرقي آسيا التي قدمت نماذج مضيئة لقدرة الشرق على كسر هذا الاحتكار، ولدخول عصر العلم والمعرفة من أوسع الأبواب، وقد آن الأوان ليدخل المصــريون والعرب والمسلمون ساحة المنافسة العلمية والحضارية، ولديهم ما يؤهلهم من الطاقات الروحية والمادية والبشرية وغيرها من شروط التقدم في عالم لا يحترم الضعفاء والمتخلفين .

رابعًا: حرية الإبداع الأدبي والفني :

ينقسمُ الإبداع إلى إبداع علمي يتصل بالبحث العلمي كما سبق، وإبداع أدبي وفني يتمثل في أجنــاس الأدب المختلفة من شعر غنائي ودرامي، وسرد قصصي وروائي، ومسرح وسير ذاتية وفنون بصرية تشكيلية، وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية، وأشكال أخرى مستحدثة في كل هذه الفروع.

والآداب والفنون في جملتها تستهدف تنمية الوعي بالواقع، وتنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالي وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقـــد المجتمع أحيانًا والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدي في حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر، مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية .

ولقد تميزت اللغة العربية بثرائها الأدبي وبلاغتها المشهودة، حتى جــاء القرآن الكريم في الذروة من البلاغة والإعجاز، فزاد من جمالها وأبرز عبقريتها، وتغذَّت منه فنون الشعر والنثر والحكمة، وانطلقت مواهب الشعراء والكتّاب - من جميع الأجناس  التي دانت بالإسلام ونطقت بالعربية -  تبدع  في جميع الفنون بحرية  على مر العصور دون حرج، بل إن كثيرًا من العلماء القائمين على الثقافة العربية والإسلامية من شيوخ وأئمة كانوا هم من رواة الشعر والقصص بجميع أشكاله، على أن القاعدة الأساسية التي تحكم حدود حرية الإبداع هي قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التر اث والتجديد   في الإبداع الأدبي والفني من ناحية أخرى، وعدم التعرض لها ما لم تمس المشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة، ويظل الإبداع الأدبي والفني من أهم مظاهر ازدهار منظومة الحريات الأساسية وأشدها فعالية في تحريك وعي المجتمع وإثراء وجدانه، وكلما ترسخت الحرية الرشيدة كان ذلك دليلًا على تحضره، فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات وتعبير صادق عن ثوابتهم ومتغيراتهم، وتعرض صورة ناضرة لطموحاتهم في مستقبل أفضل، والله الموفق لما فيه الخير والسداد .

  

تحريراً في مشيخة الأزهر :

        14 من  صفـــر ســنة 1433ﻫ                                                                                                                             

 المــــــوافـق   :     8   مــن يناير سـنـة  2012 م                                  شـيخ الأزهــر

                                                 أحمــــــد الطـيب

 

 

4- بيان الأزهر الشريف  حول

استكمال أهداف الثورة المصرية واستعادة روحها

 

بمبادرة وطنية من الأزهر الشريف وبمشاركة كريمة من مجلس الوزراء  والكنيسة  المصرية الوطنية والقيادات الشعبية وفي هذا اليوم التاريخي عيد الثورة المصرية الأول، الثورة التي بهرت العالم بخصائصها غير المسبوقة، وطابعها السلمي الخالص، وحرصها على الإجماع الوطني لمصر بكل رجالها ونسائها، واستيعابها لأحدث أسلحة العصر في ثورة الاتصالات العالمية، لتنجز أول أهدافها الثورية، وهو: تخليص مصر من حقبة اتسمت بالفساد والضعف، والقمع والظلم، - في هذا اليوم تعود مصر كلها إلى هذا المكان الذي شهد ميلاد الثورة، وشهد تضحيات الشباب الوطني المخلص، ممن قدموا أرواحهم فداءا لمصر، تعود مصر- اليوم- إلى "ميدان التحرير" الذي دخل بحروفه العربية كل لغات العالم، وأثر بروحه الديموقراطية على العديد من شعوب الشرق والغرب.

اليوم: مصر الميدان ومصر البرلمان، مصر الجيش ومصر الشعب، مصر الحكومة ، ومصر الأزهر، مصر الوطن ومصر العروبة، مصر الإسلام ومصر المسيحية، مصر التاريخ والتراث، ومصر الحاضر والمستقبل، مصر التدين الأصيل ومصر الحريات المدنية الكاملة، تطالع اليوم العالم كله بوجهها الثوري النبيل، معلنة هذه الالتزامات الوطنية :

  1. الحفاظ على روح هذا الميدان كما كانت خلال الأيام الثمانية عشرة التي غيرت مجرى التاريخ المصري، وجمعت كل أبناء الوطن على كلمة سواء.
  2. التعاهد الوطني – باسم كل القيم الصادقة – على استكمال أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير.
  3. التوافق الوطني على رعاية كل مكونات هذا الوطن، دون غلبة أو هيمنة أو إقصاء أو انحياز.
  4. تأكيد حق المواطن الدستوري في محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، ومنع المحاكمات العسكرية للمدنيين، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
  5. سرعة المحاكمات لرموز الفساد والطغيان المهتمين، بما لا يخل بحرمة الحق ومقتضى العدل وواجب النزاهة.
  6. استكمال الوفاء بحقوق أسر الشهداء والمصابين في العلاج والتعويض والعمل والرعاية التامة.
  7. المضي في البناء الديموقراطي لمؤسسات الدولة وإتمام تسليم السلطة للمدنيين في موعده المحدد دون إبطاء.
  8. الالتزام بما أسفرت عنه الانتخابات النزيهة الحرة من نتائج، والتعاون بين شباب الثورة جميعا وممثلي الشعب المنتخبين في بناء مصر المستقبل تحت مظلة الديموقراطية وعلى أساس من الشرعية البرلمانية والتوافق الوطني.
  9. القضاء على آثار السياسات القمعية، والفساد الشامل، مع العمل الجاد على بناء اقتصاد مصري قوي، يستثمر كل إمكانات مصر، ويحقق العدالة لجميع أبنائها.
  10. عودة الدور الوطني المصري في ريادة المنطقة، والإسهام في السياسة الدولية بقرار حر دون تبعية أو انحياز.
  11. عودة الجيش الوطني – ذخر الوطن وحامي انتفاضاته الثورية- إلى دوره في حراسة حدود مصر وأمنها القومي.
  12. إطلاق طاقات الشعب، وبخاصة شبابه الثوري الناهض لبناء المجتمع والدولة، ومحاربة التخلف والفقر والمرض والجهل، والنهوض بمصر سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا لتكون الأنموذج المضيء لأمة العرب والمسلمين.

والله خير الشاهدين، وهو حسبنا ونعم الوكيل ؛

 تحريرا في مشيخة الأزهر: 17  من صفر 1433 هـ  11 من يناير سنة 2012 م

أحمد الطيب

شيخ الأزهر

 

 

 

 

 

 

5- بيان القدس الشريف

في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التهويد الصهيوني لمدينة القدس الشريف, وتتصاعد الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية بالحرم القدسي- وفي القلب منها المسجد الأقصي المبارك- وتتسابق المشروعات الصهيونية في تهديد معالم الحرم الشريف, وآخرها مشروع قطار القدس- يعلن الأزهر الشريف قبلة العالم الإسلامي, والمرابط علي ثغور الأمة والمدافع عن قضاياها العادلة- وطنية كانت أو إسلامية, يعلن:

أولا: أن عروبة القدس تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنا.. حيث بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد..أي قبل عصر أبى الأنبياء إبراهيم- عليه السلام- بواحد وعشرين قرنا... وقبل ظهور اليهودية التي هي شريعة موسى –عليه السلام- بسبعة وعشرين قرنا.

ثانيا: أن شريعة موسى- عليه السلام- وتوراته, قد ظهرت بمصر, الناطقة باللغة الهيروغليفية, قبل دخول بني إسرائيل غزاة إلى ارض كنعان, وقبل تبلور اللغة العبرية بأكثر من مائة عام. ومن ثم فلا علاقة لليهودية ولا العبرانية لا بالقدس ولا بفلسطين.

ثالثا: إن الوجود العبراني في مدينة القدس لم يتعد 415 عاما بعد ذلك, على عهد داود وسليمان- عليهما السلام- في القرن العاشر قبل الميلاد.. وهو وجود طارئ وعابر, حدث بعد أن تأسست القدس العربية ومضى عليها ثلاثون قرنا من التاريخ.

رابعا:  إذ كان تاريخ القدس قد شهد العديد من الغزوات والغزاة, فإن عبرة التاريخ تؤكد دائما أن كل الغزاة قد عملوا على احتكار هذه المدينة ونسبتها لأنفسهم دون الآخرين.. صنع ذلك البابليون.. والإغريق.. والرومان.. وكذلك الصليبيون.. ثم الصهاينة الذين يسيرون على طريق هؤلاء الغزاة, ويعملون- الآن- على تهويدها واحتكارها, والإجهاز على الوجود العربي فيها.

لقد صنع الغزاة ذلك، بينما تفرد الإسلام الذي تميز بالاعتراف بكل الشرائع والملل, واحترام كل المقدسات وتفرد بتأكيد قداسة هذه المدينة وإشاعة ذلك بين كل أصحاب الديانات والملل.. الأمر الذي جعل- ويجعل- من السلطة العربية على القدس ضمانا لمصالح الجميع, فالقدس في ظل السلطة العربية هي –دائما- مدينة الله, المفتحة الأبواب أمام كل خلق الله وعباده.

خامسا:  أن احتكار القدس وتهويدها – في الهجمة المعاصرة- إنما يمثل خرقا للاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية التي تحرم وتجرم أي تغيير لطبيعة الأرض والسكان والهوية في الأراضي المحتلة, ومن ثم فان تهويد القدس فاقد للشرعية القانونية, فضلا عن مصادمته لحقائق التاريخ التي تعلن عروبة القدس منذ بناها العرب اليبوسيون قبل أكثر من ستين قرنا من الزمان.

سادسا: أن الأزهر الشريف – ومن ورائه كافة المسلمين في الشرق والغرب, إذ يرفض هذه المشروعات, يحذر من الكيان الصهيوني والقوى التي تدعمه من التداعيات التي تهدد سلام المنطقة بل سلام العالم كله, ويذكر الكيان الصهيوني – ومن وراءه- بأن: الصليبيين قد احتلوا مناطق أوسع مما تحتله الصهيونية.. ووقعت القدس في الأسر الصليبي سنوات تزيد على ضعف السنوات التي وقعت فيها في قبضة الصهيونية الباغية.. ومع ذلك, مضت سنة التاريخ – التي لا تتخلف- إلى طي صفحة الاحتلال, وإزالة أثار عدوان المعتدين على الحقوق والمقدسات.

وأن الصهاينة –الذين يستندون إلى القوي الامبريالية الغاشمة, في محاولتهم تهويد القدس الشريف- إنما يغامرون بمستقبل اليهود أنفسهم, ويتجاوزون الخطوط الحمراء للأمة الإسلامية, التي يبلغ تعدادها نحو ربع البشرية, وهي أمة قادرة – في يوم قريب- على انتزاع حقوقها السليبة.

إن القدس ليست مجرد أرض محتلة, وإنما هي – قبل ذلك وبعده- حرم إسلامي ومسيحي مقدس .. وقضيتها ليست –فقط- مجرد قضية وطنية فلسطينية, إو قضية قومية عربية, بل هي – فوق كل ذلك- قضية عقدية إسلامية, وإن المسلمين وهم يجاهدون لتحريرها من الاغتصاب الصهيوني, فإنما يهدفون إلى تأكيد قداستها, ويجب تشجيع ذلك عند كل أصحاب المقدسات كي يخلصوها من الاحتكار الإسرائيلي والتهويد الصهيوني.

والأزهر الشريف يناشد كل أحرار العالم أن يناصروا الحق العربي في تحرير القدس وفلسطين.. كما يدعوا عقلاء اليهود أنفسهم للاعتبار بالتاريخ, الذي شهد على اضطهادهم في كل مكان حلوا به إلا ديار الإسلام وحضارة المسلمين.

ويؤكد الأزهر – مرة أخرى- أن تهويد القدس, والعدوان على معالم الحرم القدسي الشريف, هو خط احمر, وهو في الوقت نفسه مقدمه واعدة بطي صفحة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

لقد سبق لصلاح الدين الأيوبي أن حدد طريقة تحرير القدس الشريف, عندما كتب إلى الملك الصليبي ريتشارد قلب الأسد. وقال له: ((لا تفكر بأنه يمكن لنا أن نتخلى عن القدس أبدا, كما لا يمكن بحال أن نتخلى عن حقوقنا فيها كأمة مسلمة.. ولن يمكنكم الله أن تشيدوا حجرا واحدا في هذه الأرض طالما استمر الجهاد )).

ولقد صدق التاريخ على كلمات الناصر صلاح الدين, ومعلوم لكل عاقل, أن للتاريخ سنا إلهية لا تبديل لها ولا تغيير, (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف: 21).

(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (الشعراء: 227)

تحريرا في مشيخة الأزهر: 24 من ذي الحجة سنة 1432 هـ. 20 من نوفمبر سنة 2011م

أحمد الطيب

شيخ الأزهر

 

  

 

 

   

 

طباعة
10172 Rate this article:
5.0