23 أغسطس, 2016

المسلمون في المكسيك

المسلمون في المكسيك

- مقدمة

تعتبر متابعة أحوال المسلمين في العالم إحدى أهم أولويات مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، وذلك من خلال رصد وتحليل كافة ما تصدره وسائل الإعلام الأجنبية عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن تتبع الدراسات الديموغرافية التي تصدر سنوياً عن المراكز الإسلامية والهيئات الحكومية المنوط بها إحصاء أعداد المسلمين. وترجع أهمية هذه المتابعة المستمرة من جانب المرصد إلى التعريف بأحوال المسلمين والمشاكل والصعوبات التي تواجههم داخل البلدان التي يعيشون فيها. وانطلاقاً من عمل وحدة الرصد باللغة الإسبانية بالمرصد في متابعة أحوال الجاليات المسلمة في إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية الناطقة باللغة الإسبانية، فتجدر الإشارة إلى أن المرصد بصدد الإعداد لتقرير موسّع حول أحوال المسلمين في تلك البلدان، ومن بين تلك الدول التي سيشملها التقرير هي دولة المكسيك التي نسلط عليها الضوء الآن بشكل مقتضب لتعريف القارئ بواقع الإسلام في المكسيك باعتبارها واحدة من أكثر الدول نفوذاً داخل القارة اللاتينية، وكذا نعرض سريعاً لأهم المشاكل التي تتعرض لها الجالية المسلمة هناك.

- تَنامِي اعتناق المكسيكيين للإسلام

تشير الإحصائيات والتقارير إلى أن عدد المسلمين في تزايد مستمر في الولايات المكسيكية، حيث كان تعداد المسلمين حوالي 3760 في عام 2010 من بينهم 2368 رجلاً و1392 امرأة، وذلك وفقاً للتقرير الذي أعدّته منظمة إينيجي Inegi حول بانوراما الأديان في المكسيك لعام 2010. هذا ويمثل العرب المهاجرون إلى المكسيك منهم النسبة الكبرى، مع وجود عدد ليس بالقليل من المسلمين ذوي الأصول المكسيكية الخالصة، ينتمي غالبيتهم إلى الطبقة المتوسطة أو المتوسطة العليا. وتتركز غالبية المسلمين فى مدينة المكسيك العاصمة حيث يتمركز الدروز والسنة، وعلى الرغم من ذلك توجد مجموعات من الجاليات المسلمة في مدن أخرى مثل ولاية باها كاليفورنيا Baja California، وخاليسكو Jalisco، وبويبلا Puebla وكواهويلا Coahuila، وسان كيستوفر دي لاس كاساس San Cristóbal de las Casas. وتشير الإحصاءات غير الرسمية لعام 2015 إلى أن عدد المسلمين في المكسيك قد وصل إلى 5000 شخص، بل يذكر مدير المركز السلفي في المكسيك "محمد رويث المكسيكي" إلى أن العدد قد تعدى 10000 وذلك نقلاً عن مركز بيو الأمريكي البحثي.
وفي ظل الاهتمام المتزايد لوسائل الإعلام بتسليط الضوء على الجالية المسلمة في المكسيك، نشرت مجلة الإيكونوميست المكسيكية العدد رقم 297 لعام 2016، خصصت فيه مجموعة مقالات إيجابية حول الإسلام والمسلمين وكان عنوان هذا العدد: "الإسلام في المكسيك"، كما وضعت صورة لسيدتين مسلمتين ترتديان الحجاب في إحدى المنتزهات المكسيكية.
في هذا العدد كتب دييجو بادييّو Diego Badillo الصحفي المكسيكي مقالاً ذكر فيه أن المسلمين جماعة مسالمة ومتنوعة ومعتدلة وفي تزايد مستمر، وأصبحوا يُشكلون إحدى المجموعات الدينية الأكثر انتشاراً داخل البلاد خلال العشرين عاماً الأخيرة. وأشار إلى أن تعداد المسلمين قد ارتفع بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة حيث وصل إلى 39 ألفاً، من بينهم ألفين من أصول مكسكيكية اعتنقوا الإسلام حديثاً، ومنهم من يرى أن أعداد المعتنقين يفوق هذا العدد بكثير، وذلك وفقاً لإحصائيات غير رسمية صادرة عن المؤسسات الإسلامية بالمكسيك لعام 2016. ويشير الكاتب إلى أن غالبية الرجال الذين اعتنقوا الإسلام هم من الشباب ومن طبقات اجتماعية متوسطة وفقيرة. ألمحَ الكاتب أن المجتمعات أو الأفراد الذين يتحولون عن ديانتهم التي كانوا يعتنقونها في الماضي يتعرضون للتهميش والاضطهاد دائماً في كثير من البلدان، إلا إن هذا الوضع يختلف في المكسيك تماماً، في إشارة منه إلى عدم وجود هذا النوع من التهميش داخل المجتمعات المكسيكية. واختتم الكاتب مشيراً إلى إن الإسلام انتشر بشكلٍ واسعٍ خلال العقود الأخيرة وأن اعتناق المكسيكيين لهذا الدين يتماشى مع تلك الظاهرة العالمية التي انتشرت في العديد من دول العالم.
ومع تنامي أعداد المسلمين في المكسيك، تسعى الجالية المسلمة هناك إلى إنشاء رابطة بين المنظمات التجارية لتصدير المنتجات "الحلال"، والتي تقدر قيمتها ب 21 مليون دولار، إلى أكثر من 16 دولة حول العالم مثل مصر والمغرب وتركيا، والتي يوجد بها أكثر من 530 مليون مستهلك. كذلك أعلن وزير السياحة المكسيكي في بيان رسمي أن بلاده ستصيغ "ختم حلال" على المنتجات، لتتناسب مع احتياجات السياح المسلمين وخاصة من الأطعمة. يأتي هذا القرار مع تزايد أعداد السائحين المسلمين في المكسيك في السنوات الأخيرة، حيث تمثل السياحة ثالث مصدر للدخل في المكسيك.
وفي مقال بعنوان: "الذين يعبدون الله مسالمون" أكد المدير السابق لمركز الأبحاث والأمن القومي بالمكسيك "جييّرمو بالديس كاستييانو" على أن مسلمي المكسيك هم جماعات مسالمة إلى أبعد الحدود، ولهم علاقات طيبة بجيرانهم في الأماكن التي يقيمون فيها، ومنهم من تزوج من السكان الأصليين للبلاد مكونين بذلك مجتمعات مكسيكية إسلامية خالصة. وعمّا إذا كانت هناك تخوفات من المسلمين الموجودين في المكسيك، أعرب أنه يشعر بكثير من الارتياح ولا توجد أية مؤشرات تدعو إلى التخوف منهم. وفي مقال آخر تحت عنوان: "نحن المسلمون لا نُشكل أية خطورة على الإطلاق"، يعرض الكاتب "دييجو باديّو" مقابلة مع إحدى المسلمات هناك والتي أكدت على أن المكسيكيين يتعاملون بشكلٍ طيبٍ مع المسلمين وأن ليس لديهم أي تخوف من المسلمين، وأضافت هذه السيدة أن المشكلة الوحيدة بالنسبة لها هي صعوبة وجود مكان لأداء الصلوات الخمس اليومية.

- الإسلام تتأصل جذوره في ولاية تشيابّاس المكسيكية

وفي السياق ذاته تشير الإحصائيات إلى تزايد عدد المسلمين في المكسيك بين عام 2000 و2010 بنسبة تتجاوز 260%- وذلك وفقاً لما أوردته صحيفة "ناثيون" المكسيكية. ففي عام 2000 كان هناك في المكسيك 1421 مسلمًا (45 فقط منهم في ولاية تشيابّاس)، وفي عام 2010 ارتفع عدد المسلمين إلى 3760 مسلمًا (110 منهم في هذه الولاية). وتتواجد في هذه المدينة العديد من الطوائف الإسلامية مثل الأحمدية والمرابطين والصوفية والسنة، وتعتبر تشيابّاس أيضاً إحدى المدن التي يسكنها طوائف من جميع الأديان من مسيحيين، ويهود، ومسلمين. ووفقاً للمعهد الوطني للجغرافيا والإحصاء (INEGI)، تعتبر المكسيك ثاني أكبر دولة كاثوليكية في العالم بعد البرازيل، حيث أن أكثر من 82% من السكان من الكاثوليك، ولكن في ولاية تشيابّاس فإن نسبة 58% من السكان من الكاثوليك، وهذا دليل على كثرة عدد المسلمين في المدينة. كما أن النساء في هذه الولاية لا يشعرن بالخوف من تزايد عدد المسلمين ولا من النساء المحجبات. جديرٌ بالذكر أن هذه الولاية يوجد بها 4 مساجد، كما أن الطائفة الأحمدية لها تواجد بتلك الولاية ويوجد مسجدٌ باسمها.

- المراكز الإسلامية بالمكسيك

يسمح القانون المكسيكي ببناء دور العبادة غير المسيحية، ويسمح كذلك بارتداء الحجاب، فيما سوى أوراق ثبوت الهوية التي يُمنع تغطية الشعر أو الوجه فيها، ولكن لا تُعد هذه تفرقة عنصرية حيث يسرى هذا القانون على كل المواطنين. يُذكر أن المراكز الإسلامية بدأت في الظهور في منتصف الثمانينات وكان أولها "النادي المصري" الذي تم تأسيسه عام 1984. ومن المراكز السنية أيضاً المركز التعليمي للجالية المسلمة والذي أسسه بعض المغاربة واللبنانيين والباكستانيين، وكذلك المركز الثقافي الإسلامي بالمكسيك وله إدارة مكسيكية، كما توجد مراكز إسلامية تابعة للطرق الصوفية خاصة في العاصمة.
وتسعى الطائفة الأحمدية إلى بناء أول مسجد لها في المدينة المكسيكية "ميريدا"، وكذلك إعادة هيكلة مبنى في مدينة المكسيك لاستخدامه كمركز ديني للجماعة. وبشكلٍ عامٍ يجتمع المسلمون المكسيكيون في المصلى وهى قاعات صغيرة لإقامة الصلاة، حيث لا يوجد فى الدولة سوى ثمانية مساجد كبرى، نذكر من أهمها المركز التعليمي لمسلمي المكسيك ويوجد بالعاصمة وهو أكبر المراكز الإسلامية بالمكسيك، ومسجد دار السلام وهو أكبر مسجد بالدولة، وبه دار لنشر الإسلام والتعريف به وهو موجود بولاية موريلوس، وكذلك المركز السلفي المكسيكي "مسجد محمد بن عبد الوهاب" وهو أول مسجد سلفي بأمريكا اللاتينية، موجود بالعاصمة، وجمعية المسلمات المكسيكيات في العاصمة، وتتبع المذهب الشيعي.

- الصعوبات والمشاكل

بشكلٍ عامٍ، يلقى المسلمون في أمريكا اللاتينية قبولاً منذ بدايات دخول الإسلام إلى أراضي القارة، وطالما ظل الأمر على هذه الحال حتى مع تغير الرؤية التي يرى العالم المسلمين بها. وبالرغم من ذلك، فخلال عام 2015 الذي استهلته حادثة "تشارلي إيبدو" واختتم بأحداث باريس وكاليفورنيا، نرى بعض حوادث الإسلاموفوبيا في بعض الدول اللاتينية، ولكننا نرى أن هذه الحوادث ماهي إلا وقائع فردية من بعض الأشخاص يقابلها رفض الكثير من حكومات هذه الدول لهذه الأفعال وإعلانها تَقَبُل المسلمين في بلادها. وفي السياق ذاته، صرّح مدير المركز التعليمي للجماعة الإسلامية بالمكسيك بعدم وجود حوادث إسلاموفوبيا  في الدولة التي يعيش بها منذ 20 عاماً، وحتى بعد أحداث "تشارلي إيبدو" إلا أنه يعتقد أن هذا الوضع المتسامح قد تغيّر قليلاً بعد أحداث باريس في نوفمبر من عام 2015، حيث قامت الكنيسة المكسيكية في مقال نشرته تتهم فيه الإسلام بالإرهاب وعدم إمكانية التعايش في أوروبا، مستخدمة ألفاظاً معادية للإسلام بطريقة واضحة. وللرد على هذا المقال، أرسل "عيسى روخاس" -أحد أهم الأئمة في المكسيك وفي أمريكا اللاتينية - للكنيسة لترتيب مقابلة مع بعض ممثليها لمناقشة هذه الافتراءات ولمحاولة التقريب بين المسلمين والمسيحيين هناك لكنه لم يتلق رداً من الكنيسة، كما صرّح روخاس بأنه بعد الأحداث الأخيرة أصبح يحدث في المكسيك ما لم يكن يحدث من قبل، حيث استقبل  رسائل تهديدية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا وقد أدان المجلس القومي المناهض للعنصرية في المكسيك مظاهر الكراهية والعنف الموجهة ضد المسلمين سواء كانت في الداخل أو في الخارج، وحثّ الجميع على تعزيز سبل التعايش واحترام حقوق الآخر ونبذ العنصرية بكافة أشكالها. وأكد المجلس على أن المكسيك لم تسلم من تلك الأعمال العنصرية بسبب الدين أو الاعتقاد، حيث رُصد العديد من تلك الحالات ضد الجالية المسلمة. وأشار إلى أن عملية ربط الإرهاب بالإسلام يُعد نوعٌ من أنواع العنصرية التي تعمل على عرقلة التعايش بين مواطني المجتمع الواحد، كما تُعتبر بمثابة عقبة أمام المهاجرين واللاجئين الذين هم في حاجة إلى كافة أشكال التضامن الإنساني.
ونَشَرَ التليفزيون المكسيكي تقريراً حول انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في البلاد وتزايد حِدتها بعد أحداث باريس الأخيرة، حيث تناول التقرير شهادات لبعض السيدات المسلمات اللاتي اعتنقن الإسلام حديثاً في المكسيك، وكُنَّ فريسة لأعمال العنصرية والاضطهاد بسبب ارتدائهن للحجاب، كما ألقى التقرير باللوم على وسائل الإعلام التي تناولت مفهوم الإسلام بشكل خاطيء وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على آراء المواطنين وحشدهم ضد كل ما هو إسلامي (وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مرصد الأزهر باللغات الأجنبية قد بدأ بالفعل في حملة توعوية لتصحيح المفاهيم المتعلقة بالإسلام ونقلها باللغات الأجنبية آملاً أن تكون إحدى الوسائل في توضيح المفهوم الصحيح، وقد بدأها بمفهوم الجهاد ومن المقرر أن تستمر لمدة شهر بدءاً من منتصف يوليو، وتتبعها سلسلة أخرى استكمالاً لهذه الحملة). كما وجّه البعض اتهامات للمسلمين بالإرهاب بعد هجمات باريس، وفي الوقت ذاته دافع أحد الأساقفة هناك عن المسلمين، وأشار إلى أنهم لا يمثلون تهديداً بينما أشاد الأئمة برسالة السلام التي بعث بها البابا لأتباعه بالمكسيك والعالم أجمع.

- الخاتمة

يؤكد هذا التقرير على نظرية تزايد أعداد المسلمين في العالم- تلك النظرية التي أشار إليها "مركز بيو البحثي" أكد على ارتفاع نسبة المسلمين إلى 29,7% من إجمالي سكان العالم بحلول عام 2050 حتى يتساوى مع نسبة الكاثوليك على مستوى العالم- وهي زيادة منطقية بسبب توافد المزيد من المسلمين على دول أمريكا اللاتينية، وكذلك تنامي اعتناق العديدين للإسلام، وهو أمر يبعث على التفاؤل. لكنه من الأهمية بمكان أن يدرك العالم السُني خطورة المد الشيعي- الذي خصص له المرصد تقريراً مفصلاً في وقت سابق- وكذلك انتشار الطوائف الأخرى كالأحمدية، التي تمثل خطرًا على الفكر الإسلامي الصحيح نظرًا لعدم قدرة المُقبلين الجدد على الإسلام على التمييز بين هذه المذاهب. لذا يوصي مرصد الأزهر باللغات الأجنبية بضرورة رصد الجمعيات والمراكز الإسلامية والمساجد في هذه الدول وتحديد اتجاهاتها الدينية والفكرية، والتواصل معها حتى يظل الأزهر محافظاً لمكانته العالمية في نشر الدين السمح ووسطية الإسلام ومجابهة الفكر المتطرف. وقد بدأ مرصد الأزهر بالفعل في ذلك، حيث استقبل في مايو الماضي وفداً من المسلمين الجدد من دولة كولومبيا، واستمع إلى مشاكلهم ومطالبهم من أجل المساهمة في وضع حلٍ لها. هذا، وسوف سيواصل مرصد الأزهر باللغات الأجنبية متابعة أحوال الأقليات الإسلامية في بلدان العالم المختلفة ولا سِيّما في أمريكا الجنوبية، كي يكون للأزهر اليد الطولى وأن يحرز قصب السبق في مثل هذه المجتمعات حديثة العهد بالإسلام والتي يمكن أن يتم استقطابها وتطويعها لتستقبل أفكاراً مغلوطة أو مفاهيم مشوشة.           
    
     إعداد: وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

قراءة (7150)/تعليقات (0)