18 يونيو, 2025

أسباب زيادة الهجمات الإرهابية في باكستان خلال المدة الأخيرة

أسباب زيادة الهجمات الإرهابية في باكستان خلال المدة الأخيرة

مُنيت باكستان بأخطر أنواع الإرهاب، وتمثلت في نوعين أشد بأسًا وتنكيلًا؛ أحدهما يدَّعى أنه يقاتل على أساس الدين وهو تنظيم "طالبان" الباكستاني، والتنظيمات الإرهابية الأخرى التابعة له، ويتخذ من إقليم "خيبر بختونخاه" معقلًا له، وتنظيم "داعش-خراسان" الذي يسعى بشتى السبل لغرس مخالبه في المنطقة، أما الفصيل الآخر فيدّعى أنه يقاتل على أساس القومية، وهو جيش تحرير "بلوشستان"، والجماعات الانفصالية المسلحة الأخرى، وينتشر في إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، ويرفع شعار انفصال بلوشستان عن باكستان.

وبمتابعة مرصد الأزهر، تبيَّن أن باكستان قد شهدت زيادة ملحوظة في الهجمات الإرهابية خلال عام 2024، وهددت أمن البلد واستقراره. ولم تقتصر هذه الهجمات على المناطق الحدودية مع أفغانستان، بل طالت الكثير من المدن الكبرى مثل كراتشي ولاهور وبيشاور، وأسفرت عن سقوط العديد من الضحايا، فضلًا عما خلفته من دمار في مختلف أنحاء البلاد.

Image

ولوحظ خلال هذا العام أن تنظيم طالبان الباكستاني المحظور غيّر أهدافه حديثًا، فكان بالمرصاد للجيش الباكستاني وقوات إنفاذ القانون وركّز هجماته عليهم، وعمد إلى استهداف المنشآت الأمنية والبنية التحتية الحيوية للجيش الباكستاني أكثر من استهداف المدنيين.

 جاء في تقرير مركز البحوث والدراسات الأمنية بباكستان أنه تم الإبلاغ عن مقتل ما يقرب من 2546 شخصًا خلال عام 2024، من بينهم مدنيون وأفراد أمن، ويعدّ هذا الرقم أعلى بنسبة 66 % مقارنة بعام 2023، كما أن إجمالي الخسائر في صفوف قوات الأمن والمدنيين أكثر بنسبة 73 % من إجمالي ضحايا المسلحين خلال هذا العام، حيث قُتل 934 مسلحًا على أيدي قوات الأمن في عمليات متفرقة.

أثبت التقرير أن شهر نوفمبر هو الأكثر دموية خلال عام 2024 مقارنة بجميع الأشهر الأخرى من العام نفسه، وكذلك على مدار ست سنوات خلت، وقد أُثيرت الكثير من الأسئلة عن الأسباب الدافعة وراء تصاعد هذا النشاط الإرهابي، ويمكن تلخيص أسباب زيادة الهجمات الإرهابية في باكستان خلال عام 2024 في عدة أسباب رئيسة أهمها:

1- تنامي التنظيمات الإرهابية

توجد دلائل على استمرار تسلّل التنظيمات الإرهابية عبر الحدود إلى باكستان، وعلى رأسهم تنظيم طالبان الباكستاني (TTP) الذي يتخذ من أفغانستان قاعدة له، حيث وجد ملاذًا آمنًا في مناطق نائية على الحدود بين باكستان وأفغانستان، وكذلك تنظيم "داعش-خراسان" الذي كان يسعى لإعادة بسط نفوذه في باكستان. هذه الجماعات الأفّاقة نفَّذت هجمات إرهابية داخل باكستان، وهي ليست إلا جزءًا من نشاطاتها المتآمرة في المنطقة خلال عام 2024.

تنظيم طالبان الباكستاني

Image

 عمد تنظيم طالبان الباكستاني إلى استخدام الأراضي الباكستانية قاعدةً للهجمات ضد القوات الحكومية والمصالح الغربية. هذا التصعيد كان مدعومًا وممولًا من الخارج، وتمثل في استقطاب المزيد من العناصر المتطرفة، مما زاد من شدة الهجمات الإرهابية. وقد رصد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، مجلةً أصدرها التنظيم تضمنت إحصاءً لهجماته خلال عام 2024، وكانت نحو 1758 هجمة، وقعت معظمها في إقليم "خيبر بختونخاه" بما يقرب من 1691 هجومًا.

اتضح من الإحصاء أن مقاطعة "ديرا إسماعيل خان" كانت أعلى مقاطعات التنظيم استهدافًا حيث وقع بها 645 هجومًا، وجاء ترتيب إقليم "بلوتشستان" الثاني من حيث عدد الهجمات بما يقرب من 38 هجمة، وفي الترتيب الثالث جاء إقليم "البنجاب" بما يقرب من 22 هجمة، وإقليم "السند" 4 هجمات، وإقليم "جليجت بلتستان" 4 هجمات ، وأسفرت تلك الهجمات عن استشهاد 1661 فردًا من قوات الشرطة والجيش، وإصابة 1284آخرين، واختطاف 49، وأوضح الإحصاء أن عدد الهجمات ارتفع بدايةً من شهر أغسطس وحتى نهاية العام، وشهد شهر سبتمبر النسبة الأعلى في عدد الهجمات، وفيما يلي رسم بياني يوضح هجمات تنظيم طالبان الباكستاني خلال عام 2024.

Image

تنظيم جيش تحرير بلوشيستان


شهد عام 2024 زيادة كبيرة في الهجمات المسلحة في جميع أنحاء بلوشستان، حيث زادت المنظمات البلوشية من عملياتها ضد الحكومة الباكستانية. واستهدف تنظيم جيش تحرير البلوش، ومنظمات بلوشستانية أخرى أفرادًا ومنشآت عسكرية، ونفذت ما يقرب من 938 هجومًا، أسفر عن مقتل أكثر من 800 شخص، وإصابة 689 آخرين، وارتفع العدد الإجمالي للهجمات بنسبة 53 % بالمقارنة مع عام 2023، في حين ارتفعت الوفيات المبلغ عنها بنسبة مذهلة بلغت 80 %، مما يشير إلى زيادة قصوى في عدد الهجمات والوفيات خلال عام 2024أقر تنظيم جيش تحرير بلوشستان المحظور أنه يقوم بعمليات في 240 منطقة، مما يدل على اتساع نطاق هجماته جغرافيًّا، وأعلن عن فقد 52 مسلحًا في عام واحد - معظمهم من لواء مجيد، المعروف بعملياته الانتحارية، كما صرح أن "لواء مجيد" التابع للتنظيم نفذ ست عمليات كبرى في عام 2024 كان أشدها ضراوة التفجير الانتحاري الذي استهدف سكك الحديد في مدينة "كويته".

Image
.

 

 

2- الانقسامات الداخلية والصراع السياسي

تمر باكستان بمرحلة من الاضطراب السياسي الداخلي، وتوجد انقسامات حادة بين الحكومة والمعارضة، وبعد تقلّد الحكومة الحالية مقاليد الحكم شهدت العاصمة الفيدرالية لباكستان احتجاجات عارمة لحزب (الإنصاف الباكستاني) الذي يتزعمه الرئيس السابق "عمران خان"، والمعتقل حاليًا بأمر من المحكمة العليا على ذمة عدة قضايا؛ منها الفساد والتحريض على العنف والإرهاب، وتسريب أسرار الدولة وغيرها.

ومنذ اعتقال الرئيس السابق وبعض أعضاء الحزب في 9 مايو 2023 نظّم أتباع الحزب عدة احتجاجات خلفت حالة من الفوضى والقتل والتخريب، وزادت حدة تلك الاحتجاجات خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، حيث دعا أعضاء الحزب وعلى رأسهم رئيس وزراء إقليم "خيبر بختونخاه" إلى تنظيم احتجاج في 24 نوفمبر في العاصمة الفيدرالية إسلام آباد، واستغلّت التنظيمات الإرهابية هذه الأوضاع لتنفيذ هجماتها وتعزيز نفوذها خاصة في المناطق التي تعاني ضعفًا في السيطرة الحكومية، مما زاد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد.

رُصدت خلال شهري أكتوبر ونوفمبر محاولات من قبل تنظيم طالبان الباكستاني للانتشار والتوغل في بقية أقاليم باكستان؛ وخاصة إقليم البنجاب بعيدًا عن معقله في إقليم "خيبر بختونخاه"، مستغلًّا حالة الفوضى والتخبط السياسي الذي تشهده باكستان. الأمر الذي جعل الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب (NACTA) تصدر تحذيرًا من أعمال إرهابية محتملة تقودها عناصر "فتنة الخوارج"- تنظيم طالبان باكستان؛ وخاصة في المدن الكبرى بإقليم البنجاب.


3- التوترات الطائفية والإثنية

عانت باكستان في السنوات الأخيرة من توترات طائفية بين مختلف الطوائف الدينية والإثنية، وكانت أكثرها حدةً التوتر الطائفي بين السنة والشيعة، الذي تجدَّد خلال عام 2024 في منطقة "كُرم" الحدودية القبلية بإقليم "خيبر بختونخاه" المتاخم لأفغانستان، حيث تحول الصراع الذي بدأ بنزاع على الأرض في إحدى المناطق بإقليم "خيبر بختونخاه" إلى توتر طائفي، آخر عهد به كان في نوفمبر 2024، قُتل خلاله أكثر من 130 شخصًا وأصيب أكثر من 170 شخصًا آخرين، وغالبًا ما تستغلّ التنظيمات الإرهابية هذه التوترات والانقسامات لتحقيق هدفين: أحدهما تنفيذ هجمات تستهدف من خلالها الأقليات الدينية أو الجماعات التي تشعر بالتهميش، والآخر شغل الحكومة وقوات الأمن بهذه التوترات الطائفية لتبسط تلك التنظيمات الإرهابية نفوذها وتتوغل بشكل أكبر في باكستان.

4- ضعف التعاون المحلي والإقليمي في محاربة الإرهاب

                على الرغم من أن باكستان قد تعاونت مع عدد من القوى الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، فإن التعاون بين باكستان وأفغانستان لم يكن دائمًا على مستوى التحديات الأمنية المشتركة. بعض التقارير تشير إلى أن الحدود بين البلدين تُستخدم في تهريب الأسلحة والذخائر، إضافة إلى تهريب المقاتلين. هذا الواقع يزيد من صعوبة مكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية.

كما يرجع المحللون الزيادة الملحوظة في عدد الهجمات خلال هذا العام إلى عدم وجود اتصال بين الحكومة الفيدرالية وحكومة خيبر بختونخاه؛ نظرًا لتبعية رئيس وزراء الإقليم إلى حزب الانصاف الباكستاني، لذا؛ لم تضع الحكومة الفيدرالية وحكومة خيبر بختونخاه أية إستراتيجية منسقة بينهما للتعامل مع التطرف، وفي مثل هذه الوضع، يعطى الإرهابيون فرصة لترتيب صفوفهم وزيادة عدد هجماتهم.

5- الوضع الاقتصادي واستخدام التقنيات الحديثة في نشر الفكر المتطرف

تعاني باكستان أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى زيادة التوترات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ومما لا يدع مجالًا للشك أن هذه العوامل تسهم في جذب بعض الأفراد إلى صفوف الجماعات الإرهابية التي تقدم لهم حلولًا بديلة، سواء عبر الأيديولوجيا أو المال أو التوظيف. حيث وجدت التنظيمات الإرهابية المتطرفة في الوضع الاقتصادي المتدهور بُغيتها، وكان فرصة سانحة لتجنيد المزيد من العناصر المحلية التي تشعر بالإحباط وتعاني الفقر والبطالة، إذ تستخدم التنظيمات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للترويج لفكرها المتطرف، وتجنيد الشباب من خلالها، وفي بعض الأحيان لترتيب تنفيذ الهجمات. وفي عام 2024، كان لهذه التقنيات دور كبير في زيادة انتشار الفكر المتطرف وتجنيد عناصر جديدة لتنفيذ هجمات إرهابية وحشية داخل باكستان.

جهود الحكومة الباكستانية في مكافحة الإرهاب

على الرغم من زيادة عدد الهجمات الإرهابية خلال عام 2024، فقد بذلت الحكومة الباكستانية جهودًا حثيثة في مواجهة الإرهاب خلال العام نفسه عسكريًّا واجتماعيًّا وإعلاميًّا، وبدأت الحكومة الباكستانية تُسرع الخطى وتتخذ خطوات أكبر لتأمين المنطقة، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المدن الكبرى والمناطق الحدودية، فضلًا عن التعاون مع القوات الدولية لمكافحة الإرهاب، وقد أشار تقرير مركز البحوث والدراسات الأمنية إلى أن القوات الأمنية وأجهزة إنفاذ القانون نفذت هذا العام 59,755 عملية ضد المسلحين، واتخذت قوات الأمن إجراءات احترازية أحبطت مخططات الإرهابيين.

إضافة لما قامت به من تعاون دولي وعمليات عسكرية للقضاء على الإرهاب، أعلنت الحكومة الباكستانية عن إطلاق حملات لزيادة الوعي بين المواطنين بأخطار التطرف. وبمعاونة إدارة العلاقات العامة بالجيش الباكستاني، أطلقت حملة توعوية وخاضت حربًا إعلامية، حينما أطلقت لفظ "الخوارج" على تنظيم طالبان الباكستاني المحظور، وأبلغت جميع وسائل إعلامها ومصادرها التي تتناقل أخبار التنظيم أن حركة طالبان الباكستانية والجماعات الأخرى التي تقاتل ضد باكستان يجب أن يُطلق عليها "فتنة الخوارج" وهو الاسم الذي وُصم به التنظيم وأصبح معروفًا به في جميع وسائل الإعلام الباكستانية منذ بداية شهر أغسطس 2024.

وقد عضد ذلك ما أفتى به المفتي الباكستاني الديوبندي المعروف "عبد الرحيم" في 3 سبتمبر 2024، حيث قال: "إن رفع السلاح والقتال ضد الجيش باسم الجهاد ليس له علاقة بالإسلام، ومن يقوم به فهو من الباغين والخوارج"، وأكد المفتي أن حماية الجيش واجب شرعي.

هذا ويُشير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى أن الهجمات الإرهابية في باكستان خلال عام 2024 لم تكن محض مصادفة أو عبث ناشئ بل هي تراكمات لعدة عوامل معقّدة، بدءًا من الفراغ الأمني الناجم عن الوضع في أفغانستان ووصولًا إلى التوترات السياسية والاقتصادية داخل البلاد. ولمواجهة هذه الهجمات والحدّ منها، لا بد من تعزيز التعاون الإقليمي، وتنفيذ إستراتيجيات أمنية فاعلة، والتعامل مع الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد نحو التطرف.

وحدة الرصد باللغة الأردية

الروابط:
https://www.dawnnews.tv/news/1248516/

https://web.telegram.org/k/#@newzpk

https://t.me/PakistanDiar

https://www.azhar.eg/details-observer/ArtMID/1147/ArticleID/89598/%d8%a7

https://www.express.pk/story/2737636/guzishta-10-mah-k-doran-dehshat-gardi-k-waqiat-min-924-afrad-shaheed-ho-gaye-2737636

https://www.urduvoa.com/a/why-terrorism-incidents-are-increasing-in-balochistan-and-kp-province-11nov2024/7859540.html

https://thebalochistanpost.com/2025/01/2024-%d9%85%db%8c%da%ba-

https://www.urduvoa.com/a/deadliest-year-for-pakistani-security-forces-in-nearly-a-decade-31dec2024/7919902.html

https://www.independenturdu.com/node/177677

قراءة (47)/تعليقات (0)