10 أكتوبر, 2017

صلاح الاستثنائي الأخير

صلاح الاستثنائي الأخير

من أين أتتك النبوءة بغتة؟

فأقامتك من لحظة دفنا فيها جميعنا الرؤوس فى الملعب الأخضر، بعد هدف كالرصاصة اخترق قلوبنا قبل الشباك، لتنهض وحدك واقفاً كمُخلص تاريخى تقاوم اليأس، وتبشر بأمل الأرجح أنه لم يكن يراه غيرك.

لماذا تعافيت أسرع؟

مثلك مثلنا رأيت الأحلام تتسرب كعادتها، تقترب بنا إلى لحظة جنى ننتظرها، وقبل أن نمد اليد لقطف ثمرة نجد الحدائق غادرتنا، وأخذت معها الثمار والفرح، وتركتنا لحزن اعتدناه، ويأس ألفناه، ومرارة لم نعد نمتعض من طعمها المر.

هل رأيت ما لم نر؟

7 دقائق عشناها كما اعتدنا وجربنا، كنا طبيعيين جداً بيأسنا وإحساسنا المجرب بانتهاء كل شىء وتأجيله إلى حيث يقرر الآخرون مصيرنا، وكنت فيها الاستثنائى الوحيد، كأن هناك من همس لك لتنهض، وبشرك لتصرخ فى جنودك كقائد محاصر فى خضم معركة، لتقول لهم بثقة العارفين إن النصر على مرمى البصر.

هل كان الأمر مجرد لعبة؟

تتركنا معلقين بحركتك وانطلاقك وإفلاتك من المراقبين، ولا نجد أمامنا سوى ساقك لتصنع الفرح والأمل فى وقت صار الفرح فيه عزيزاً، كما ظل العبور إلى المونديال عزيزاً لعقود تساوى عمرك أو يزيد. أم أن المسألة كانت أكثر من لعبة؟ والأرجح أنها كانت رواية أسطورية أو قصيدة تحكى قصة الحياة، ليس فقط فى ملعب أخضر، وإنما فى وطن يختبر فى بعض أيامه قدرته على العبور، ربما ليكون أمام أبنائه ما يتشبثون به وهم يطردون اليأس ويحاولون إقناع أنفسهم بأنهم قادرون ويمكنهم بقدر من التحدى والتشبث بالمهنية امتلاك كل مقومات الاستطاعة.

أى الوجوه تفحصت وأنت تسدد؟

الملايين التى حضرت فى الملعب وأمام الشاشات فيما يداعبها الأمل يأتى ويذهب، ولا يبقى غيرك حاسماً لذلك التأرجح القاسى. أهل قريتك الذين منحتهم الفخر كله ويتذكرون فى تلك اللحظة الطفل الذى كان يلعب فى شوارعهم، ويعرفون تفاصيل المسافة الزمنية بين لحظة البدء فى جرن القرية ولحظة التوهج فى ملاعب العالم وما بينهما من كفاح ومثابرة وإصرار. تلك الوجوه التى كانت على الجبهة فى مثل هذا اليوم، تمنح بدمائها وتضحياتها لهذه الأجيال فرصتها الكاملة فى الإبداع والبناء بعد سداد فاتورة الدم كاملة ومستحقة.

تُرى وأنت تسدد هل تذكرت الجندى الذى رفع العلم على الشاطئ الآخر، ووجدت قدراً من التشابه بينك وبينه؟ هل جال بخاطرك أنك ميراثه، ورثت منه الروح المعجزة، والكفاءة النادرة التى تُبنى عليها كل الخطط، والثقة فى النصر التى لا تسمح لأى ضربة خاطفة مهما كانت فداحتها بأن تصنع اليأس أو تهدم الجسر المؤدى إلى الرجاء؟

كان هذا الجندى استثنائياً، وجئت مثله آخر الاستثنائيين الكبار، يحفظ الجميع اسمك حتى لو لم تكن كرة القدم غوايتهم «محمد صلاح»، كرمز لكفاح ومهنية وكفاءة وإخلاص، تكفى لرفع العلم فى أى محفل وأى مواجهة وأى تحدٍ أو اختبار، وترى فيه مصر المستحقة للفرح فى لحظة هز شباك الأمل، كما رآها صلاح عبدالصبور يوماً فى ذلك الجندى المعجزة:

«رأيتك جذع جميز على ترعة

رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة

رأيتك حائطاً من جانب القلعة

رأيتك دفقة من ماء نهر النيل

وقد وقفت على قدمين

لترفع فى المدى علماً

يُحلق فى مدار الشمس

حر الوجه مبتسماً».

هذا الـ«صلاح» من هذا الجيل، ابن تلك الروح الاستثنائية، وذلك الإعجاز المهنى، وهذا الإيمان المطلق بأن الله لا يخذل المجتهدين.

أحمد الصاوي

قراءة (3590)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
"الموبايل".. هل أغلق "الخط" فى وجه الحياة الزوجية السعيدة؟
المرأة والطفل

"الموبايل".. هل أغلق "الخط" فى وجه الحياة الزوجية السعيدة؟

كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عبر شاشات الفضائيات والملتقيات الفكرية والتثقيفية عن ضرر الهاتف المحمول، وثأثيره على الأسرة المصرية بشكل عام وعلى الزوجين بشكل خاص، مما دفع الى اطلاق حملات توعوية لتجنب أضرار الهاتف وما يحمله من برامج تواصل اجتماعى تشغل الأفراد عن بعضهم البعض، فتجلس الأسرة واحدة فى بيت واحد، ولكن كل شخص له عالمه الخاص به ومشغول مع أفراد آخرين.

سعد المطعني يكتب: وقفات
مقالات أخرى

سعد المطعني يكتب: وقفات

بداية أبدأ هذه السطور بالإشاده بجريدتنا الغراء صوت الأزهر التى تطالع قراءها، وهى ترتدى ثوبا جديدًا فى إطار القفزات التى تحققها هذه الجريدة المعبرة عن مؤسسة الأزهر الشريف بكل عراقتها وقد بدأت هذه الجريدة منذ أكثر من سبعة عشر عاما، ومن حين لآخر تحقق طفرة فى شكلها ومضمونها بما يلبى مقتضيات كل فترة زمنية فنرجو أن تنال إعجاب متصفحيها وهى تطل عليهم بشكل ومضمون جديد.

من مبتدعات قراء القرآن الكريم  (الجمع بين القراءات في المحافل)
دراسات قرآنية

أ.د / رضا عبد المجيد المتولي أستاذ التفسير -كلية أصول الدين بالمنصورة

من مبتدعات قراء القرآن الكريم (الجمع بين القراءات في المحافل)

نرى بعض القراء في المحافل يقرأ آية أو جملة منها بقراءة ثم يكرر ذلك بقراءة ثانية وثالثة، وهكذا حتى يستوعب جميع الروايات أو معظمها في الآية، ثم ينتقل إلى الآية الثانية فيسير فيها سيره في الأولى إن شاء وهكذا حتى يفرغ من قراءته. وهذا النهج من القراءة بدعة سيئة ما أنزل الله بها من سلطان.

الأول145714591461الأخير