24 أكتوبر, 2019

الروهينجا: أزمة طال زمنها وحلول غير مضمونة!

الروهينجا: أزمة طال زمنها وحلول غير مضمونة!

      بعد أن باءت عدة محاولات إعادة الروهينجا إلى مواطنهم الأصلية في ميانمار بالفشل؛ أعلنت حكومة بنجلاديش مؤخرًا أنها قد سئمت من فشل تلك المحاولات، وأنها لن تتحرك نحو محاولة أخرى في نفس الصدد، ما لم تلمس الجدية مِن جانب ميانمار لإتمام هذه العملية، حتى لو كان ذلك على نطاق ضيق، بحسب ما جاء على لسان مسئولين بوزارة خارجية بنجلاديش؛ حيث أكدوا أن بلادهم تعمل -بالتعاون مع دول أخرى مثل الصين– على إقناع ميانمار بتوفير الظروف الملائمة لإعادة الروهينجا.
ويُرجع العديدُ من المراقبين السبب في تعثُّر تلك المحاولات إلى فشل ميانمار في توفير الظروف الملائمة لعودة الروهينجا، ورفضها منحهم الحقوق التي طالما طالبوا بها؛ والتي كان من بينها إطلاق اسم الروهينجا عليهم، ومنحهم الجنسية، وتوفير الأمن والأمان لهم، ومحاسبة المسئولين عن الجرائم التي وقعت ضدهم؛ تلك المطالب التي ترفض ميانمار معظمها؛ مما يزيد الأمر سوءًا وتعقيدًا. 
من جانبها؛ أكدت رئيسة وزراء بنجلاديش "الشيخة حسينة"، أن أزمة الروهينجا هي مشكلة صنعتها حكومة ميانمار، ومن ثَمّ فإنها مُلزَمةٌ بحل تلك الأزمة، واستعادة مواطنيها، وتوفير الأمان الكامل لهم.
وعلى الجانب الآخر، ترى ميانمار أن بنجلاديش تحاول فرض الأمر عليها، وأنها تتخذ في سبيل ذلك عدة إجراءات ترفضها ميانمار، مثل طلبها اللجوء إلى تحكيم طرف ثالث في تسوية الخلاف والمشكلات، أو مثل اقتراحها إقامة منطقة آمنة داخل ميانمار للاجئين، وهو ما رفضته ميانمار تمامًا على لسان وزير مكتب مستشارة الدولة في ميانمار "كياو تينت سوي"، وذلك في كلمته التي ألقاها بالجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث قال: "إنه يجب حل المشكلات التي تقع بين الجيران بشكل ثنائي، وبطريقة ودية وسلمية، ولطالما كانت الضغوط تمارس على ميانمار لإقامة منطقة آمنة داخل ميانمار، وهذا المطلب غير مسموح به، كما أنه غير قابل للتنفيذ". 
وبين الشعورِ بأنهم غير مُرحب بهم من جانب بنجلاديش، والخوف من العودة إلى ميانمار خشية التعرُّض للوحشية والقمع مرةً أخرى، يَقبل الروهينجا بالوضع السيء خشية الذهاب للأسوأ، ويرفضون العودة مطلقًا، حتى ولو دُفِنوا أحياءً في المخيمات. لكن هذا التشبُث يؤدي إلى تفاقم الأوضاع في بنجلاديش الفقيرة التي تئنُّ، حتى مِن قبل وصول الروهينجا؛ حيث صدر عن البنك الدولي منذ عدة أيام تقرير كشف عن أن تدفق الروهينجا إلى مدينة "كوكس بازار" ببنجلاديش قد تسبب في زيادة معدلات الفقر وسط السكان المحليين بنسبة 52% تقريبًا؛ نظرًا لانخفاض معدلات الأجور اليومية. 
وذكر البنك كذلك أن متوسط الأجور اليومية لسكان بنجلاديش الأصليين في المنطقة قد هبط بنسبة 24% في الفترة من أغسطس عام 2017، وحتى مايو 2018، ووفقًا للتقرير، فقد بلغ معدل الأجر اليومي للعامل في بنجلاديش 402 تاكا قبل هذه الأزمة، لكنه هبط ليصبح 303 تاكا في مايو 2018؛ ومن المقرر أنْ يؤثر هذا الهبوط بالسلب على السكان المحليين، ويزيد من فقرهم.
ولعل فشل المحاولات المتكررة في إعادة الروهينجا إلى ميانمار قد دفع بنجلاديش إلى التفكير في حل يخفف عنها عبء إيواء ما يزيد عن مليون شخص من الروهينجا، حيث تخرج بنجلاديش من حين لآخر لتدعو العالم إلى التبرع للمساعدة في الإنفاق على الروهينجا الذين يعيشون في المخيمات، ومثال ذلك ما فعلته رئيسة وزراء بنجلاديش "الشيخة حسينة"، خلال كلمتها في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث تمكنت من جمع تبرعات إضافية من بعض الدول كان من بينها الولايات المتحدة، والسعودية، والمملكة المتحدة، والسويد، وغيرهم. 
وفي هذا السبيل تتحرك بنجلاديش في هذه الأيام، بحسب ما أعلنته "الشيخة حسينة"، سعيًا إلى إيجاد بعض الحلول للأزمة؛ منها نقل بعض لاجئي الروهينجا من مخيمات مدينة "كوكس بازار" إلى جزيرة يطلق عليها السكان المحليون اسم "بهاشان تشار" أي (الجزيرة العائمة). 
وعلى الرغم من أن هذا الحل يبدو جيدًا بالنظر إلى الضغوطات التي تمثلها أعداد اللاجئين في المخيمات، فإن أرض هذه الجزيرة - كما يرى المتابعون - غير مستقرة؛ لا سيّما وأنها كانت قبل عشرين عامًا غير موجودة تمامًا، ولكنها تكونت بعد ذلك بفعل رواسب الطمي، إضافة إلى أن هذه الجزيرة معرضة بشكل كبير للأمطار الموسمية، والعواصف الرعدية، وهذا من شأنه أن يعرقل أية حالة من الاستقرار لأي مجتمع على المدى الطويل. 
ورغم التأكيدات المتلاحقة من جانب الحكومة التي بدأت في أعمال البناء على الجزيرة بالفعل منذ أكثر من عام، وهي الآن على وشك الانتهاء، ورغم التأكيد من قبل المهندسين الذين ينفذون المشروع على أن هذه الجزيرة ستكون "فردوسًا" للروهينجا، فإنهم يرفضون بشدة الانتقال إليها؛ خوفًا من الكوارث الطبيعية التي قد تلحق بالجزيرة في أي وقت، وكذلك خوفًا من أن يتم عزلهم هناك من أجل التخلص منهم.
وبين مطرقة الفقر والكوارث الطبيعية في بنجلاديش، وسندان التعنت والكراهية من جانب ميانمار، يقف المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ أي قرار من شأنه وضع حل نهائي لهذه الأزمة التي طال أمد ليلها، في انتظار فجرٍ ينبثق ضوؤه مبددًا هذا الظلام، ويفتح آفاقًا جديدةً من الأمل!

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية
 

قراءة (3156)/تعليقات (0)

الإمام الأكبر للشعوب الأوروبية والمسلمين : المواطنة الكاملة لا تتناقض مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية
أمة واحدة

الإمام الأكبر للشعوب الأوروبية والمسلمين : المواطنة الكاملة لا تتناقض مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية

قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدا مع الإندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية وإنه قد آن الأوان لننتقل من فقه الأقليات إلى فقه الإندماج والتعايش الإيجابي مع الآخرين  ، وإن العولمة مثلت مرحلة جديدة على طريق الصراع العالمي ولابد من استبدالها بـ"العالمية" ، مؤكدا أن عالمية الإسلام تنظر إلى العالم كله على أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسئولية الأمن والسلام على الجميع .

جاء ذلك في كلمته خلال إطلاقه الملتقي الثاني للحوار بين حكماء الشرق والغرب بالعاصمة الفرنسية باريس.

وفيما يلي نص الكلمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

..   ..     ..

 

الحمد لله والصــلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

 

السـادة الأجـلاء من أهل العلم والفكر والسياسـة ومن رجال الدين

 

الســــلام عليكـــم ورحمـة الله وبـــركاته؛

فيسرني باسمي وباسم مجلس الحكماء أن أرحب بكم هنا على أرض فرنسا وفي عاصمتها العريقة، عاصمة الأدب العالمي والفكر الحر، ومهد الثورة الكبرى التي انطلقت من أرضها الثائرة على الظلم والقهر، منذ أكثر من قرنين، وبإرادة شعبها الذي حرر أوروبا من أغلالٍ وقيودٍ كبَّلتها قرونًا طوالا،  واستعبدتها مرة باسم السلطان، وأخرى باسم الدَّين، وثالثةً باسم الإقطاع، حتى باتت الثورةُ الفرنسية مَعْلمًا من أهم معالم التاريخ ومرجعًا لفلسفة الحرية والحضارة، وتنوير العقل الأوربي وانتشاله من طَورِ الرُّكود والجمود إلى التحليق عاليًا في آفاق الإبداع والعلم والثقافة والفنون.. وحتى باتت أوروبا المعاصرة بكل ما تَزخَرُ به من تقدم مذهلٍٍ في العلم والمعرفة والرقي الإنساني، والديمقراطية وحقــوق الإنســـان، مدينة للثــورة الفرنسية، ولفرنسا والفرنسيين.. فتحيةً لهذا البلد، وتحيـــةً لأهله، ولكلِّ محبي الســلام والعدل والمســاواة بين الناس.    


 أيها الســــادة!

هذا هو اللقاء الثاني بين حكماء الشرق وحكماء الغرب ..، بعد اللقاء الأول الذي عُقد في مدينة فلورنسا، مدينة الحوار والفن والثقافة: في الثامن من يونيو من العام الماضي (8 يونيو 2015م)، والذي أظلَّه  –حينذاك- أملٌ قويٌ في ضرورة أن يبحث حكماء الغرب وحكماء الشرق عن مخرج من الأزمة العالمية التي وصفْتُها في كلمتي في فلورنسا بأنها «إن تُركت تتدحرج مثلَ كرة الثلج فإن البشرية كلَّها سوف تدفع ثمنها: خرابًا ودمارًا وتخَلُّفًا وسَفْكًا للدِّماء؛ وربما بأكثر مما دفعته في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي»، ولم تمضِ شهورٌ ستَّةٌ على هذا التخوَّف الذي شابته مسحة من التشاؤم، ربما غير المشروع، حتى شهدتْ باريس الجميلة المتألقة، ليلةً سوداء، فَقَدَت فيها من أبنائها قَرابةَ مائة وأربعين ضحية، سُفِكَت دماؤُهم في غَمْضةِ عين، إضافة إلى ثلاثةِ مائة وثمان وستين آخَرين، في حادثة إرهاب أسود لا يختلف اثنان في الشرق ولا في الغرب في رفضه وازدراء مُرَّتكِبِيِه، وتنَكُّبهم للفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية وكل تعاليم الأديان والأعراف والقوانين..

ولعلكــم تتفقــون معي في أن هذا الحادث الأليم، ومثلُه حوادثُ أخرى دموية وقعت في بلجيكا، بل حوادث أشدُّ دمويةً وأكثر وحشيةً، تحدُث كل يوم في الشرق الذي غَرِقَ إلى أذنيه في مستنقعات الدَّمِ والثُّكْل واليُتْم والتهجير، والهروب إلى غير وِجْهةٍ في الفيافي والقفار، بلا مأوى ولا غِذاءٍ ولاَ غطاء.. هذه الحوادثُ تَفرِضُ فرضًا على أصحاب القرار النافذ والمؤثرِ في مجريات الأحداث، أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملةً أمامَ الضَّمِيِر العالمي والإنساني، وأمامَ التاريخِ، (بل أمام الل

الأول163316351637الأخير