منتدى "اسمع واتكلم".. عندما يصبح التطوع خط الدفاع الأول ضد الفكر المتطرف

     إن تجفيف شرايين الحياة للتنظيمات المتطرفة والإرهابية لا يقتصر على المواجهة الأمنية أو قطع مصادر تمويلها، بل يتطلب أيضًا فضح الأكاذيب التي تروّجها لتسويغ جرائمها، وكشف فساد فكرها وانحرافه، وتوعية العقول بمخاطره، مع تعزيز النزعة الإنسانية لدى الشباب، من خلال التأكيد على قيمة الإنسان وأهميته كونه أفضل مخلوقات الله، لا يجوز تخويفه أو إرهابه أو الاعتداء عليه، بما يسهم في بناء وعي راسخ يواجه هذا الفكر المنحرف ويقطع الطريق أمام انتشاره.

ولا شك أن العمل التطوعي يسهم في تعريف الشباب بقيمة الإنسان، إذ لا يمكن أن يتطوع شخص بعمل شيء إيجابي ومفيد دون مقابل مادي لخدمة شخص آخر أو مجموعة، ثم يقوم بالاعتداء على هذا الشخص أو تلك المجموعة. ومن ثم أحسن مرصد الأزهر صنعًا أن جعل "العمل التطوعي وأهميته" أحد محاور منتدى "اسمع واتكلم" السنوي، ودعا خبراء في العمل التطوعي للحديث مع الشباب عن هذا الأمر، وعصف أذهانهم حول أهميته.

ويمكننا أن نلخص أهمية العمل التطوعي في حياة الشباب والمجتمعات الإنسانية على النحو الآتي:

أولًا: تلبية احتياجات الشباب النفسية والاجتماعية عن طريق توفير فضاءات صحية رحبة تستوعب طاقاتهم الكبيرة وحماسهم المتدفق لعمل أشياء إيجابية وبناءة تزيد خبراتهم من جهة وتفيد المجتمع في الوقت ذاته من جهة أخرى.

ثانيًا: تنمية الحس الإنساني لدى الشباب من الجنسين، وتعريفهم بصورة عملية أنهم جزء من الأسرة الإنسانية الكبرى وليسوا مجرد أعضاء في الجامعة التي يدرسون بها أو الفئة العمرية الشبابية التي ينتمون إليها، وذلك إنما يكون عن طريق التطوع لخدمة ضحايا الكوارث الإنسانية داخل بلادهم وخارجها.

ثالثًا: تعزيز قيم المواطنة والانتماء والأخوة الوطنية والتنوع والتكامل وتقبل الآخر في المجتمع بصفة عامة ولدى شبابه بصفة خاصة، وذلك عن طريق اندماج الشباب من الجنسين ممن ينتمون إلى عقائد مختلفة ومدارس وجامعات ومدن وقرى مختلفة في عملٍ تطوعي مشترك لخدمة أبناء وطنهم دون نظرٍ إلى عرق أو معتقد أو لون... فهذا كفيل بتعريفهم أنهم يستظلون بالمظلة الوطنية التي تجمعهم جميعًا تحت ظلالها رغم تنوعهم واختلافهم.

رابعًا: تقوية القيم الأخلاقية في المجتمع، حيث يستطيع العمل التطوعي بسهولة أن يُخرج الشباب من إطار المادية الذي طغى على الحياة في عصرنا الراهن، ويصل بهم إلى عقيدة مفادها أن عليه واجبًا يتطلب منه تخصيص جزء من وقته وفكره من أجل القيام ببعض من الأعمال دون الحصول على مقابل مادي، وهنا تتربى فيه صفات العطاء والتسامح والمحبة...

خامسًا: مكافحة الفقر، حيث يسهم العمل التطوعي في تخفيف معاناة بعض الفقراء ممن يصل لهم المتطوعون، وهذا أمر في غاية الأهمية يحتاج إليه عالمنا اليوم الذي يوجد به أكثر من 2 مليار فرد يعانون من الفقر، و753 مليون يعيشون في فقرٍ مدقع أو تحت مستوى خط الفقر، وذلك وفقًا لتقاريرٍ أعدتها منظمة "مبادرات التنمية" الإنمائية الدولية، ونشرتها بمناسبة "اليوم العالمي للعمل الإنساني".

سادسًا: القضاء على الجهل في المجتمع، حيث يمكن لمنظمات المجتمع المدني تدشين برامج تعليمية لمحو الأمية وتوعية المجتمع بقيمة التعليم، وذلك بالتعاونِ مع المدارس والجامعات، وتشجيع طلاب الجامعات خصوصًا طلاب كليات التربية على عمل بحوث ميدانية ومشاريع تخرج في مجال محو الأمية وتعليم الكبار. وقديمًا كان محو الأمية من الأنشطة والمجهودات التطوعية التي يقوم بها الطلاب والمدرسون والموظفون لتوظيف طاقاتهم وشغل أوقات فراغهم.

سابعًا: الوقاية من استقطاب التنظيمات المتطرفة، حيث يؤدي جميع ما سبق ذكره من فوائد العمل التطوعي إلى تجفيف منابع الفكر المتطرف وقطع طريق الاستقطاب أمام جماعاته وتنظيماته، ووقف فيروس العنف الذي يريد أن يستشري في عروق شباب أمتنا.
إن محاربة الفقر والجهل في أي مجتمع، وتقوية النزعة الإنسانية لدى شبابه، وتزويدهم بمهارة التفكير الناقد، وتعزيز النزعة الإنسانية وتقوية القيم الأخلاقية لديهم كفيل بتجفيف منابع الفكر المتطرف.

فلنحرص جميعًا على نشر ثقافة العمل التطوعي، ولندعم شبابنا ونفتح أمامهم الآفاق الرحبة للمشاركة الفاعلة في خدمة مجتمعاتهم، حمايةً لهم من الانزلاق في مستنقعات الفكر المنحرف، وبناءً لمجتمعات أكثر وعيًا وتماسكًا.

حفظ الله شبابنا ومجتمعنا من كل سوء

وحدة رصد اللغة التركية