الإرهاب يطرق أبواب "بنين".. ومطلوب تحرك إقليمي عاجل
أسفر هجوم إرهابي دموي استهدف موقعًا عسكريًّا شمالي بنين عن مقتل 54 جنديًّا من قوات الجيش، في تصعيد خطير وقع يوم 17 أبريل 2025م، وأعاد تسليط الضوء على التدهور المتسارع في الوضع الأمني داخل دولة كانت تُعَد حتى وقت قريب من أكثر بلدان غرب إفريقيا استقرارًا. وعلى الرغم من نفي الحكومة الشائعات التي تحدثت عن سقوط أكثر من 100 قتيل، بحسب تصريح المتحدث الرسمي ويلفريد لياندري هونغبيدجي (Wilfried Leandre Houngbedji)، فإن هذا الهجوم لم يكن مجرد حادث عرضي، بل يعكس تحوّلات أمنية إقليمية معقّدة وتحديات داخلية متراكمة جعلت البلاد ساحة مفتوحة أمام اختراق التنظيمات الإرهابية. ويُعزى هذا التدهور إلى أسباب متداخلة، من أبرزها:
· المخاوف المؤكدة من تمدد العنف من منطقة الساحل:
حيث كانت بنين لمدة طويلة بعيدة عن دائرة العنف الإرهابي، لكن التمدد الجغرافي للتنظيمات الإرهابية من منطقة الساحل (خصوصًا من بوركينا فاسو والنيجر ومالي) نحو دول خليج غينيا مثل: بنين، وتوغو، وساحل العاج، جعلها ضمن نطاق الاستهداف، وأبرز هذه التنظيمات تنظيم داعش الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
· ضعف التنسيق الأمني الإقليمي:
فعلى الرغم من إدراك دول غرب إفريقيا للتهديد، فإن هناك نقصًا في التنسيق الأمني والاستخباراتي بين بنين والدول المجاورة، كما أشار المتحدث باسم حكومة بنين، مما يُسهل تسلل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود.
· الحدود المفتوحة والوعرة:
فالحدود بين بنين وبوركينا فاسو والنيجر واسعة ومليئة بالثغرات، ما يجعلها مسارًا سهلًا لحركة المسلحين لتنفيذ عملياتهم ثم الانسحاب بسرعة.
· النقص في القدرات العسكرية:
حيث يعاني جيش بنين من محدودية في العتاد، ونقص الخبرة في التعامل مع تكتيكات التنظيمات المسلحة المدربة جيدًا، لا سيما تلك التي تقاتل في مناطق حرب مفتوحة منذ سنوات.
· إستراتيجية خلق "ممر نفوذ":
حيت تتبع التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة إستراتيجية خبيثة تقوم على توسيع مجال انتشارها من الساحل إلى المحيط الأطلسي، بغرض السيطرة على طرق تهريب الأسلحة، والحصول على موارد مالية جديدة، من خلال الابتزاز والضرائب غير الشرعية على المجتمعات المحلية. كما أن هذا التنظيمات تستهدف الدول الأكثر هشاشة من الناحية الأمنية؛ حيث تُعد بنين من الدول التي لم تعتد على خوض مواجهات عسكرية طويلة الأمد مع تنظيمات إرهابية، مما يجعلها "هدفًا سهلًا نسبيًّا" لهذه التنظيمات التي تسعى لتحقيق نصر معنوي عبر تنفيذ هجمات دموية سريعة وصادمة.
وفي الختام، يمكن القول: إن الهجوم الذي أودى بحياة 54 جنديًّا في شمال بنين ليس حدثًا معزولًا، بل مؤشرًا على تحول جذري في التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد. ورغم أن الحكومة تنفي الأرقام المضخمة، فإن حجم الخسارة يكشف عن الحاجة لإعادة تقييم الإستراتيجيات المتبعة.
الجدير بالذكر أن بنين مثل غيرها من دول الخليج الغيني، أصبحت اليوم جزءًا من معركة إقليمية تتطلب جهودًا أكثر من مجرد تحصينات حدودية. فالإرهاب الذي أصبح عابرًا للحدود لن يُهزم إلا بتجاوز الحلول التقليدية نحو رؤية تكاملية تُعيد بناء الدولة من الأطراف إلى المركز، ويمكن تلخيص هذه الرؤية في عدد من الأمور، أبرزها:
· تعزيز التعاون الإقليمي والدولي:
وذلك من خلال تأسيس مركز تنسيق إقليمي يجمع بنين ودول الساحل لتبادل المعلومات الأمنية، وتنفيذ عمليات مشتركة، وتشكيل دوريات مشتركة، وانتشار سريع في المناطق الحدودية الضعيفة بدعم جوي من الشركاء الدوليين، إضافة إلى بناء قدرات الجيش والأجهزة الأمنية، من خلال توفير دورات تدريبية متقدمة في مكافحة الإرهاب وحرب العصابات بالتعاون مع خبراء دوليين.
· تنفيذ برامج تنموية:
وذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة؛ لتعزيز ثقة السكان بالدولة وتقليص فرص التجنيد، إضافة إلى إنشاء مشاريع تهدف إلى تحسين سبل عيش الشباب، ومحاصرة إغراءات الانضمام للتنظيمات الإرهابية.
· تعزيز الوعي وتحصين الفكر:
وذلك من خلال إطلاق حملات توعوية إعلامية وفكرية مضادة لمكافحة الدعاية الإلكترونية، والرد على الأفكار المتطرفة، عبر منصات التواصل الاجتماعي بالتعاون مع الجهات المعنية، تهدف إلى إبراز القيم الإسلامية الوسطية، وتفنيد تأويلات المتطرفين وشبهاتهم.
وحدة الرصد باللغات الإفريقية
346