06 أبريل, 2016

الإمام الأكبر في احتفالية منحه الدكتوراه الفخرية من جامعة بني سويف: الاحتفال تقدير لمنهج الأزهر الوسطي

العلم رابطةٌ عقليَّةٌ وروحيَّةٌ يسلكُ بها العلماء سبيلًا واحدةً لكشف آيات الله

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن تكريم فضيلته بمنحه الدكتوراه الفخرية في العلوم الاجتماعية من جامعة بني سويف تقدير علمي لمنهج الأزهر الوسطي ونزعته التجديدية.

جاء ذلك خلال حفل تكريم فضيلته بمشيخة الأزهر الشريف بهذه المناسبة، حيث أكد أنه لا يجب أن يَتَحوَّلَ العلمُ إلى سِلعةٍ تَخضَعُ لقانونِ العَرضِ والطَّلَبِ، مشيرًا إلى أن العالِم الحقُّ هو الذي يَرَى موطنَه فوقَ السحابِ حتى وإن كان فقيرًا

 

وإليكم نص الكلمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين:

أيها الإخوة العلماء أعضاء مجلس جامعة بني سويف الفتية الناهضة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: في داركم مشيخة الأزهر الشريف/ وبعد

فإن العلم أشرف ما يعز به الإنسان ويرتفع به قدره ﴿ ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏﴾ {المجادلة‏: 11}‏، وهو في الوقت يُلقِي بمسؤولية كبرى على أهله نحو مجتمعاتهم ومَن حولهم من المواطنين بالخير والنماء والنفع، وبالنصح والبيان، والإقناع والبرهان « فالدِّينُ النَّصِيحَةُ، قِيلَ : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ».

وتعلمون - أيُّها العلماءُ الأجلَّاء - أنَّ العلم رَحِمٌ بين أهلِه، وأنَّه رابطةٌ عقليَّةٌ وروحيَّةٌ يسلكُ بها العلماء - على اختلاف تخصُّصاتهم - سبيلًا واحدةً لكشف آيات الله في كونه يتنهّى بهم إلى الجنة: «فمَن سَلَكَ سبيلًا إلى علمٍ – كما ثبت عن نبيِّنا في الصحيحِ من حديثِه – يَسَّرَ اللَّه له سبيلًا إِلَى الْجَنَّةِ».

وأوَّلُ آدابِ العِلمِ في الإسلامِ، بل أوَّلُ واجباتِ المُشتَغِلين به – كما تعلمون حضراتكم - هو إشاعةُ نَشرِه بينَ الناسِ، والاعتزازُ به والالتزامُ بتقاليدِه وتَبِعَاتِه اللائقةِ بالعُلَماءِ وطُلَّاب المعرفةِ والحقيقةِ، وألَّا يَتَحوَّلَ العلمُ في أيِّ فرعٍ من فُروعِه وتَخصُّصاته إلى سِلعةٍ تَخضَعُ لقانونِ العَرضِ والطَّلَبِ، وتُبتَذَلُ في أسواقِ المَنافِع والمَصالِحِ الضيِّقةِ، فالعِلمُ رسالةٌ قبلَ أنْ يكونَ مَصدَرًا للكسبِ الماديِّ الذي ينبغي أنْ يأتيَ ثانيًا وبالعرضِ، وليس أوَّلًا وبالذاتِ.

والعالِمُ حُرٌّ مُتحرِّرٌ من كُلِّ القُيُود، والعالِمُ الحقُّ هو الذي يَرَى موطنَه فوقَ السحابِ حتى وإن كان فقيرًا.

وقد قُدِّر لجِيلِي –والحمدُ لله- أن يتَتَلمَذَ على عُلماءَ فُقَراءَ ترَكُوا في عُقُولِنا ونُفُوسِنا قبَسَاتٍ ما زالت تقودُنا في مَسِيرتِنا العلميَّةِ والخُلُقِيَّةِ، وإن أنسى لا أنسى تَغنِّي بعضِهم بقولِ الإمامِ الشافعيِّ:

أنا إنْ عشتُ لستُ أعدمُ قُوتًا ... وإذا متُّ لستُ أعدمُ قَبْرَا

هِمَّتِي همَّةُ المُلوكِ ونَفسِي ... نَفسٍ حُرٍّ تَرَى المَذلَّةَ كُفْرَا

وإذا ما قنعتُ بالقُوتِ عُمْرِي ... فلماذا أَهابُ زيدًا وعَمْرَا

أيُّها الإخوةُ الأعزاءُ، كم أنا فخورٌ وسعيدٌ بأنْ تَتَكرَّم عليَّ جامعةُ بني سويف بمنحي الدكتوراه الفخريَّة، هذه الجامعة الفَتِيَّة، بشبابها الباكر، وعملها الدؤوب، وفتائها القوي، وإخلاصها لأبناء مصر كافَّة وأبناء الصعيد الأدنى والأوسط بوجهٍ خاصٍّ، وإنه لَوِسامٌ على صدري أن تتكرَّم جامعة بني سويف على ابن من أبناء الصعيدِ الأقصى بهذه الدرجة العلمية الرفيعة الفاخرة، وإني - والله– لأقدرها حق قدرها، وأعتز بها أيما اعتزاز، وأعلم أنَّها تقدير علمي لمؤسسة الأزهر ومشيخته قبل أن تكون تقديرًا لشخصي الضعيفِ.

ولئن كان هناك ما يجبُ عليَّ أن أشارككم إياه من فكر، في هذا المقام، فهو أن هذا التكريم أيضًا هو تقدير علمي لمنهج الأزهر الوسطي، ونزعته التجديدية الملتزمة منذ الشيخ محمد عبده ومن بعده الشيوخ: سليم البشري، ومحمد بخيت المطيعي، ومحمد مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد عبد الله دراز، ومحمود شلتوت، إلى أبي زهرة والغزالي، وسائر الكوكبة الشريفة المشرفة من علماء الأزهر وأئمته الأوفياء لما وسده إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ».

وأعدكم أيها الإخوة العلماء أن نَظَلَّ أوفياء لهذا المنهج التجديدي الوسطي، ننفي عنه تحريف الغُلاة المُخرِّبين للعُقول، المُحرِّفين للدين، ونعمل على تنقية تُراثه العريق ممَّا عساه ندَّ به من إفتاءٍ شاذٍّ، أو فكرٍ سقيم، ومقاومة التأويل الفاسد القائم على غير قواعد العلم والفهم والتفسير والدعوة الصحيحة.

أشكرُكم مرَّةً أخرى، وأُعرب عن اعتزازي لجامعة بني سويف، وانتسابي العلمي والفكري إلى رجالها الأوفياء، وأدعو لكم ولكلِّ أبناء وطننا من نخبةٍ علميَّةٍ أو جماهير وطنيَّة بحُسن القصد وإخلاص النيَّة، والسعي لتعمير الأرض وخِدمة مصر والإنسانيَّة.


كلمات دالة: