يتشرف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن يقدم لكم الجزء الثاني من سلسلة "من فتاوى الصيام"، وتشتمل على أهم الفتاوى التي تهم المسلمين في شهر رمضان المبارك، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
السؤال: هل يجوز للعاجز أن يفطر في رمضان؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإذا كان عجزه يمنعه من الصوم كمن يتعاطى عقاقيرَ معينة، أو لا يقدر على إتمام اليوم وهو صائم، أو خاف على نفسه إن صام وقوعَ ضرر عليه على المدى القريب أو البعيد كتأخر الشفاء أو إضعاف الجسد، ففي هذه الحالة يجوز بل يستحب له أن يفطر، ويُكره أن يتم صومه؛ لأن الفطر هنا رخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، بل إنه قد يحرم عليه الصوم إن تيقن وقوع ضرر عليه بسبب الصوم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ١٩٥]، ويجب عليه القضاء حين الشفاء.. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم من أكل وشرب ثم تبين له أن الفجر قد أذن؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فمن أكل وشرب ثم تبين له أن الفجر قد أذن فعليه القضاء ولا إثم عليه، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنه كما في القاعدة الفقهية: لا عبرة بالظن البين خطؤه، وعليه الإمساك بقية يومه لحرمة يوم الصوم، وكان ينبغي عليه أن يتحقق من موعد الأذان، وخاصة مع توفر السبل التي سهلت ذلك.. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم تناول الأدوية في رمضان؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإن هناك بعضَ الأمراض تتطلب تناول العلاج على فترات معينة وبانتظام، وقد تُصادف إحدى هذه الجرعات وقتَ الصيام؛ ولما كان المُسَلَّم به أن تناول الأدوية عن طريق المنفذ المُعتاد للجسد مما يفطر به الصائم.. نقول: على المريض أن يستشير الطبيب إن كان تأخير تناول هذه الجرعة إلى الليل سيؤثر على صحته أم لا؟!
فإن كان لا يؤثر التأجيلُ فلا يجوز له الفطر، وإن كان له تأثير على صحته فيباح له الفطر، وعليه أن يقضي ذلك في أيام أُخر، فمرد الأمر إلى أهل الخبرة في هذا الشأن.. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم الأكل والشرب بعد إطلاق مدفع الإمساك؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فمن المعلوم شرعًا أن وقت وجوب الصوم يبدأ بطلوع الفجر الصادق، فيجب حينئذ الإمساك عن المفطرات، أما مدفع الإمساك الذي تعارف عليه الناس فهو تنبيه لاقتراب وقت الفجر؛ ومن ثمَّ فلا يترتب عليه حكم شرعيّ؛ لأن وقت الصوم يبدأ بطلوع الفجر الصادق، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد صحابته إلى ذلك فقال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ» رواه البخاري.
وعليه؛ فلا بأس بأن يأكل الإنسانُ أو يشربَ بعد إطلاق مدفع الإمساك وقبل أذان الفجر.. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم من أصيب بمرض مفاجئٍ في نهار رمضان؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإذا أُصيب الإنسان بمرضٍ مفاجئٍ في شهر رمضان، فإن حكمه يختلف باختلاف حالته؛ فإن كانت حالته لا يستطيع معها الصوم، بأن كان الصوم يضر بصحته فيباح له في هذه الحالة الفطر إلى أن يتم شفاؤه، ويجب عليه قضاء تلك الأيام في وقت آخر، قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥].
أما إذا كان إفطاره لا يعود عليه بالنفع في صحته بحيث لا يُساعده في التعافي من هذا المرض بل يستطيع معه الصوم فلا يجوز له الإفطار، وهذا يتقرر بحسَب تقديرِ الطبيب الثقة.. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم تنظيف الأسنان وحشوها وخلعها في نهار رمضان؟ وماذا لو أعطى الطبيبُ المريضَ إبرةً لتخدير أسنانه عند إجراء هذه الأمور وهو صائمٌ؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فليس لما ذكر في السؤال أثر على صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، بشرط التحفظ عن ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها على صحة الصوم؛ لكونها ليست في معنى الأكل والشرب ولا تصل إلى الجوف، والأصل صحة الصوم وسلامته؛ فيبقى الأصلُ على أصله حتى يأتيَ ما يُغيِّره.. والله تعالى أعلم.
السؤال: هل يصح صيام تارك الصلاة؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فمن صام وهو لا يصلي فإن صومه صحيح يُسقط عنه الفرض؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا من جهة تركه للصلاة ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
أما مسألة الأجر فمردها إلى الله تعالى، غير أن الصائم المُصَلِّي أرجى ثوابًا وأجرًا وقَبولًا ممن لا يصلي... والله تعالى أعلم.
السؤال: هل يجوز إلزام الأطفال بالصوم؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فمن المستحب تعويد الأطفال على الصيام إذا أطاقوه، وقد كان الصحابة يعودون أطفالهم على الصوم منذ صغرهم، ويربونهم على هذا، واختُلِف في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام فقيل سبع سنين، وقيل عشر سنين، للحديث الوارد في ذلك عن الربيع بنت معوذ قالت: (فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ) أخرجه البخاري.
وإذا كان الصبي مُميزا صحّ صومه أما قبل التمييز فلا يصح منه وإن حصل الأجر والثواب لوالدَيه على تعويدهما له على الطاعة من صِغَره... والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم القيء في نهار رمضان، وهل يفطر بلع الريق والنخامة (البلغم)؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإذا خرج القيء من غير تعمُّدٍ من الصائم فلا شيء فيه، بشرط ألَّا يصل مما خرج شيءٌ إلى الجوف طالما دفع ذلك بقدر المستطاع، فإن وصل بعد ذلك شيء إلى الجوف فلا يؤثر في صومه.
أما من تعمد القيءَ فصومه فاسد، وعليه القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» أخرجه الترمذي.
أما الريق فلا يفطر، والبلغم لا يُفطر أيضًا ويُكره بلعه.. ومما ذُكر يُعلَمُ الجواب... والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم من قبَّل زوجتَه في نهار رمضان فأنزَلَ؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فتقبيل الزوجة بقصد اللذة مكروه للصائم لما يجرُّ إليه من فساد الصوم، ومن قبَّل زوجته في نهار رمضان فأنزل فقد فسد صومه، وعليه القضاء، وينبغي لمن لا يأمن على نفسه أن يتجنب الإقدامَ على مثل هذه الأفعال؛ ليحفظ صومه.. والله تعالى أعلم.
السؤال: هل مشاهدة المسلسلات في نهار رمضان يُفسد الصوم؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فمجرد مشاهدة المسلسلات في رمضان لا تفسد الصوم، ولكن إن اشتملت المشاهدة على ما حرم الله تعالى النظر أو الاستماع إليه، فلا تجوز مطلقًا من الصائم أو من غيره، خاصة وأن لشهر رمضان حرمة لا بد وأن تُراعى؛ ولأن مُشاهدة ما حرم الله النظر أو الاستماع إليه مُنافٍ لمقصود الصوم، وهو التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:183].
السؤال: ما حكم قضاء صيام السنوات الفائتة التي أفطرها المسلم لمرض؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإذا أفطر المسلم بعذر شرعي كالمرض الذي أخبر الطبيب الثقة أنه لا يستطيع معه الصوم؛ فإنه لا إثم عليه في ذلك، ولكن يجب عليه قضاء ما فاته من صيام إذا تم شفاؤه، وكان يستطيع الصيام، أما إذا لم يتمكن من القضاء فعليه أن يُطعم عن كل يوم مسكينًا؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:184]. .. والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإن الاعتكاف سنة مؤكدة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأنه كان يعتكف في مسجده صلى الله عليه وسلم كل عامٍ في العشر الأواخر، إلا في العام الذي قُبِض فيه فاعتكف عشرين يومًا، ولا بد أن يكون في المسجد؛ لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]؛ لأن النبي صلى الله عليه سلم لم يعتكف إلا فيه. واعتكاف المسلم في المسجد مشروطٌ بأن يكون قد ترك لأهله ما يكفيهم مدةَ اعتكافه؛ حتى لا يضيِّعَ مَنْ يعول، فيكون كمن بنى قصرًا وهدمَ مصرًا... والله تعالى أعلم.
السؤال: كيف نغتنم ليلة القدر؟ وماذا يقال فيها؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فليلة القدر من الليالي الفاضلة، فلابد من تحريها والتماسها في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، ولابد من اغتنامها بالإكثار من الطاعات فيها من الصلاة والذكر وقراءة القرآن.. وما إلى ذلك من أنواع الخير والبر.
وأما ما يقال فيها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم أنه للسيدة عائشةَ رضي الله عنها لما سألته إن وافقَتْ ليلةَ القدرِ ما تقول فيها؟: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» أخرجه الترمذي.. هذا والله تعالى أعلم.
السؤال: ما حكم من لم يستطع الصوم لكبر سنه أو عجزه عن الصوم؟
الجواب: الحمد لله وبعد:
فإن الشيخ الكبير -أو المرأة العجوز- إذا كان يجهده الصوم، ويشق عليه مشقة شديدة، ولا يستطيع الصوم لكبر سنه، وعجز عن القضاء، فله أن يُفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، قال تعالي: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] أي الذين لا يطيقون الصوم... والله تعالى أعلم.