المقالات

دروس من خطبة الوداع (2)

الجزء الثاني

  • | الإثنين, 20 أغسطس, 2018
دروس من خطبة الوداع (2)

دروس من خطبة الوداع (2)

قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «..أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْقِرُونَ مِنَ أَعْمَالِكُمْ فَيَرْضَى..». أخرجه النسائي.

منذ أن خلق الله سيدنا آدم ولا همَّ للشيطان إلا أن يُباعد بين ذريته وبين خالقهم سبحانه وتعالي، وفي هذه الوصية الغالية يُخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان قد يئس أن يُعبد غير الله في الأرض التي استقر عليها الإسلام، لكنَّه لم ييأس من أن يدفع الناسَ إلى ارتكاب ما دون ذلك من المعاصي التي قد يستصغرونها، فإن محقرات الذنوب هذه إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» أخرجه أحمد في مُسنده، وأخرج الإمام أحمد في مسنده أيضًا من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ».

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «..أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ..». أخرجه مسلم.

أبطل النبي صلى الله عليه وسلم أفعال الجاهلية، وبيوعها التي لم يتصل بها قبض، وقضى أن لا قصاص في قتلها، وجعل الإسلامَ بداية جديدة، وبدأ في هذه الأحكام بأهل قرابته فوضع من الدم أول ما وضع دم الحارث بن عبد المطلب، وهكذا ينبغي أن يكون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أول الفاعلين للمعروف المنتهين عن المنكر، ولنا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة.

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «.. وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ..». أخرجه مسلم.

إن المتعامل بالربا يهدف إلي زيادة ماله من غير جهد ولا عمل عن طريق استغلال حاجة الآخرين واستنزاف مدخراتهم وطاقتهم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) أي باطل محرم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}. [البقرة: 275، 276].

 وفي ذلك حث علي العمل واستغلال الأموال في التجارة والتعمير والإنتاج، وترك التعامل بالربا الذي يقوم على استغلال حاجة الناس، ويسد أبواب الإنتاج والتطوير والنماء.
ويبدأ صلى الله عليه وسلم حين إبطال الربا بأهل قرابته وهو ربا العباس عمه، فإن رأى الناس أن حكم الله لا تفريق فيه بين أحد وأحد حتى قرابة رسوله صلى الله عليه وسلم التزموه.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
2.5

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.