فتاوى معاصرة

05 أغسطس, 2018

مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (1)

الجزء الأول

كان العربُ قبل الإسلام يُقسِّمون شهور السنة إلي قسمين:
أربعة أشهر حرم، مقدسة، يعظمونها ولا يستبيحون فيها القتال ولا الظلم ولا البغي.
وباقي الأشهر ليس لها هذا الحكم يستباح فيها القتال والغزو والكر والفر.
وكانت الأشهر الحرم هُدنة للعرب يستريحون فيها من عناء القتال، بل كانوا يحرمون القتال فيها، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه لم يَتعرَّض له بسوء.
ومع مجيء الإسلام استمرت حرمة هذه الأشهر قائمة حتى الآن وإلى يوم القيامة، فزادها الله تعظيمًا، ونهى المسلمين عن انتهاك حرمتها، فقال تعالى عنها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) [التوبة:37].
وسبب نزول الآية أن المشركين كانوا يتلاعبون بأشهر السنة، فمنهم من جعل السنة ثلاثة عشر شهرًا، ومنهم من يؤخر شهر المحرم إلى صفر، وصفر إلى ربيع الأول، وربيع الأول إلى الثاني.
فأبطل الله عز وجل هذا التلاعب وجعل عدة الشهور اثنا عشر شهرًا، وجعل منها أربعة حُرُم.
وقد بيَّن النبي صلي الله عليه وسلم أن تأخير الشهور وإبدالها وإلغاءها أمرٌ مُحَرَّم في الإسلام.
أخرج البخاري عن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ»
كما بيَّن صلى الله عليه وسلم في السَّنَةِ التي حجَّ فيها حجَّة الوداع أن شهر ذي الحجة في هذا الوقت فاحفظوه واجعلوا الحج فيه ولا تبدلوا شهرًا مكان شهر كما كان يفعل أهل الجاهلية.
و سُمِّيَت الأشهر الحرم بهذا الاسم لزيادة حرمتها، وعظم الذنب فيها، ولأن الله سبحانه وتعالى حرَّم القتال فيها، قال تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)[البقرة/217].
وحرمةُ الأشهر الحرم ثابتةٌ منذ عهدِ سيدنا إبراهيم عليه السلام كما ورد في شريعته، واستمرت القبائل في شبهِ الجزيرة العربية على تحريم القتال على نفسها خلال هذه الأشهر على مر السنين والعصور، بهدف تسهيل سير القوافل التجارية في مواسم الحج نحو مكة، مع وجود بعض القبائل العربية التي أحلت لنفسها القتال وخوض الحرب في هذه الأشهر. ومع مجيء الإسلام استمرت حرمة هذه الأشهر قائمة حتى الآن وتمتد إلى يوم القيامة.
وفُضِّل شهر ذي القعدة بفضائل منها:
1- يسمى شهر " ذو القعدة " بهذا الاسم لأن العرب كانوا يقعدون عن القتال فيه، وهو أحد الأشهر الحرم التي نهى الله عن الظلم فيها تشريفاً لها، وهو أول الأشهر الحرم المتوالية.
2- ذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله تعالي: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) البقرة: ١٩٤
والمراد بالشهر الحرام شهر ذي القعدة.
3- العمرة فيه سُنَّة، لأن عُمرات النبي -صلى الله عليه وسلم- الأربع كنّ في شهر ذي القعدة، قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ" (متفق عليه).

كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.