فتاوى معاصرة

11 أغسطس, 2018

في رحاب حَجَّة الوداع (1)

الجزء الأول

حجَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم حجَّةً واحدة في عُمره، وكانت في السنة العاشرة من الهجرة بعد فتح مكة، ودَّع فيها أصحابه وأُمَّته؛ ولذلك سميت بحجة الوداع، فقال لهم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» [أخرجه البيهقي].

وتُعد حجة الوداع لقاء مهم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وفيها أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم القواعد التي تضمن للإنسان والمجتمع حياة آمنة ومستقرة، وكذا التطور والنَّماء للفرد خاصة وللمجتمع بصفة عامة.

و«مَكَثَ -النبي صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ حِجَجٍ _أي سنوات_، ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ هَذَا الْعَامِ، فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَة..» _أي 25 من ذي القعدة_. [أخرجه النسائي].

ثم حدد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مواقيت الإحرام المكانية لحجاج بيت الله الحرام، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى -اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ؛ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» [أخرجه البخاري].

دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة، فأتى باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد، واستلم الحجر الأسود، ثم مضى عن يمينه، فرمل صلى الله عليه وسلم حتى عاد إليه ثلاثًا -والرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخُطى –ومشى أربعًا على هينة، فعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ «إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ: يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ». أخرجه البخاري.

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله بين الركن اليماني والحجر الأسود بقوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وذلك في كل شوط.

ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]

ورفع صوته يسمع الناس وجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين وقرأ في الركعة الأولى (الفاتحة والإخلاص )، وفي الثانية (الفاتحة والكافرون)، ثم ذهب إلى ماء زمزم فشرب منها، وصب على رأسه، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ». أخرجة البخاري.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.