الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد...
فإن معاملة الإسلام للمرأة يجب أن تُدرَس دراسة عميقة ... وإن النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أعطى النساء حق الإرث في كل الممتلكات قبل أن تفعل ذلك الحكومة البريطانية بثلاثة عشر قرنًا.
هكذا يقول مستر جاك سترو المتحدّث الرسمي السابق باسم شئون التعليم بحزب العمال البريطاني، والذي تولى بعد ذلك منصب وزير الخارجية البريطاني. [نقلًا عن: المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، للشيخ: محمد الغزالي، صـ 9، دار الشروق].
ويقول المستشرق غوستاف لوبون: وتعد مبادئ المواريث التي نصّ عليها القرآن بالغة العدل والإنصاف. [حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة: عادل زعيتر، صـ 402، مؤسسة هنداوي].
ومن غريب المفارقات، أن نجد من غير المسلمين من يدافع عن نظام الميراث في الإسلام، وبخاصة نظام ميراث المرأة، ويصفه بالعدالة والإنصاف، بل ويوصي أحدهم بضرورة دراسته دراسة عميقة؛ وفي الوقت نفسه نجد مِن بين المسلمين مَن يُهاجم هذا النظام مُهاجمات شرسة، ويتهمه باتهامات باطلة، ويدّعي أن الإسلام ظَلَم المرأة، وحطّ من شأنها، وأهدر حقوقها حينما أعطاها نصف نصيب الرجل من الميراث.
والمتأمل في فقه الميراث الإسلامي؛ يجد أن هذا الكلام عارٍ عن الحقيقة، ومنافٍ للواقع؛ لأننا إذا تتبعنا أحوال ميراث المرأة مع الرجل، وجدنا أن المرأة في بعض الحالات ترث نصيبًا أكبر من نصيب الرجل، أو ترث مثل الرجل، أو ترث نصف نصيب الرجل، أو ترث ولا يرث الرجل؛ على حسب اختلاف حالات الإرث وتنوعها؛ ويمكننا أن نرى هذا بوضوح إذا تتبعنا حالات ميراث المرأة مع الرجل في نظام الميراث الإسلامي.
فميراث المرأة مع الرجل له -في الإسلام- أربع حالات، هي:
الحالة الأولى: ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل، ولهذه الحالة قسمان، هما:
القسم الأول: ترث فيه المرأة تعصيبًا بالرجل، وتأخذ نصفه، وله أربع صور فقط:
1- إذا ترك الميت: ابنًا، وبنتًا.
فللبنت هنا نصف نصيب الابن، يقول تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
2- إذا ترك الميت: ابن ابن، وبنت ابن.
فلبنت الابن نصف نصيب ابن الابن.
3- إذا ترك الميت: أخًا شقيق، وأختًا شقيقة.
فللأخت الشقيقة نصف نصيب الأخ الشقيق، {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176].
4- إذا ترك الميت: أخًا لأب، وأختًا لأب.
فللأخت لأب نصف نصيب الأخ لأب.
القسم الثاني: تأخذ فيه المرأة نصف الرجل لو وجدت مكانه، ولهذا القسم صورتان، هما:
1- إذا ماتت الزوجة وتركت زوجًا، ولم يكن لها فرع وارث، فللزوج نصف التركة. بينما إذا مات الزوج وترك زوجةً، ولم يكن له فرع وارث، فللزوجة ربع التركة.
2- إذا ماتت الزوجة وتركت زوجًا، ولها فرع وارث، فللزوج ربع التركة. بينما إذا مات الزوج وترك زوجةً، وله فرع وارث، فللزوجة ثمن التركة.
يقول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12].
الحالة الثانية: ترث فيها المرأة مثل نصيب الرجل، ولها صور كثيرة، منها:
1- إذا ترك الميت: بنتًا، وأبًا.
فللبنت نصف التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
وللأب سدس التركة فرضًا، وباقي التركة تعصيبًا (أي للأب نصف التركة مثل البنت)؛ لما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» [صحيح البخاري، 6737، (8/ 152)، دار طوق النجاة].
2- إذا ترك الميت: بنت ابن، وجدًا.
فلبنت الابن نصف التركة فرضًا؛ لأنها تحل محل البنت عند عدم وجود أولاد للميت. وللجد سدس التركة فرضًا والباقي تعصيبًا.
3- إذا ترك الميت: ابنًا، وأبًا، وأمًا.
فلكل واحد من الأب والأم سدس التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]. والباقي للابن تعصيبًا. وهنا تتساوى الأم مع الأب.
4- إذا ترك الميت: ابن ابن، وجدًا، وجدة.
فلكل واحد من الجد والجدة سدس التركة فرضًا، والباقي لابن الابن تعصيبًا. وهنا تتساوى الجدة مع الجد.
5- إذا ترك الميت: بنتًا، وابن ابن.
فللبنت نصف التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
ولابن الابن باقي التركة تعصيبًا (أي نصف التركة مثل البنت)؛ لما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
6- إذا ترك الميت أمًا، أخًا لأم، أختًا لأم، عمًا.
فللأخ والأخت لأم ثلث التركة يقسم بينهم بالتساوي للذكر مثل الأنثى؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12].
7- إذا ترك الميت: أختًا شقيقة، وأخًا لأب.
فللأخت الشقيقة نصف التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176].
وللأخ لأب باقي التركة تعصيبًا (أي نصف التركة مثل الأخت)؛ لما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
الحالة الثالثة: ترث فيها المرأة نصيبًا أكبر من نصيب الرجل، ولها قسمان، هما:
القسم الأول: ترث فيه المرأة أكبر من نصيب الرجل، وصوره كثيرة، منها:
1- إذا ترك الميت: بنتًا، أبًا، أمًا.
فللبنت نصف التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
وللأم سدس التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11].
وللأب سدس التركة فرضًا والباقي تعصيبًا؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وبهذا يكون نصيب البنت أكبر من نصيب الأب.
2- إذا ترك الميت: بنت ابن، وجدًا، وجدة.
فلبنت الابن نصف التركة فرضًا، وللجدة سدس التركة فرضًا، وللجد السدس فرضًا والباقي تعصيبًا.
وبهذا يكون نصيب بنت الابن أكبر من نصيب الجد.
3- إذا تركت الميتة: بنت ابن، وزجاً، وأبًا.
فلبنت الابن نصف التركة فرضًا، وللزوج ربع التركة، وللأب سدس التركة فرضًا والباقي تعصيبًا.
وبهذا يكون نصيب بنت الابن أكبر من نصيب الزوج ومن نصيب الأب أيضًا.
4- إذا تركت الميتة: زوجًا، وبنتًا.
فللزوج ربع التركة فرضًا؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12].
وللبنت نصف التركة فرضًا، وباقي التركة ردًا.
5- إذا مات وترك: أمًا، وأختًا شقيقة، وأخًا لأب.
فللأم سدس التركة فرضًا، وللأخت الشقيقة نصف التركة فرضًا، والباقي للأخ لأب تعصيبًا.
وبهذا يكون نصيب الأخت الشقيقة أكبر من الأخ لأب.
6- إذا مات وترك: زوجة، أختًا لأب، ابن أخ شقيق.
فللزوجة ربع التركة فرضًا، وللأخت لأب نصف التركة فرضًا، والباقي لابن الأخ الشقيق تعصيبًا.
وبهذا يكون نصيب الأخت لأب أكبر من نصيب ابن الأخ الشقيق.
القسم الثاني: تأخذ فيه المرأة أكثر من نصيب الرجل إذا وجدت مكانه، وله صور، منها:
1- إذا تركت الميتة: ابنين، وزوجًا، وأمًا، وأبًا.
فللزوج ربع التركة فرضًا، وللأم سدس التركة فرضًا، وللأب سدس التركة فرضًا، وللابنين الباقي بعد أصحاب الفروض.
وإذا وضعنا مكان الابنين بنتين، لكان نصيب البنتين ثلثا التركة، وهو بلا شك أكبر بكثير من نصيب الابنين.
2- إذا تركت الميتة: زوجًا، وأمًا، وأخًا شقيق.
فللزوج نصف التركة فرضًا، وللأم ثلث التركة فرضًا، والباقي يكون للأخ تعصيبًا.
وإذا وضعنا مكان الأخ الشقيق أختًا شقيقة، كان لها نصف التركة فرضًا، وهو بلا شك أكبر بكثير من نصيب الأخ الشقيق.
3- إذا تركت الميتة: زوجًا، وجدة، وأخًا لأب.
فللزوج النصف فرضًا، وللجدة السدس فرضًا، وللأخ لأب الباقي تعصيبًا.
وإذا وضعنا مكان الأخ لأب أختًا لأب، كان لها نصف التركة فرضًا، وهو بلا شك أكبر من نصيب الأخ لأب.
الحالة الرابعة: ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل، ولها قسمان، هما:
القسم الأول: تحجب فيه المرأة الرجل، وله صور، منها:
1- إذا ترك الميت: بنتًا، وأخًا لأم.
فإن البنت تحجب الأخ لأم، ولا يرث شيئًا بسببها.
2- إذا ترك الميت: بنتًا، وأختًا شقيقة، وأخًا لأب.
فللبنت نصف التركة فرضًا.
وللأخت الشقيقة باقي التركة تعصيبًا مع البنت؛ لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن تجعل الأخوات مع البنات عصبة.
ولا شيء للأخ لأب؛ لأنه حجب بسبب إرث الأخ الشقيقة بالتعصيب.
3- إذا ترك الميت: بنت ابن، أختًا لأب، ابن أخ شقيق.
فلبنت الابن نصف التركة فرضًا.
وللأخت الأب باقي التركة تعصيبًا مع بنت الابن؛ لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن تجعل الأخوات مع البنات عصبة.
ولا شيء لابن الأخ الشقيق؛ لأنه حجب بسبب إرث الأخت الأب بالتعصيب مع الغير.
4- إذا ترك الميت: بنت ابن، وإخوة لأم.
فإن بنت الابن تحجب الإخوة لأم مهما بلغ عددهم.
القسم الثاني: ترث فيه المرأة، ولو وُجد مكانها رجلً لا يأخذ شيئًا، وله صور، منها:
1- إذا تركت الميتة: زوجًا، وأمًا، وأبًا، بنتًا، وبنت ابن.
فللزوج ربع التركة، وللأم سدس التركة، وللأب سدس التركة والباقي إن تبقى شيئًا، وللبنت نصف التركة، ولبنت الابن سدس التركة.
فلو وضعنا مكان بنت الابن الرجل المساوي لها وهو ابن الابن، فلا يأخذ شيئًا؛ لأنه يرث بالتعصيب ما يتبقى بعد أصحاب الفروض، وفي هذه المسألة لن يتبقى له شيء، أما بنت الابن فإنها ترث السدس فرضًا، وهذه المسألة ستعول حتى تأخذ بنت الابن نصيبها.
2- إذا ترك الميت: أبًا، وأم أم.
فلأم الأم سدس التركة.
ولو وضعنا مكان أم الأم الرجل المناظر لها وهو أب الأم، فإنه لا يرث شيئًا؛ لأنه ليس من الورثة أصلًا.
3- إذا تركت الميتة: زوجًا، وأختًا شقيقة، وأختًا لأب.
فللزوج نصف التركة فرضًا، وللأخت الشقيقة نصف التركة فرضًا، وللأخت لأب السدس فرضًا، والمسألة تعول -[والعول: هو التقليل من نصيب كل وارث؛ حتى تستوفي التركة جميع الورثة]- حتى تأخذ الأخت لأب نصيبها.
ولو وضعنا مكان الأخت لأب الرجل المناظر وهو الأخ لأب، لكان نصيبه من التركة صفر؛ لأنه يرث الباقي بعد أصحاب الفروض في المسألة، وهم الزوج والأخت الشقيقة، فلا يتبقى له شيء.
هذه هي الحالات الأربع لميراث المرأة مع الرجل، وبتتبع صور هذه الحالات، يمكننا أن نستنتج الآتي:
1- الصور التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أو تساويه، أو ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل، تزيد على ثلاثين صورة، بينما الصور التي ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل لا تزيد على أربع صور فقط.
2- نصيب المرأة لا يقل عن المقدار المحدد لها شرعًا (الفرض المقدر لها)، فلو شاركها في التركة آخرون لن يقل نصيبها عما هو محدد لها شرعًا.
أما الرجل الذي يرث بالتعصيب فكلما شاركه في التركة وارث غيره قلّ نصيبه، ولو استوفى أصحاب الفروض التركة كلها فلن يأخذ شيئًا.
3- يبدأ تقسيم التركة بأصحاب الفروض، وأغلبهم من النساء، ثم ما يتبقى يُعطى للعصبات بالنفس وكلهم رجال.
4- الشرع يطبق العول من أجل أصحاب الفروض، ولا يطبقه للعصبات.
وهكذا .. يتضح لنا أن الحالات التي ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل أقل بكثير من الحالات التي ترث فيها مثله أو أكثر منه، بل وقد ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
فلا يُبنى الميراث في الإسلام على جنس الوارث ذكرًا كان أو أنثى، وإنما يُبنى على قواعد مبادئ، أهمها:
أولًا: درجة القرابة من المُتوفَّى، فكلما كان الشخص أقرب للمتوفَّى كلما زاد نصيبه من الميراث.
فإذا ترك المتوفَّى: بنتًا، وبنت ابن، كان للبنت نصف التركة، ولبنت الابن السدس، وكلتاهما امرأة.
ثانيًا: قوة القرابة، فإذا تساوت درجة الورثة، ننظر إلى قوة القرابة، فالأقوى في القرابة يقدم على الأقل منه.
فلو ترك المتوفَّى: أختًا شقيقة، وأختًا لأب. كان للأخت الشقيقة نصف التركة، وللأخت لأب السدس، وكلتاهما امرأة.
ثالثًا: موقع الجيل الوارث، فكلما كان الجيل الوارث صغيرًا مستقبلًا للحياة كلما زاد نصيبه أيضًا؛ لهذا كان نصيب ابن المتوفَّى أكبر من نصيب أبِ المتوفَّى ولو كان الابن رضيعًا -وكلاهما ذكر-، وأيضًا نصيب البنت أكبر من نصيب الأم وكلتاهما امرأة؛ لأن حاجتهما إلى المال أكثر.
رابعًا: التكاليف والأعباء المالية، فإذا تساوت درجة القرابة، وقوتها، وموقع الجيل الوارث؛ كان التفاوت في الأنصبة المستَحَقَّة على قدر تفاوت الأعباء المالية المُلقاة على الوارثين.
فلو ترك المتوفَّى: ابنًا وبنتًا متساويين في درجة القرابة وقوتها وموقع الجيل الوارث؛ ورث الابن ضعف البنت؛ لأنهما غير متساويين في التكاليف والأعباء المالية؛ فالنفقة واجبة على الرجل، أما المرأة فمالُها ثروة مُدَّخرة، ولا تلزمها النفقة على أحد، ولا حتى نفقتها على نفسها في الغالب.
ونود هنا أن نؤكد على أن بعض نصوص الشريعة الإسلامية ثابت لا يقبل الاجتهاد ولا التغيير، وبعضها مرن يقبل الاجتهاد والتغيير وفق ما تقتضيه مصالح الناس وحاجاتهم.
وأحكام الميراث ومسائله من النوع الأول الذي لا يجوز فيه الاجتهاد مع النصوص الثابتة قطعية الدلالة، فالله عز وجل يقول في نهاية آية الميراث: {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11]، ثم يختم حديثه عن الميراث بقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 13-14]. فعلى المسلم الحق أن يستسلم لأوامر الله تعالى ونواهيه، فهو جل شأنه خالق العباد والعالم بما فيه نفعهم وصلاحهم.
وختامًا .. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزدنا علمًا.
وصلَّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.