فكر و أديان

10 أغسطس, 2019

الأضحية

الزعم أن الأضحية عادة جاهلية تهدر الأموال وتبدد الثروات

يزعم البعض أن الأضحية في مِنى أثناء الحج عادة جاهلية تؤدي إلى إهدار الأموال، وتبديد الثروات، حيث تتكدس اللحوم في " منى " حتى يتعفن بعضها، ويدفن بعضها الآخر، ولا يستفاد من معظمها!!

الجواب:

هذا الزعم عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلاً ، والرد عليه من عدة وجوه منها:

أولًا: ينبغي علينا أن نعلم أن الهدي هو ما يهدى من النَّعم – أي – يذبح- تقربًا إلى الله تعالى، وهو ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.

ثانيًا: إن العرب قد أخذت شعائر الحج عن إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- ولكنهم حرفوها، ومن هذه الشعائر التي حرفوها ( الأضحية، والذبح في منى)، فترتب على هذا التحريف أن الإنسان المؤمن بعد أن كان يقوم بهذه الشعيرة امتثالًا لأمر الله – عز وجل- واستسلامًا له سبحانه كما فعل الخليل إبراهيم – عليه السلام-، أصبحت هذه الشعيرة لونا من الوثنية؛ فإنهم كانوا إذا نحروا البدن لطّخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى – بحسب زعمهم-، وكانوا لا يأكلون منها.

ثالثًا: جاء الإسلام – وكعادته - قد طهر ونقّى هذه الشعيرة من البدع والخرافات، وجعلها خالصة لله تعالى، وردها إلى ما كانت عليه في دين إبراهيم ـ عليه السلام ـ، فالإسلام هو الذي صحح وأعاد الأمور إلى نصابها.

وأنزل الله ـ تعالى ـ ردًّا على فعال الجاهلية في تلطيخ البيت بالدم؛ قوله تعالى:{ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ } ( الحج: 37).

فكيف يقال بعد ذلك: أن الإسلام اقتبس هذه الشعيرة من المشركين ؟!

رابعاً: أن الإسلام يحث على الانتفاع بلحوم الأضاحي لا إهدارها – كما زعم-، فالإسلام حث أتباعه على الوسطية، والاعتدال في الإنفاق، ونهاهم عن الإسراف، يقول عز وجل: “وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” (الأعراف:31)، ويقول سبحانه: " وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" (الإسراء:26-27).

خامسا: أن المتأمل لهذه الشعيرة يجد أن لها كثيرًا من الحِكم والمقاصد ، منها:

1-      إحياء هذه الموعظة التي يذكرها الله -عز وجل- للمسلمين، من خلال تلك القصة الفذة التي أجراها الله على يد نبيه وخليله إبراهيم وابنه عليهما السلام، والتي احتوت على مسألة الذبح والفداء.

2-      إماتة الشح والأنانية في صدر المسلم، فالحاج حينما يقدم أضحيته التي اشتراها بماله إلى غيره، فيأكل منها الفقراء والمساكين، فذلك يحيي في قلبه معنى العطاء والبذل، ويميت فيه الشح والأنانية.

3-      امتثال أمر الله – عز وجل – وتقواه وهذه هي الغاية السامية من الأضحية، يقول سبحانه وتعالى:    " لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ.. الآية (الحج:٣٧).

سادسًا: أن الإسلام حينما شرع الأضحية جعل لها آدابًا عظيمة، وأرشد المسلمين إلى الطريق المثلى للانتفاع بلحوم الأضاحي، ومن ذلك:

1-      تعدد أيام النحر: فلم يحصرها الإسلام في يوم بعينه بل جعلها أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة بعده.

2-      أن يأكل الإنسان من هديه، يقول عز وجل: " فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"(الحج: ٣٦)، وقد أكل النبي – صلى الله عليه وسلم – من هديه، فالإسلام يخالف بذلك أهل الجاهلية؛ إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم، بل كان يحرِّم أحدهم الأكل من لحم أضحيته.

3-      التصدق على الغير: فيسن في الأضحية أن يتصدق صاحبها بالثلث، أو بأكثر من ذلك، فالقانع والمعتر في الآية السابقة أي: الفقير والزائر، بل وأجاز الإسلام إعطاء الأغنياء من لحوم الأضاحي.

4-      جواز التصدق بلحوم الأضاحي خارج مكة إذا زادت عن حاجة أهلها، ونقلها إلى من يستحقها من فقراء المسلمين في أي مكان في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا ما يفعله المسلمون الآن من خلال المؤسسات المختصة.

5-      أن الإسلام أباح ادخار لحوم الأضاحي إذا زادت عن حاجة الناس، فلم يشترط وقتا محددا للانتفاع بها، بل جعل ذلك جائزا في العام كله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له، فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا» سنن الترمذي ت بشار (3/ 146).

و يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  " كلوا وأطعموا وادخروا " . صحيح البخاري (7/ 103)

إذن فالإسلام لا يدعو إلى الإسراف، وإهدار الأموال بلا فائدة، كما يزعم البعض، بل حرص كل الحرص على أن تتفق عبادته مع منهجه العام، وهو منهج الاعتدال والوسطية.

وفي الختام أقول: لو اتبع المسلمون هذه الآداب التي تتعلق بالتضحية والهدي في موسم الحج  لما وُجد إهدار للحوم الأضاحي، ولو وجدنا  تقصيرًا من بعض المسلمين في اتباع هذه الآداب فهذا ليس معناه أن الخطأ في الإسلام، أو في شعيرة الهدي نفسها، وإنما الخطأ والعيب في تصرفات بعض المسلمين التي تكون بعيدة عن منهج الإسلام في عدم التبذير وضياع الأموال.

والحمد لله رب العالمين


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.