مدرسة الصيام

الصبر

  • | الأربعاء, 16 مايو, 2018
مدرسة الصيام

الصيام يربي في الإنسان الصبرَ على تحمُّل المشقة، ومكابدة الطاعة، والصبر عن فعل المعصية، فالصابر موعود بالجزاء الحسن من الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10]. وخُلُقُ الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى القرآن الكريم بها، وكرر ذكرها، فقد ذُكر الصبر في القرآن في تسعين موضعًا. وقد علَّقَ الله تعالى بالصبر واليقين نَيْلَ الإمامةِ في الدين، فقال سبحانه عن أنبيائه الكرام: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:24]. وعلَّق الفلاحَ بالصبر والتقوى، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]. ودلَّنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم على طريق التخلُّقِ بهذا الخلُقِ الجليل، وعلى عظيم منزلته عند الله تعالى حين قال: «… وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه البخاري. قال الإمامُ السيوطيُّ رحمه الله: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، أَي: من يقْصدْ الصَّبْرَ ويؤثرْهُ يُعِنْهُ اللهُ عَلَيْهِ ويوفقْهُ لَهُ) تنوير الحوالك شرح موطَّأ مالك. وقال ابنُ بطَّالٍ: (أرفعُ الصابرين منزلةً عند اللهِ: من صبَر عن محارمِ الله، وصبَر على العمل بطاعة الله، ومن فعل ذلك فهو من خالصِ عبادِ الله وصفوتِه، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ») شرح صحيح البخاري لابن بطال. فالصوم يربي فينا هذه المعاني، ويرقى بنا إلى الدرجات العوالي، ويمنحنا القرب من الله جل في علاه، فحينما يُجاهدُ الإنسانُ نفسَه بمنع مشتهياتها ورغباتها ويسوقها سَوْقًا إلى امتثال أمر الله  فإنه بذلك يكون قد حقق الهدَفَ الأسمى من الصيام الذي عرَّفَتْه معاجم اللغة بأنه حبس النفس عن الطعام والشراب والشهوة. وإذا كان الصيام حبسًا للنفس عن هذه الأمور المذكورة، فإن الصبر الذي هو ثمرةُ الصيام –أيضًا- حبسٌ للنفس على الطاعة، وحبسٌ لها عن المعصية، وحبسٌ لها عن الجزع على الابتلاءات الإلهية، فإذا كان الأمر كما ذكرنا، فإن بين الصوم والصبر تناغمًا وتجانُسًا وارتباطًا لا يمكن معه الانفكاك بحالٍِ، فدلَّ ذلك على أن الصبر من مقصودات الصوم، وثمرة من ثماره المرجوِّ تحقُّقُها في نفس الصائم. وإذا كان الصومُ يعطي عليهِ الله الجزاءَ الواسعَ غيرَ المحدود؛ كما بيَّن ذلك فيما رواه عنه سيِّدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسيِّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ…» رواه البخاريُّ. فإن الصبرَ –أيضًا- الذي هو ثمرةٌ من ثمراته، ومقصودٌ من مقصوداته يجزي اللهُ عليه العبدَ جزاءً واسعًا غيرَ محدودٍ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10]. فهلَّا استثمرنا شهرَ الصوم في تنمية خلُق الصبر في نفوسنا، واستدعينا هذه المعاني إلى العقول؛ لتكون سائقة للنفوس إلى التحلِّي بهذا الخُلُقِ العظيم؛ حتى ننالَ الجزاءَ الأوفى من ربنا جل جلاله؟!.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.