الصوم والمسارعة إلى الخيرات

  • | الأحد, 27 مايو, 2018
الصوم والمسارعة إلى الخيرات

الصيام يربي في الإنسان خصالًا طيبة كثيرة، منها التسابق إلى الخير، وهو خلُقٌ يدل على صدق الإيمان؛ ولذلك اتصف به الأنبياءُ، ومُدِحوا به، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
وحثَّ الإسلامُ على المسارعة إلى الخيرات فقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]. وقال أيضًا: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148].
وكذلك حضَّنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على هذه الخصلة العظيمة، التي هي من خصال الإيمان فقال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلمٌ.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذُّرْوةَ في هذه الصفة الحميدة، وكذلك كان الجيلُ الأوَّلُ من أصحابه صلوات ربي وسلامه عليه؛ فيضرِب لنا الفاروقُ رضي الله عنه مثلًا لتحقُّقِ تلك الخَصلَةِ في هذا الجيل المؤمنِ فيقول:
«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟»، قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» أخرجه أبو داوود والترمذيُّ.
فها هو رمضانُ شهرُ المسابقةِ إلى الخيرات، والمسارعةِ إلى الطاعات، فهل تسابقت مع إخوانك في طاعة الله كما كان يفعلُ هذا الجيلُ المبارَكُ؟!
ولِمَ لا تكون عاليَ الهِمَّةِ في طلبِ رضوانِ اللهِ تعالى، فتكونَ مثلَ هذا الصحابيِّ الجليلِ الذي كان يخدُمُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على جميلِ خُلُقه، وحميدِ خِصالِهِ فقال له: «سَلْنِي». فَلَمْ تكنْ همَّةُ هذا الصحابيِّ الجليلِ كَهِمَّةِ كثيرٍ منَّا مِمَّن يرغبون في متاع الدنيا الزائل، ويرغبون عن متاع الآخرة الباقي، كان طلبُ هذا الصحابي دالًّا على مسارعته في طلب العوالي من الأمور، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ: «أسألُكَ مرافقَتك في الجنَّة». فبيَّن له رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أن طريق الوصول إلى هذه المنزلة لا يُنالُ بالكسَلِ، ولا يُدْرَكُ بالرَّاحةِ، بل بالمسارعة إلى فعل الخيرات، والإكثار من الطاعات فقال: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رواه مسلمٌ.
فاحْرِصْ في شهرِ الصَّومِ خاصَّةً ألا يأتيَ أَحَدٌ يومَ القيامةِ بأفضلَ مما جئت به من الأعمالِ الصَّالحاتِ، وتَذَكَّرْ الفردوسَ الأعلى وما أعده الله للصالحين فيه، إن أردت القُربَ من الله عَزَّ وَجَلَّ ومرافقةَ رسولِه صلى اللهُ عليه وسلَّمَ في أعالي الجنات، وكن كَحَفِيدِ الصَّالحين زينِ العابدينَ علِيٍّ رضِي اللهُ عنه، والذي كان يحملُ على ظهره أَجْرِبةَ الدَّقيقِ ويضعُها أمامَ بيوت الفقراء والمحتاجين من أهل المدينةِ دون أن يدريَ أحَدٌ أنه هو الفاعل، فلما ماتَ وانقطع وصولُ هذه الخيراتِ إلى هؤلاء الفقراء علِموا أنه هو القائم بهذا العمل العظيم، الذي يجسِّدُ قولَ الله تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد:21].
فاعمل في شهرِ الصَّوْمِ على إظهار الحميد من الصفات، وتقديمِ المساعدةِ للفقراءِ والمساكينِ، واحتسِبْ أجرَك عندَ اللهِ عز وجل، واقْتَدِ بهؤلاء الصالحين تكنْ من الفالحين، وصدق الشاعر حينَ قال:
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونوا مِثلَهُمْ ** إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرامِ فَلاحُ
 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.