الشبهة: دعوى معاداة الإسلام لمخالفيه وتعصبه ضد العقائد الأخرى.
الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فدعوى بعض المغالطين أن الإسلام دينٌ يعادي الملل والعقائدَ الأخرى، ويدعو إلى التعصب والانتقام من مخالفيه، ويستدلون على هذا بتصنيف الناس إلى مسلمين وكفار، في إشارة إلى رفض الآخر ورفض التعايش معه بل وإهانته، غير صحيحة؛ فإن الإسلام يقف من غير المسلمين – في حالة السلم- موقف الأمان، بل إنه لم ينه عن البر بأهل الكتاب ما داموا لم يقاتلوا المسلمين، وإنما نهى عن بر الذين يقاتلون المسلمين في دينهم، وأخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم فقال جل شأنه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8-9].
ونهى القرآن الكريم عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، فقال الله جل شأنه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64].
بل أمر الإسلام بالوفاء بالعهد حتى مع المشركين، فقال جل شأنه: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4].
بل لو طلب المشركُ من المسلم أن يجيره فعليه أن يجيره، بل ويبلغه مأمنه، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6].
فتبيَّن من ذلك أن أدنى تأمُّلٍ في عقيدة الإسلام وتشريعاته الحكيمة يوضِّح أن الإسلام دينُ الرحمة والتسامح وإفشاء السلام وهداية الناس إلى الخير والصلاح، وليس فيه ما يحض على الكراهية والعداء؛ مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
حتى إن الحربَ في الإسلامِ لها ضوابط وأخلاقياتٌ؛ فهي حربٌ شريفة بعيدةٌ عن الاعتداء والجَوْر، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل المعاهَدِ والمسالِم الذي لم يحمل السلاح في وجه المسلمين، وتوعد من يخالف ذلك بأنه لن يشمَّ رائحةَ الجنة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» أخرجه البخاري.
وهذا إن دلَّ فإنما يدل على سماحة الإسلام وقدرته على التعايش مع كافة المعتقدات في ظل عدل الإسلام وشموليته لكافة جوانب الحياة.
هذا، والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.