فقهيات

20 مايو, 2018

الصوم والكرم

الصوم والكرم

(رمضان كريم).. كلما جاء رمضان ترددت على ألسنة الناس هذه الجملةُ التي توحِي بأن الكرمَ مرتبطٌ كلَّ الارتباط بشهر رمضان، ولا عجب في ذلك؛ فإن الخيراتِ فيه تتوالى، والحسناتِ فيه تتضاعف، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم كان في رمضانَ كثيرَ العطاء عنه في غيره – وأيامُهُ كلُّها عطاءٌ صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى الإمامُ البخاريُّ رحمه الله عن سيدنا عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».

لقد مثَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم المثلَ الأعلى، والقدوةَ الحسنةَ في الجود والكرم، فكان متخلِّقًا بأخلاق الله الجوَّادِ الكريمِ، الذي قال عنه: «إنّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَادٌ يحِبُّ الجُودَ ويحِبُّ معَالِيَ الأَخْلاقِ ويَكْرَهُ سَفْسافَها« أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وحسَّنَه.

قال المُناوي: («إنّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَادٌ» أي كثير الجود أي العطاء «يحِبُّ الجُودَ» الذي هو سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يُحمد من الأخلاق، وهو يقرب من معنى الكرم، والجود يكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء بالدنيا والسماح)اهـ.

وقد بلغ صلى الله عليه وسلم مرتبةَ الكمالِ الإنسانيِّ في حُبِّهِ للعطاء؛ إذْ كان يُعطي عطاءَ من لا يحسِب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقةً بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنه هو الرزَّاقُ ذو الفَضْلِ العظيمِ، عن سيدنا أنسٍ رضي الله عنه متحدِّثًا عن كرمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ [أي: أغنامٍ كثيرةٍ] بَيْنَ جَبَلَيْنِ مَنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ، قَالَ: فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ» رواه مسلمٌ وأحمد واللفظ له.

فرمضان محطةُ الجود والكرم، وصومُه دافعٌ للاجتهاد ورفع الهمم، فكما يبذلُ الإنسانُ جُهدًا بمنع نفسه عن الطعام والشراب والشهوة، فإنه يُعَلِّمُ الإنسانَ أن يبذُلَ جهده في حث نفسه على الجود والعطاء، ويأتي هذا التوجيه من حضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قال: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرُهُ، إِنَّهُ لَا يَنْتَقِصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» أخرجه النسائي. فحين يعطي الصائمُ غيرَه فيَسُدُّ رمَقَه ويروي عطَشه، ويكفيه ذُلَّ الحاجةِ والسؤالِ فإنه بذلك يكون قد حقق مقصَدًا ساميًا من مقاصد الصوم، وفتح بابًا له إلى الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى القرب منه، وحاز من الأجر والثوابِ مثلَ الذي حازه مَن جاد عليه وقامَ بتفطيره، ومن أراد أن يجودَ اللهُ عليه فلْيَجُدْ على عبادِ الله، فقد صدقَ وعدُ الله حين قال: «أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» أخرجه البخاري.

فهلمُّوا إلى البذل والإنفاق، والجود والإكرام، وافتحوا لأنفسكم أبوابَ القربِ من رب الأرباب بالجود على المحتاجين من العباد، فلعلَّ صدَقةً  تخرجها بالإخلاص تنجيك من العذاب يومَ المَعاد. 

 


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.