Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - التسوية في الميراث.. مبررات وردود (3/3)
| 02 يونيو 2024 م

التسوية في الميراث.. مبررات وردود (3/3)
Anonym

التسوية في الميراث.. مبررات وردود (3/3)

تناولت في مقالتين سابقتين جملة مبررات ساقها مَن ينادون أو يؤيدون إقرار أحكام أخرى غير التي جاءت بها آيات محكمات في إطار ما يسمى بالتسوية بين النساء والرجال في المواريث.

ويتبين بما عرضته هناك بطلان التأصيل الفقهي الذي حاوله مَن يتبنون التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث، فضلًا عن أن التسليم بما ساقوه يحل المشكلة التي ادعوها وروجوا لها فيما يتعلق بالمرأة وأخيها فقط دون بقية النساء، كالأم والجدة والأخوات والزوجات، فبماذا سيبررون لتسويتهن بغيرهن من الرجال، أم تراهم سيتركونهن على حالهن فيأخذن أنصبتهن التي وردت لهن في كتاب الله، ويكتفون بتسوية المرأة بأخيها فقط؟! إن كانت الأولى فهذا تفريق بلا مفرق، وإنصاف مزعوم لبعض النساء دون بعضهن، فإذا كانت البنت التي أخذت نصف أخيها - وهو ما يعادل ثلث تركة الأب - أنصفها هؤلاء بإعطائها نصف التركة، فماذا عن الأم التي تأخذ ثلث التركة في أفضل أحوالها، في حين يأخذ الأب ضعفها متى كانت التركة بينهما؟! وماذا عن الأخت من الأم التي تأخذ سدس التركة، في حين يأخذ الأخ الشقيق الذي هو أخوها من الأم أيضًا الباقي، وهو يعادل نصيب أخته خمس مرات وليست مرتين فقط؟! هل سيتركونها كذلك أو سينصفونها ويسوون بينها وبين الأخ الشقيق للميت؟! وماذا عن الزوجة التي تأخذ ثمن التركة فقط، في حين يأخذ ابن الميت سبعة أضعافها؟! هل سيسوون بينهما أو سيتركونها مع هذا التباين الكبير بينها وبين ابن الميت؟! وماذا عن الجدة التي تأخذ سدس التركة، في حين يأخذ مساويها الجد لأب خمسة أضعافها؟! لم يقل هؤلاء ماذا سيفعلون في حالات هؤلاء النسوة وغيرها من الحالات الكثيرة جدًّا!

إن هذه التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث التي يزعم أصحابها أنهم يقصدون بها الإنصاف، على ما في هذا اللفظ من تجاوز خطير في حق الله عز وجل مباشرة يوحي بأنه لم ينصفها - حاشا لله - هذه التسوية بهذا القصد، تكذبها عشرات الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من رجال معها في نفس التركة، وحالات ترث فيها مثل الرجل تمامًا، وأخرى ترث فيها ولا يرث مساويها من الرجال.

فمن الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أنه لو ماتت امرأة وتركت زوجًا وبنتًا، يكون نصيب الزوج ربع التركة لا غير، في حين تأخذ البنت ثلاثة أضعافه؛ النصف فرضًا والباقي ردًّا، فما موقفهم من مثل هذه الحالة؟! هل يقبلون إنصاف الرجل هنا ليتساوى مع المرأة، أو أن الإنصاف لا يكون إلا للنساء فقط؟! وإذا مات شخص وترك بنتين وأبًا وأمًّا، فإن نصيب البنتين هو ثلثا المال، في حين يكون نصيب الأب - وهو رجل - سدس التركة ولا يستفيد شيئًا من التعصيب، ويكون نصيب الأم سدسًا أيضًا، فهل سينصفونه ويسوونه بواحدة من البنتين؟! وهل سينصفون الأم صاحبة السدس وهي امرأة مثل بنات الميت، أو سيتركونها بسدسها، في حين يكون نصيب كل واحدة من البنتين الثلث؟! وإذا مات رجل وترك جدًّا لأم وجدة لأم، فإن التركة كاملة ستؤول للجدة، في حين لا شيء لزوجها الذي هو جد للميت مثلها، فهل يرون الجد لأم مظلومًا ويشركونه مع الجدة لأم التي أخذت كامل التركة؟! وهل يرونها ظلمت هنا حين أخذت كامل التركة ولم يأخذ مساويها من الرجال شيئًا؟! والأعجب من ذلك أنه لو مات رجل وترك بنتَ ابنٍ وابنَ بنتٍ، فإن التركة كلها تؤول لبنت الابن، ولا يستحق ابن البنت شيئًا إلا عن طريق الوصية الواجبة.

وهل يعلم هؤلاء أن فرض الثلثين - وهو أكبر فرض يرث به ورثة على الإطلاق - لا ترث به إلا النساء المراد إنصافهن، فهو لا يكون إلا لصاحبات الحالات الأربع التي يرون أن نصيب المرأة فيها يحتاج إلى زيادة لتتساوى مع أخيها، وهن: البنات وبنات الابن والأخوات الشقيقات والأخوات لأب؟! فإذا كانت الواحدة منهن مع وجود أخيها تأخذ نصفه، فإنها إذا وجدت معها أختها ولم يكن لهما أخ أخذتا ثلثي التركة، ولا يكون هذا الفرض لأي عدد من الأبناء أو غيرهم من الرجال. وهل يعلم هؤلاء أن وجود البنات في بعض المسائل أفضل نصيبًا من وجود الأبناء؟! فلو مات رجل وترك عشرة أبناء أو أكثر وأبًا وأمًّا وزوجة، فإن نصيب الأب السدس، ونصيب الأم السدس، ونصيب الزوجة الربع، والباقي للأبناء، وهو أقل من نصف التركة، في حين أنه لو كان هناك بنتان فقط مكان الأبناء العشرة لأخذتا ثلثي التركة، ومن ثم يكون نصيب البنتين أفضل من نصيب هذا العدد الكبير من الأبناء الذكور.

إن هذا المقام لا يسعفنا للاسترسال في استقصاء المسائل التي تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر، أو ترث هي ولا يرث هو، وربما إذا اطلع على هذا أصحاب التسوية بين المرأة والرجل في الميراث؛ لعلموا أن المرأة أنصفها نظام المواريث في الإسلام أيما إنصاف، وأنهم يظلمونها ظلمًا بيِّنًا من حيث يزعمون إنصافها، فليتقوا الله في النساء، وليبتعدوا عن العبث بكتاب الله وأحكام شرعنا الثابتة، وإن كانوا ممن يريدون إنصاف النساء حقًّا، فليجتهدوا في تغيير ثقافة المجتمع وإقناع الناس - ولا سيما في صعيدنا - بإعطاء النساء حقهن الذي أمر به كتاب الله تعالى وحذر من منعهن إياه!

 

الموضوع السابق وكيل الأزهر: جهود الإمام الأكبر في 2018 عكست قيَمَ التسامح والسلام العالمي
الموضوع التالي حصاد الجامع الأزهر في عام 2018.. روعة المعمار تعانق وقار العلماء
طباعة
20290



حقوق الملكية 2024 الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg