كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، و كان أحب أمواله إليه بيرحاء، و كانت مستقبلة المسجد، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها و يشرب من ماءٍ فيها طيب .
قال أنس: فلما نزلت هذه الآية "لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ" آل عمران 92
قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله؛إن الله تبارك و تعالى يقول : " لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ"
و إن أحب أموالي إلي بيرحاء ،
وإنها صدقة لله أرجو برها
وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله" فقال صلى الله عليه وسلم : بخ أبا طلحة ،ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، قبلناه منك ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين " فتصدّق به أبو طلحة على ذوي رَحِمِه.
يحمل هذا الموقف الإيماني دروساً إيمانية تقربنا إلى الله تعالى.
الدرس الأول: فقه الأولويات : فالمؤمن يراعي ترتيب الأعمال مقدماً الأولى فالأولى، و الصلاة عبادة عظم الله شأنها ، وجعل لها المقدمة بين أعمال الخير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " أخرجه البخاري.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالتبكير في أداء الصلاة ؛ لأن الصلاة في أول الوقت تستجلب رضوان الله تعالى . الدرس الثاني :تعظيم شعائر الله تعالى ،و هذا شأن المؤمن مع أوامر الله تعالى، فلقد مدح الله هذه الفضيلة في أهل الإيمان ،
وجعلها علامة على صحة القلب
وصدق إيمانه ، قال الله تعالى : "ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ" الحج 32
لذا نرى من أهل الإيمان المسارعة الفورية في شأن العبادات استجابة لأمر الله تعالى .
الدرس الثالث: شعور المؤمن بالتقصير يحمله على تصحيح الأخطاء.
و في الحديث الشريف :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ،
وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه" أخرجه البخاري.
و في موقف أبي طلحة فإنه يبكي لما أخذه النسيان بسبب الانشغال بفلاحة الحديقة حتى غروب الشمس ، ولم يكفه البكاء؛ بل لام نفسه قائلاً :لقد هلك أبو طلحة .
ما هذا الأدب الكريم مع النفس الذي تربى عليه الصحابة في حجر النبوة؟!!
الدرس الرابع:اتْبَاع السيئات بالحسنات:
فقد جعل أبو طلحة الحديقة التي شغلته عن صلاة العصر لله ،حيث إنه التفت في صلاة العصر منشغلاً بحديقتة، ومن أجل ذلك جعل الحديقة صدقة لله تعالى ؛ حرصاً على مرضاته ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم ، و هكذا يكون حال المؤمن يقظاً حذراً من الزلات
والهفوات والذنوب والأثام ، حريصاً على فعل الخيرات،
وعلى مرضاة الله تعالى ، كما يبادر بالحسنات لتكون كفارة للسيئات .
الدرس الخامس: مرجعية السنة النبوية كمعيار إيماني للمسلم: فأبو طلحة قد عرض عمله على النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
نعمة محمد مصطفى الشنشوري
منطقة وعظ جنوب سيناء