الجماعات المتطرفة

 

21 أغسطس, 2017

هل هناك عَلاقة بين الإرهاب والأديان؟

 خلق اللهُ سبحانه وتعالى الإنسان وجعله خليفته في الأرض وأمره بعبادته وإعمار الكون، ولكن بعض البشر لم يلتزموا بهذه الغاية ولم يؤدوا حقها فنزعوا إلى التدمير والخراب. 
وجعل الله سبحانه وتعالى الاختلاف سنة في خلقه، حيث إن التنوع والاختلاف في الدين واللغة والعرق والجنس سمة أساسية للبشر كافة أرادها الله هكذا في خلقه، ولكن البعض أيضًا لم يُراعِ ذلك في التعامل مع الآخَر، وتعصب إما لدينه أو جنسه أو معتقده، وخالف هذا المنهج القويم. وقد جاءت التشريعات السماوية المختلفة لهدفٍ واحدٍ؛ وهو عبادة الله والتراحم والتسامح بين الناس أجمعين، وذلك من منطلق أن جميع الأديان على اختلافها تدعو إلى المودة والتآخي في الإنسانية، التي تُعتبر الوعاءَ الواحد الذي يستوعب الجميع وتصب فيه جميع الأطياف البشرية على تعدديتها وتنوعها. 

Image

 

وقد أمر الله سبحانه تعالى مخاطبًا جميع المسلمين أن يعاملوا الخلق جميعًا بالحسنى، بغض النظر عن ألوانهم أو دينهم أو جنسهم، حيث قال تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا".
وفي ظل هذا النظام الكوني الذي أراده الله لعباده، خرج المتطرفون عبرَ الأزمنة والأماكن المختلفة ليُحرّفوا ما جاءت به التشريعات السماوية؛ بغرض تشويهها واستمداد شرعية زائفة من خلالها محاولين إيجادَ تسويغٍ لأعمالهم الإجرامية التي تُنكرها جميع الأديان والعقول السوية. ورغم تعدد هذه الجماعات واختلاف مسمياتها وأماكنها، إلا إن مقصودها الإجرامي وغرضها الدنيء واحد. 
وقد رفع هؤلاء المجرمون الدينَ شعارًا لهم ولَبَسوا على الناس النصوصَ الدينية واقتطعوها من سياقاتها؛ طامحين إلى كسبِ عناصرَ مؤيدةٍ لأفكارهم الضالة ونزعاتهم المنحرفة لتصبح مخططاتهم الخبيثة على أرض الواقع فعلية، ولكي يحققوا مكاسبَ ماديّةً وسلطوية، والتي دائمًا ما تكون هي مأربهم.   
ومما لا شك فيه أن الإرهاب لا عَلاقةَ له بأيِّ دينٍ، وهناك الكثير من الأدلة التي تؤكد ذلك، وفي هذا المقام يحضرنا تأكيد فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وكذلك البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وهما أكبر قامتين دينيتين يُمثّلان الإسلام والمسيحية في العالم؛ أن الإرهاب لا عَلاقة له بالإسلام ولا بأيِّ ديانةٍ أخرى، وأن التعامل بين الناس قائم على التسامح. 
ومع ذلك، لم نعدم من يُلصق تهمة الإرهاب بالإسلام وحده، ونَذكر هنا مقولة شيخ الأزهر التي توضح الهجمة الشرسة على الإسلام في وصمه بالإرهاب من خلال أعمالِ فئةٍ ضالّةٍ من المنتسبن إليه، في حين أن الأمر ذاتَه لم يحدث مع المسيحية أو اليهودية أو مع أيِّ مُعتقَدٍ آخَرَ رغم وجود متطرفين أيضًا من المنتسبين إليها، فقال فضيلته في مؤتمر السلام الذي عُقد مؤخرًا في القاهرة بحضور البابا فرانسيس: "فبينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينين الإلهيين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورتِه حتى هذه اللحظة.. نعم! لقد مرّت بسلامٍ أبشعُ صورِ العنف المسيحي واليهودي في فصْلٍ تامٍّ بين الدِّين والإرهاب". 

Image

 

كما صرّح بابا الفاتيكان بأن الإرهاب المسيحي غير موجود والإرهاب اليهودي غير موجود كما أن الإرهاب الإسلامي لا وجود له أيضًا، فجميعهم لا عَلاقة لهم بالإرهاب. ويتضح لنا هنا أن كلتا القامتين الدينيتين نَفَتا وجود أي صلة بين الإرهاب والديانات بوجه عام، وفي الوقت ذاته أوضحتا ضرورة عدم تحميل الإسلام ما ليس فيه من افتراءات وأكاذيب تُحاك ضده لتحقيق مصالح خاصة لأعداء الإنسانية، والذين لا يألون جهدًا في تمويل كل الجهات التي تخدم ترويج هذه الفكرة على المستويين المحلي والعالمي. 
وفي السياق ذاته؛ يقول "شيما خيل" وهو أحد الخبراء الإسبان في مجال مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي: إنه من الخطأ استخدام تعبير "الإرهاب الإسلامي" أو "الإرهاب المسيحي" أو حتى البوذي، حيث إن هناك عددًا من الميليشيات المسيحية ترتكب اعتداءاتٍ إرهابيّةً في إفريقيا الوسطى، وهناك ميليشيات بوذية أخرى في "ميانمار" تعتدي على مئات المسلمين هناك، ومع هذا لم يتمّ وصفُ ديانةِ أيٍّ من هذه الجماعات بأنها إرهابية، إذًا؛ فحقيقة الأمر أن الإرهاب عمل إجرامي يَنمّ عن فكرٍ منحرف ولا عَلاقة له بأي دين. وأضاف: أن ربط الإرهاب بأي دين هو بمنزلة انتصار يتحقق لهذه الجماعات الإرهابية؛ فتعريف الإسلام بالإرهاب والمسلمين بالإرهابيين أمرٌ غيرُ عادل، علاوةً على كونه تعاونًا يخدم أهواء وأغراض المتطرفين أنفسِهم.  

Image

 

من خلال ما سبق؛ تنبغي التوعية بهذا الأمر ومضاعفة الجهد من أجل ما نرى، وهو أنه من الواضح للقاصي والداني أن مثل هؤلاء الأشخاص المنصفين الذين يحتكمون إلى العقل في إصدار أحكامهم ولا تحركهم الأهواء يرَوْن أن الأمور التي تؤكد انتفاء عَلاقة الإرهاب بالدين واضحةٌ جلية، كما أن الفكر الإرهابي هو فكرٌ شيطاني لا يراعي دينًا ولا ثقافة ولا جنسًا، بل يُمثّل مجموعة من الأهواء والأغراض يحركها أصحاب المصالح، وينتهجها المرتزقة؛ فيا بؤس هواهم ويا قبح مقصدهم!!

وحدة رصد اللغة الإسبانية