الجماعات المتطرفة

 

16 أكتوبر, 2017

الفقر والجهل جذور للتطرّف يجب استئصالها

   لم يصل عالمنا المعاصر للحالة التي هو عليها الآن من فراغ، بل ثمّة مقدّمات وعوامل كثيرة ضربت مجتمعاتنا في العمق منذ زمن ولكنّ أحدًا لم ينتبه لذلك، فقر وجهل وتهميش تأتي على رأس تلك العوامل التي تدفع العالم نحو الهاوية، هاوية التطرّف والإرهاب حيث تتدفق شلالات دماء الأبرياء الذين لا ذنب لهم، وتتناثر أشلاء ضحايا من أطفال ونساء وشيوخ، وترتجف أركان البلدان من شدة الترويع الذي يروّج له المتطرفون، هم قبل كل شيء ضحايا للفقر والجهل وقلة الوعي والتهميش، ضحايا تلقفتهم أياد خبيثة وجعلت منهم سيوفًا تضرب بها أعناق الآمنين، وقذائف تدمّر بها أحلام الآمنين المسالمين، وفزّاعة ّحوّلت كثيرًا من بلدان العالم من هدوء واستقرار إلى فوضى وصراعات ودمار.

من هنا يأتي الخطر

إن الناظر لحال العالم اليوم لا يجد عناءً في تشخيص المرض العضال الذي ألمّ به، وإنّما الأزمة في العلاج لا في التشخيص، فالتقارير كثيرة والبيانات عديدة والاقتراحات لا حصر لها والتحالفات متواصلة، ومع كل ذلك يمضي سرطان التطرّف والإرهاب في طريقه حاصدًا أرواح مزيد من الأبرياء ومجنّدًا كل من يتمكن من الوصول إليه باستخدام كثير من المؤثرات وعلى رأسها الفقر والجهل والتهميش، فهذا شاب خرج يبحث عن مصدر دخل يسد فقره فوجد أيادي رعاة الإرهاب ممدودة له بالمال فأقبل عليها، وهذا آخر راح يبحث عن هويته وذاته فتلقفته أيادي مصدّروا التطرّف بالعناية والتمكين، وذاك ثالث غدا بلا علم يسعى في الأرض يقبل كل ما يسمع – تحت شعار الدين – فتتلقاه دعوات المتطرفين وتدعوه لما أسموه جهادًا وأقنعوه – بالباطل – أنه يقاتل في سبيل الله، وأن ما خلا ذلك كفر، ومعهم رابع خرج من مجتمع لا يشعر فيه بذاته ولا يجد فيه نفسه وانتابه اليأس من تحقيق طموحه في أرض وجد نفسه فيها غريبًا غير معتبر بوجوده أو عدمه فاستقبلته الجماعات المتطرّفة بالرعاية ومنحته ثقةً طالما بحث عنها، بل وأعطته فرصةً ذهبية لتحقيق آماله وطموحاته شريطة السمع والطاعة.
إن أمثال هؤلاء النماذج الأربعة لا يجدون غضاضةً في القتل أو التخريب ما دام ذلك يرضي حاجاتهم ويسدّ ما اعتراهم من نقص، ففاقد المال يفعل أي شيء للحصول عليه وفاقد العلم يسير خلف أي ركب دونما وعي أو إدراك لما سيفضي به الطريق، وفاقد الهوية ومنعدم المسئولية يدخل أي مكان يشعر فيه بذاته ويفعل أي شيء يمليه عليه من يمنحه ثقةً ظل يبحث عنها كثيرًا، ومن هنا يأتي الخطر.

Image

مجتمعات إفريقية بين فكّي الفقر والتطرّف

وبنظرة أكثر قربًا للمجتمعات الإفريقية التي تعاني ويلات التطرّف والإرهاب، لا سيما في شرق القارة حيث نشاط تنظيم القاعدة ونسله الخبيث؛ "حركة الشباب"، وفي الغرب حيث حلم تنظيم داعش بتأسيس ولاية غرب إفريقيا في دولة الخلافة المزعومة من خلال جماعة "بوكو حرام"، نجد أن الشباب المنضم لهاتين الجماعتين لا يخرج عن أن يكون أحد النماذج الأربعة المذكورة آنفًا، وإن كان الفقر أوسع الأبواب التي تتسلل منها تلك الجماعات لعقول الشباب، وترتكز عليها في التأثير عليهم لفاقتهم وعوزهم، إذ يعدّ الفقر أرضاً خصبةً تعمل الجماعات الإرهابية على غرس بذور التطرّف فيها وترويها بدماء الأبرياء من خلال اللعب على وتيرة الفاقة والعوز وتلبية احتياجاتهم، ومن ثمَّ العمل على تجنيدهم ضمن صفوف تلك الجماعات، كما أن الجهل والأمية غالباً ما يتولدان من رحم الفقر، الأمر الذي يترتب عليه خلق أجيال غير متعلمة تكون لقمةً سائغةً في أيدي تلك الجماعات فتقذف بها أنى تشاء دون أدنى وعي أو تفكير.

 


وهذا ما أكده أحد التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعروف بـ(UNDP)؛ حيث كشف التقرير عن أن الفقر والحرمان بإفريقيا من الأسباب التي دفعت عددًا من شباب القارة للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية مثل بوكو حرام وداعش والشباب والقاعدة وغيرها من التنظيمات المسلحة، ولفت البرنامج إلى أنه أعد التقرير من خلال عقد لقاءات على مدار عامين مع 495 شخصًا انضموا لتنظيمات متطرّفة. وحذّر التقرير من خطورة الضعف الذي تعانيه القارة السمراء في مواجهة التطرف المؤدي للعنف، لافتًا إلى أن نصف سكان إفريقيا يعيشون تحت خط الجوع. كما ذكر التقرير أن البطالة تلعب دورًا في دفع الشباب إلى أحضان التنظيمات المتطرفة؛ أما المنضمون للتنظيمات المتطرفة لأسباب دينية فذكروا أنهم أدركوا أن هذه الجماعات لا علاقة لها بالدين، فيما قال بعضهم أن الظروف الاقتصادية، كانت أكثر تأثيرًا من الأيديولوجية الدينية في انضمامهم لتلك التنظيمات.
وعلى صعيد آخر ذكر تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) أن بعض النساء في شمال شرقي نيجيريا اخترن الانضمام طواعيةً إلى جماعة بوكو حرام المتطرّفة، أملاً في حياة أفضل، نتيجة إحباطهن بسبب الفقر والتمييز.
فيما نقلت مؤسسة “تومسون رويترز” عن مدير مجموعة(ICG)  في غرب إفريقيا، رينالدو دوبانيه، قوله: "هذا الواقع يعكس اليأس الكبير لدى كثير من النساء في نيجيريا، وفشل المجتمع في شمال شرق البلاد".
إن التطرّف شجرة خبيثة تمتد جذورها في أرض الفقر والجهل والتهميش فتنبت قتلًا وتشريدًا وترويعًا وتخريبًا للديار، بل والمجتمعات، ويزكي هذه الشجرة ويرويها غارسو الفتنة ومؤجّجو الكراهية بين الناس والأديان بسبب نسبة كل ما هو متطرّف للأديان – والأديان منها براء -، وعلينا أن نبذل مبلغ جهدنا حتى نجتث تلك الشجرة ونستأصل وننأى بأنفسنا وعالمنا عن أن تصيبنا أشواكها. ومما يساعد على ذلك تجفيف منابع تلك النبتة وقطع جذورها بإيجاد حلول للمشكلات التي من شأنها خلق بيئة مناسبة لنمو التطرّف فالقضاء على الفقر وتحقيق العدل الاجتماعي ونشر الوعي والفهم الصحيح ومنح الشباب فرصهم للتعبير عن أنفسهم والسعي لتحقيق طموحاتهم وآمالهم التي هي جزء من آمال وطموحات الأمة كل ذلك سبيل للتخلّص من الإرهاب والتطرّف والقضاء على لعنة العنف التي يعاني منها العالم.

 

Image

ومن هذا المنطلق ينادي مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف بضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل مساعدة البلدان الإفريقية التي تعاني ويلات النزاعات الطائفية والعرقية والإرهاب، من خلال تقديم الدعم الكافي للحكومات الإفريقية للمساهمة في التغلب على هذا الداء وتذليل العقبات التي تقف أمام هذه المجتمعات حائلًا دون القضاء على أسباب التطرّف وتقديم حلول ناجزة له. كما يشير المرصد إلى ضرورة احتواء العائدين من هاوية التطرّف والناجين من براثن الجماعات الإرهابية ووضع خطة للتعامل معهم بما يؤهلهم لاستعادة دورهم في مجتمعاتهم فما أن يشعر الإنسان بأن له دور يؤديه إلا ويسعى جاهدًا لتحقيقه.

  وحدة رصد اللغات الإفريقية