الجماعات المتطرفة

 

07 مارس, 2018

"حركة الشّباب " .. القاضي والجلّاد في أرض الصّومال

     لم تترك حركة الشّباب الصومالية باب خراب ودمار إلا وطرقته، ضاربةً بتعاليم الدّين الإسلامي الحنيف ومبادئ الفطرة الإنسانية السليمة عُرض الحائط، مردّدةً مزاعم وشعارات ظاهرها الرّحمة والعدل وباطنها الإجرام والعنف الوحشي.

فها هي تلك الحركة الإجرامية التي جعلت من شرق القارة الإفريقية مرتعًا لها تطالعنا بين حين وآخر أخبارها مؤكدة أنّها حركة لا تعرف عن الإسلام إلا اسمًا تتشدّق بالدّفاع عنه، ولا تعي من شريعته إلا أحكامًا وحدودًا تتذرّع بتطبيق مبادئها من خلال جرائم لا تقبلها شريعة ولا يقرّ بها دين.

فقد نسيت هذه الحركة أو تناست أو ربما جهلت أن الإسلام ماجاء إلا لإسعاد البشرية جمعاء عربهم وعجمهم على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وإخراجهم من ظلمات الجهل والبغي والكفر إلى نور العلم والعدل والإيمان، ما يجعلنا نجزم بأنّ هذه الحركة ما هي إلا أحد معاول هدم الإنسانية وتشويه الدّين الإسلامي السّمح، فهي في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر.

 

وخلال متابعة وحدة رصد اللغات الإفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف لجرائم هذه الحركة، رصدت ما قامت به الحركة منذ بضعة أيام؛ حيث نفذت حدّ السّرقة على شخصين اتهمتهما الحركة بارتكاب السّرقة في ميدان عام ببلدة "كونيابرو" بإقليم شبيلي السفلى جنوبي العاصمة الصّومالية مقديشو.

 الأمر الذي دأبت الحركة على القيام به من خلال تنفيذ أحكام مختلفة بحقّ سكّان المنطقة الخاضعة لسيطرتها بتهمة التجسّس أو ارتكاب مخالفات، وكأنّ هذه الحركة منحت نفسها صكّ إقامة الحدود في الأرض ونصّبت نفسها وصيّةً على إقامة الشريعة وتطبيق أحكامها.

وثمّة سؤال يطرح نفسه هنا: من أعطى هذه الحركة الحق في إقامة حدود الله؟! ألا تدرك تلك الحركة أنّ الحدود ما شرعت إلّا لضمان حقوق البشر وإقامة العدل في الأرض وفق ضوابط وشروط حدّدتها الشريعة الغرّاء؟! ألم تقرأ هذه الحركة أنّ من أغراض إقامة الحدود نشر الأمن والأمان في المجتمع، وحفظه من الفساد والفوضى؟!

إنّ ما تقوم به هذه الحركة تحت زعم تطبيق الشريعة وإقامة الحدود، إنّما هو إفسادٌ باسم الإصلاح، وتدميرٌ باسم التعمير، وتنكيلٌ باسم التهذيب والتقويم، يُلبِسُ الدّينَ رداءَ العنفِ والوحشية ويكسو الشريعةَ كساءَ التجَبُّرِ والميل للتعذيب والتنكيل بدلًا من التبشير والتقريب. كما أنّ إقامة الحدود في الإسلام لها شروط إذا سقط شرطٌ واحد يسقط الحدّ، فقد قال نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المرويّ عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها-: "ادرَؤُوا الحدودَ عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مَخرج فخلُّوا سبيلَه، فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خير من أن يُخطئ في العقوبة"، فلا يقام الحدّ إلا بعد ثبوت ذلك ثبوتًا لا شبهة فيه ولا شك فيه، كما تضبط الحدود في الإسلام بضوابط وقيود منها: انتفاء أي شبهة في أن يكون المتهم بريئًا أو مُكْرَهًا أو مضطرًّا لارتكاب المخالفة الموجبة للحدّ،

والتاريخ الإسلامي زاخرٌ بمواقف مشهودة تتعلّق بهذه المسألة، ومن ذلك موقف الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - في عام الرّمادة، حينما عطّل حدّ السّرقة في ذلك الوقت بسبب المجاعة التي ضربت البلاد فكانت سنة مجاعة وشدّة غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسدّ به رمقه.

 ومما لا يخفى على أحد ما تمرّ به الصّومال من مجاعة وفاقة وعوز بسبب الفقر الذي تتحمل فيه الحركة النصيب الأكبر جرّاء عملياتها الإرهابية التي قضت على الأخضر واليابس. لم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل قامت الحركة بعد أيام من هذا الحادث بقتل قاضي ببلدة وانلاويني بإقليم شبيلي السفلى في جنوب الصّومال؛ في تحدٍّ صريحٍ للقضاة الذين لهم الحق في إصدار الأحكام الشرعية في مشهد غير متكرر؛ حيث ذكر شهود عيان أنّ مسلّحَيْن اثنين أطلقا النار على القاضي محمد جعفر أحمد على مقربة من منزله في البلدة.

 

ويرى مرصد الأزهر أنّ إقدام الحركة على مثل هذه الأعمال ليؤكد على خلو وِفاض هذه الحركة من أدنى معرفة بصحيح الدّين الإسلامي، الذي يمنع أتباعه من الإفراط أوالتفريط، ويؤكد المرصد على ضرورة مواجهة الفكر المتطرّف ونشر وسطية الإسلام جنبًا إلى جنب مع المواجهة العسكرية، كما يشدّد المرصد على ضرورة نشر الوعي بأنّ ما تروّج له هذه الحركة والجماعات المتطرّفة التي تسير على نفس نهجها - على النقيض تمامًا من حقيقة الدّين وجوهر العقيدة.

وحرصًا منه على الاضطلاع بدوره في تلك التوعية تجدر الإشارة إلى أنّ مرصد الأزهر بصدد إطلاق إصدار مرئي باللغة السّواحيلية أعدّته وحدة رصد اللغات الإفريقية بعنوان: "حركة الشّباب والقتل تحت مسمّى تطبيق الشّريعة" يتناول تفنيد المزاعم التي تستند إليها هذه الحركة في تنفيذ جرائم القتل والرّجم وقطع الأيدي والأرجل بدعوى تطبيق حدود الشّريعة والقصاص وغير ذلك من مزاعم واهية وادعاءات كاذبة.

 

وحدة رصد اللغات الإفريقية