القضية الفلسطينية

 

04 فبراير, 2018

قراءةٌ في مؤتمر الأزهر حول القدس

     لا ينفكّ الأزهر الشريف عن محيطه العربي والإسلامي والعالمي، حيث يتداخل مع كل الأحداث المهمة التي تضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ استشعارًا للمسئولية الجسيمة التي يتحمّلها أمام الله تعالى، وجموعِ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بل والعالَم أجمع.
والأزهر الشريف بما له من مكانة ضاربة في عمق التاريخ وعمق الوِجدان الإسلامي لا يتوانى عن تِبيان الحق، وبذل الوُسْع واستفراغ الجهد في إيصال رسالة الإسلام وجوهره إلى العالمين؛ ومن هذا المنطلق جاء حرص الأزهر الشريف على عقد مؤتمرٍ لنصرة القدس الشريف والمسجد الأقصى، منتهى مَسْرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومبتدأ رحلة معراجه إلى الحضرة الإلهية، بَيْدَ أن هذا الحرص لا ينبغي اعتباره اهتمامًا بمجرد بناء، بل هو حرصٌ على الحرية الدينية، وتأمين حقّ أتباع جميع الأديان في ممارسة شعائرهم الدينية دونما اضطهاد أو تقييد.
ومن خلال قراءة المشهد المحيط بعقد هذا المؤتمر الجليل، نجد أنه ضمّ ضيوفًا من نحو 86 دولةً حول العالم، من بين مختلِف الديانات والعقائد والمذاهب، سارَعوا جميعًا إلى تلبية دعوة الأزهر للمشاركة في مؤتمر نصرة القدس، وهذا يُبيّن ما لهذا الحرم المقدس من مكانة لا تخبو في قلوب البشر جميعًا، وما للأزهر من ثقل ومحبة في هذه القلوب التي وثقت في نبل الغاية وصدق الهدف، الذي ينشد إليه الأزهر الشريف المتمثل في إبقاء جذوة الوعي بهذه القضية المحورية في وِجدان شعوب الأرض قاطبةً، ومحاولة اتّخاذ خطوات جادّة لِلَمّ الشمل وجمع الكلمة بما يحقق الوَحدة اللازمة والضرورية لإنهاء هذا الوضع المأساوي الذي طال أمده.
وقد تنوّع المشاركون في المؤتمر؛ حيث ضمّ قادةً دينيين، وسياسيين بارزين، وإعلاميين، وحكماءَ من الشرق والغرب.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أكد شيخ الأزهر الشريف؛ أن المؤتمر "رُغم ثرائه الهائل بالعُقُول النيِّرَة والضَّمائِر اليَقِظة من شَرْقٍ وغَرب، قد لا يُتوَقَّع منه أنْ يضيفَ جديدًا ... لكن حسب هذا المؤتمر أنه يَدُقّ –من جديدٍ- ناقوسَ الخطَر، ويُشعِل ما عساه قد خبَا وخمد من شُعلَة العَزم والتصميم... على ضرورة الصُّمُود أمام العبث الصهيوني الهمَجِي في القَرن الواحِد والعشرين."
إن فضيلة الإمام بهذا التصريح يبعث رسالةً واضحة مُفادها: أن الخَطْب جلل، وأن أبعاده متشعبه، وأنه يتطلب جهودًا جبّارة على أصعدةٍ شتّى، إلّا أن هذا كله لا يُعفي أحدًا من المسئولية، سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، كما يؤكد فضيلة الإمام أن الصمود في وجه بربرية العدوّ الصهيوني هو السبيل لتحقيق النصر في نهاية المطاف؛ لأن "كلَّ احتلالٍ إلى زوالٍ، إنْ عاجلًا أو آجلًا، وإن بدا اليومَ وكأنه أمرٌ مستحيل".
لقد عبّرت كلمات المشاركين في المؤتمر جميعِهم عن حماستهم لنصرة القدس وتقديرهم للأزهر الشريف وما يبذله من جهودٍ على مختلِف الأصعدة؛ إلّا أن المؤتمر في الوقت ذاتِه كشَف عن مدى تجاهل الإعلام العالمي لهذه الجهود، ممّا يؤكّد أن هذا الإعلامَ مُوَجَّهٌ ومنحاز ضد الفلسطينيين، وداعمٌ للكِيان الصهيوني دعمًا مطلقًا.
ففي الوقت الذي تخطّى فيه عدد المتابعين على "تويتر" نصفَ مليار متابع، لم تكن متابعة الصحف العالمية واهتمامها بتغطية المؤتمر على مستوى الحدث أو حتى دون المستوى بقليل، فقد اكتفتْ صحفٌ عالميّةٌ شهيرة؛ مثل: النيويورك تايمز الأمريكية، والديلي ميل البريطانية، بنقل خبرٍ عن المؤتمر من وكالة "الأسوشيتد برس"، بدون أيِّ إضافةٍ أو تعديل، وكان محور الخبر الأساسي هو إبراز تصريحات الرئيس الفاسطيني في المؤتمر، وجاءت الإشارة إلى المؤتمر في نهاية الخبر فقط.
يُعَدّ مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس حلْقةً جديدة من حلقات الجهود المتواصلة التي يبذلها الأزهر الشريف على كافّة المستويات؛ من أجل تأكيد أن قيَم الإسلام العليا ومقاصدَه تتمثّل في: نشر السلام والتسامح والتعايش السلمي، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ورفع الظلم عن المضطهدين، وتفريج كربات المكروبين، والوقوف في وجه كل ظالم معتدٍ أثيم، ونصرة الحق. وبهذا يتّضح جليًّا؛ أن دعاة التطرف والإرهاب، سواء انتظموا في شكل جماعة أو دولةٍ عنصرية، ما هم إلّا مجموعةٌ من أدعياء التديُّن الذين لا تربطهم أدنى صلةٍ حقيقية بأي دين، سماوي كان أو غير سماوي؛ إذ إن الأديان كلها ما جاءت إلا للحفاظ على الإنسان وحفظ كرامته وآدميته.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية