تتابع وحدة الرصد باللغة العبرية ما تقوم به الولايات المتحدة ومسئولوها من استفزاز لمشاعر المسلمين، خاصّةً بعد نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، وما تبع ذلك من غضب إسلامي وعربي، لكن الولاياتِ المتحدةَ ومسئوليها لا يأبهون بذلك، ويواصلون تحدّي واستفزاز مشاعر المسلمين في العالم أجمع؛ حيث نشرت الصحف والمواقع العبرية صورة تُظهِر السفير الأمريكي في فلسطين المحتلة "ديفيد فريدمان" مبتسمًا، وهو يتسلم صورة ضخمة لمدينة القدس يَظهر فيها الهيكل المزعوم، وقد بُني على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، وذلك خلال جولته التفقدية لمعهد "إحياه: معهد ديني يهودي لمساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم"، والمُمَوَّل من قِبَل السفارة الأمريكية في مدينة التوراة والحسيدية "بني براك".
جديرٌ بالذكر؛ أن تسمية تلك المدينة تعود إلى عهد الآشوريين في فلسطين لمدينة قديمة تحمل اسم "بناي بركا".
وقد أظهرت الصورة "فريدمان" وهو يتسلم صورة تجسيدية للهيكل المزعوم محلّ المسجد الأقصى، وقد بدت على ملامحه الابتسامة والسرور، حيث علَّق أحد الحاضرين لحظةَ تسلم "فريدمان" تلك الصورة من قِبَل إدارة معهد "إحياه"، قائلًا: "كان من الممكن أن ترى الإثارة جليّةً على وجه السفير الأمريكي لحظةَ تسلمه الهدية".
يشار إلى أن السفير "ديفيد فريدمان" من أكبر الداعمين للاستيطان وبناء المستوطنات الإسرائيلية وراء الخط الأخضر ــــالخط الفاصل بين الأراضي المحتلة سنة 1948 والأراضي المحتلة سنة 1967ـــ حيث أسهم بمبلغ مالي كبير لإقامة مستوطنة "بيت إيل"، كما أن لديه اتصالاتٍ بالطائفة الإنجيلية التي ترى أن السيطرة اليهودية على الحرم القدسي رسالةٌ خَلاصيّة.
كما يحرص "فريدمان" على أداء طقوس الحج اليهودية، ويُعَدّ أحدَ المشاركين الدائمين في احتفالات بركة الكهنة وأعياد الفصح والمظلة، كما أن لديه صلة قوية بالطائفة الحريدية والمستوطنين في إسرائيل، وهو أحد القوى الرئيسة التي دفعت الرئيس الأمريكي "ترامب" إلى الوفاء بوعده الانتخابي، ونقْل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.
هذا، وقد توالت ردود الأفعال على تلك الصورة بعد نشرها على موقع "كيكار هشابات"، وهي صورة مستفزة لمشاعر المسلمين في العالم أجمع، حيث علّقت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية على الصورة بالقول: إنها من الصور غير المعتادة لدبلوماسي أمريكي يبتسم وكأنه راضٍ عن بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، حيث أشارت التعليقات الإسرائيلية إلى أن الابتسامة الواضحة في الصورة تعكس موافقةً واضحة من "فريدمان" على ما بداخلها.
كما أشارت تعليقاتٌ من بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية اليسارية إلى أن هذه الابتسامة تحمل في طيّاتها الكثير، مما هو قادم من مخاطرَ على الوضع في مدينة القدس.
ومن جهته؛ كتب عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة "أحمد طيبي"، على حسابه الخاص بـ "تويتر": "هذا المجنون يريد إحلال السلام، من الجيد أنك لم تضع السفارة أيضًا هناك".
في حين جاءت تعليقاتٌ يمينية متطرفة تؤيد السفير الأمريكي فيما قام به، وهي منشورةٌ في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، من بينها: "الأقصى خدعة؛ فليس له أهمية في الإسلام"، "ينبغي هدم الأقصى، ونقل أنقاضه إلى السعودية أو الأردن"، "المسلمون يكذبون كالعادة؛ فكل حروبهم دينية"، "بناية الهيكل ينبغي أن تكون حلمَ كل يهودي"، "هل العرب غاضبون؟ وماذا بعد ذلك؛ فهذه هي حالتهم الطبيعية؛ فليشربوا ماءً باردًا ربما يُهَدّئهم"، "يبدو أن اليهود اليساريين أكثرُ غضبًا من العرب بسبب هذا الأمر".
الأمر الذي استدعى خروج الناطقة بلسان السفارة الأمريكية بفلسطين المحتلة، "فالري أوبريان"، بتصريحٍ تقول فيه: "إن السفارة طلبت من المعهد تقديم اعتذار عمّا بدَر من إدارته بتقديم تلك الصورة المثيرة للجدل خلال زيارة "فريدمان"، الذي لم يكن على علمٍ بتلك الصورة التي قُدِّمت إليه"، وأضافت: أن سياسة الولايات المتحدة واضحة دائمًا؛ "فنحن ندعم الوضع الراهن في منطقة الحرم الشريف والهيكل".
ومن جهتها، استجابت إدارة المعهد لهذا الطلب، قائلةً: "نحن نعتذر للسفير الأمريكي "فريدمان، وسفارته، عمّا بدَر من أحد أفراد طاقم المعهد؛ من تقديم صورةٍ دون علم المعهد والسفير والسفارة الأمريكية، ونودّ أن نشكر السيد "فريدمان" وطاقم السفارة على المهنية واللطف الذي بدا منهم اليوم، ونأسف على تلك الواقعة، التي لا تعدو كونها فعلًا سياسيًّا رخيصًا، فقد توصلنا إلى من قام بهذا الفعل، واعتذر عن ذلك، وسيُعاقَب داخليًّا، نعتذر من أعماق قلبنا عن تلك الواقعة، التي كان يمكن تجنُّبها".
ولاقت الخطوة انتقاداتٍ فلسطينيّةً واسعة؛ فقد علّق السيد "صائب عريقات"، رئيس دائرة المفاوضات بمنظمة التحرير، على تلك الصورة قائلًا: "إلى متى ستبقى هذه التصرفات الأمريكية المنحطّة والحقيرة دون ردٍّ عربي وإسلامي يَرْقى إلى مكانة المسجد الأقصى، وعظَمة الحرم القدسي الشريف؟"، مضيفًا: "أن تصلَ الأمور بسفير الرئيس "ترامب" إلى تسلُّم وقَبول صورةِ مُجَسَّمٍ للهيكل المزعوم، مكانَ الحرم القدسي الشريف، مع آثار دمار قُبّة الصخرة والمسجد الأقصى مع هذه الابتسامة، فإن ذلك يدل على الموافقة والإقرار".
وأكد "عريقات" أن هذه اعتداءاتٌ تُشَكِّل جريمةً بحقّ أولى القبلتين، مضيفًا: أنّ مَن يقومون بهذه الاعتداءات يُحَوِّلون الصراع فعليًّا إلى صراعٍ ديني بامتياز.
ومن جانبه؛ ندّد الشيخ "محمد أحمد حسين"، المفتي العامّ للقدس والديار الفلسطينية، خطيبُ المسجد الأقصى المبارك، بالموقف الأمريكي المتمثّل بقَبول التعاطي مع هدم المسجد الأقصى، ومسجد قُبّة الصخرة؛ بهدف بناء الهيكل المزعوم، وقال الشيخ "حسين" في بيان صحفي: "إن هذه الصورة تُعَبِّر في دلالاتها عن الكثير؛ فهي تُعَبِّر عن إقرار الولايات المتحدة الأمريكية -مُمَثَّلةً بسفيرها لدى سلطات الاحتلال- فكرةَ إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، وعن إصرار سلطات الاحتلال ومتطرفيها على هدم المسجد الأقصى"، مُحَذِّرًا من تداعيات هذا العداء، مؤكّدًا أن المسجد الأقصى المبارك بمبانيه ومساطبه وساحاته وما تحت الأرض هو ملك للمسلمين وحدهم، رغم أنف الكارهين والمتربصين، وجدّد الحثَّ على مضاعفة الجهود لشَدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، وتعزيز الوجود فيه من أجل حمايته، مع تأكيد تَمَسُّك أبناء شعبنا بمسجدهم، مهما تَطَلّب ذلك من ثمنٍ وتضحيات، إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ وما عليها.
كذلك هاجَم "محمود الهباش"، نائبُ الرئيس الفلسطيني، السفيرَ الأمريكي، واصفًا إياه "بالمستوطِن الإرهابي"، وصرَّح "الهباش"؛ بأن "تلك الصورة أثبتت أن "فريدمان" -السفير الأمريكي في دولة الاحتلال- يواصل تحدّيَه واستفزازه وتحريضه على هدم المسجد الأقصى، ويتبنّى بشكلٍ واضحٍ مزاعم المستوطنين، وكلَّ خُزَعْبِلاتِهم الخرافية حول حرم المسجد الأقصى المبارك".
وأضاف نائب الرئيس الفلسطيني: أن اليمين المتطرف المتمثّل في حكومة "نتنياهو" مهتم بالقضاء على المقدسات الإسلامية في القدس، ومَحْو الوجود الفلسطيني في المدينة، وأن محاولة إسرائيل تزييف الحقائق وتشويه التاريخ لن تفلح، حتى لو وقفت كل محاور الشر في العالم إلى جانب هذا الموقف الإسرائيلي.
ومن خلال هذه المتابعة المتواصلة؛ يُدين "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" باستنكارٍ بالغٍ هذه التصرفاتِ الحمقاءَ التي تثير مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم، وتُشْعِل الغضب في قلوبهم؛ خاصّةً وأن الأمة الإسلامية تعيش أجواءً رمضانية، تتطلّع فيها إلى زيارة المسجد الأقصى المبارك.
كما يؤكّد "المرصد" موقف الأزهر الشريف الراسخ في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومَسْرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتشديد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور "أحمد الطيب"، على أن مدينة القدس هي مدينةٌ مقدّسة، حيث اجتمعت فيها العديد من العوامل التي بوّأتها مكانةً عالية في قلب كل مسلم؛ فهي المدينة التي خصَّها اللهُ تعالى بجَعْل مسجدها الأقصى مَسْرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويؤكد الإمام الأكبر شيخُ الأزهر؛ أن اليهود يَتَناسَوْنَ أنهم منذ احتلالهم للقدس سنة 1967م قد قلبوا باطن الأرض بالحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي وحوله؛ فلم يجدوا حجرًا واحدًا يُثبِت أنه قد كان في هذا المكان معبدٌ يهودي في يومٍ من الأيام، مشيرًا إلى أنه على فَرْض أنهم كان لهم معبدٌ في القدس في غابر الأزمان، يزعمون: أن سليمان عليه السلام بناه للرب في القرن العاشر قبل الميلاد؛ فهل يمكن أن يعاد رسْم خرائط الدول وحدود الأوطان وملكيّات الشعوب والجماعات البشرية، بناءً على أن أجدادها القدماء كانت لها معابد في بعض الأماكن والبقاع؟!