القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين العربية الإسلامية الأبدية؛ كانت وستظل كذلك، مهما حاول الطامعون تشويه تاريخها وسعى الجائرون إلى استلاب هُوِيَّتها، وستظل هذه الهُوِيَّة قائمة مهما تَحَزَّب الجُناة وأعدّوا العُدّة، مخالفين كل القيَم الإنسانية والأعراف الدولية والفطرة الإنسانية السوية، التي تنبذ العنف وتمقت الطغيان.
ولم يكتفِ المُحتلّ الغاصب بما يقوم به من قتل وتدمير لأبناء الشعب المكافح، بل تجاوز جَوْرُه كل هذا وسعى بكل قوةٍ إلى صبغ إجرامه بطابع قانوني مشروع؛ من خلال اعتراف مجموعة من الدول بوجوده، والتي تحذو حَذْوَه وتناصر وجهته.
ويتابع مرصد الأزهر باستمرار الأحداث الجارية على الساحة العالمية فيما يخصّ القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى، وتداعيات قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشأن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس باعتبارها عاصمةً للكِيان الصهيوني.
وقد كان للأزهر الشريف موقفه الواضح منذ البداية، حيث رفض فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين مقابلةَ نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" خلال زيارته للمنطقة؛ ردًّا على القرار الأمريكي الجائر.
وعقب ذلك، انعقد مؤتمر الأزهر الشريف لنصرة القدس، والذي تمّت التوصية فيه باعتبار عام 2018 عامًا للقدس الشريف، وكذلك وضع خطة في المناهج لتدريس تاريخ القدس والتعريف بقضيتها لطلبة المدارس والجامعات؛ بهدف زيادة الوعي لدى النشء والشباب بأبعاد هذه القضية المصيرية وحقائقها التاريخية.
وفي إطار تغطية "المرصد" لدول أمريكا اللاتينية وموقفها من القرار الأمريكي الجائر بشأن القضية الفلسطينية، تابعت وحدة الرصد باللغة الإسبانية تأييد عددٍ من دول هذه المنطقة للقرار الأمريكي وعزم حكوماتها على نقل سفاراتها إلى القدس، وتمثّلت هذه الموجة في جواتيمالا وهندوراس، ومؤخرًا باراجواي.
وفيما يخص باراجواي؛ أعلنت وزارة خارجيتها منذ وقت قريب أنها قررت نقل مَقَرّ سفارتها من تل أبيب إلى القدس، تأييدًا لقرار الرئيس الأمريكي "ترامب.
وكان رئيس باراجواي "أوراسيو كارتيس" قد عبّر في السابع والعشرين من أبريل الماضي عن رغبته في نقل سفارة بلاده إلى القدس؛ دعمًا للقرار الأمريكي، ومن جانبه، أوضح وزير خارجية باراجواي السابق أن عواقب هذا القرار على بلاده ستكون مؤسفة للغاية.
وفي المقابل، قام الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بجولة في دول أمريكا اللاتينية في مطلع مايو الجاري؛ بحثًا عن دعم دولي في مواجهة الضغوطات الأمريكية وقراراتها الجائرة بحق الشعب الفلسطيني، حيث زار خلالها ثلاث دول هي: فنزويلا وشيلي وكوبا، وقد أعرب رؤساء هذه الدول للرئيس الفلسطيني عن تأييدهم للقضية الفلسطينية ورفض العدوان الإسرائيلي بحقها.
وعقب احتفال الكِيان الصهيوني الغاصب بانتقال السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبارها عاصمةً له في الرابعَ عشرَ من مايو الجاري 2018، دارت عدّة مواجهات بين أبناء الشعب الفلسطيني الباسل وبين قوى الاحتلال، والتي أسفرت عن استشهاد عشرات الفلسطينيين.
وإذا كانت بعض حكومات أمريكا اللاتينية قد أَبْدَتْ تأييدها لهذه الخطوة المُجحفة، إلّا أن هناك أصواتًا داخلية أَبَتْ أن تقف موقف المتفرج أمام هذه المهزلة التاريخية، فقد انتفضت المعارضة في باراجواي ــ متمثّلةً في الحزب الليبرالي ــ في وجه الحكومة؛ اعتراضًا على تأييد هذا القرار، حيث أصدرت المعارضة بيانًا طالبت فيه الحكومةَ بضرورة تصحيح مسار قرارها، معتبرةً أنه يُغَذّي الصراعاتِ ويثير الذرائع لارتكاب عمليات انتقامية، مُحَذِّرةً من تبعات هذا القرار الذي سيتسبب في توجيه العدوان وإحداث النزاع في باراجواي، وهو أمرٌ لا داعيَ له.
جديرٌ بالذكر؛ أن رئيس باراجواي "أوراسيو كارتيس" قد عزم على افتتاح مَقَرّ سفارة بلاده الجديد في القدس، بعد بضعة أشهر فقط من تسلُّمه السلطة.
وأشار الحزب الليبرالي إلى أن هذا القرار يتطلب مناقشةً مفصّلة، وكذلك لابد من موافقة مجلس الشيوخ، مؤكدًا أن هذه الخطوة تُعَدّ تناقُضًا واضحًا مع مبادئ سياسة الدولة فيما يخصّ العَلاقاتِ الدوليةَ، كما شدّد الحزب على أن تأييد هذا القرار يُعَدّ تجاهُلًا لقرارات الأمم المتحدة في ديسمبر 2017، والتي أدانت هذا القرار وعَدّته انتهاكًا للحقوق الدولية.
وأكد البيان أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو عمل من أعمال العدوان ضد دولة فلسطين وضد جميع المسلمين، ومثل هذه الخطوة تُعَزِّز من فرص نشوب نزاعات دولية ربما تكون الأخطرَ والأكثرَ تعقيدًا خلال العصر الحديث.
وأضاف الحزب المعارض: أن انضمام باراجواي إلى أمريكا وجواتيمالا وهندوراس في تأييدهم لنقل السفارة، فيه ازدراءٌ صريح لقرار أعلى سلطة بالأمم المتحدة.
وبرغم الأصوات الداخلية والخارجية الرافضة لمشروع نقل السفارات إلى القدس، إلّا أن رئيس باراجواي "أوراسيو كارتيس" قد افتتح الاثنين الماضيَ الموافق 21 مايو عام 2018 مَقَرّ سفارة بلاده الجديد في القدس، بحضور رئيس وزراء الكِيان الصهيوني "بنيامين نتانياهو"، وبذلك تصبح باراجواي ثالثَ دولةٍ تنقل سفارتها فعليًّا إلى القدس بعد أمريكا وجواتيمالا، وخلال الافتتاح قال "كارتيس": "هذا يومٌ تاريخي يُعَزِّز الروابط بين باراجواي وإسرائيل".
في المقابل، رفضت وزارة الخارجية الفلسطينية نقل سفارة باراجواى إلى القدس، ووصفت ذلك بأنه عمل عدواني ضد الشعب الفلسطينى وحقوقه، كما أنها اعتبرته انتهاكًا صريحًا للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وكذا للقانون الدولي.
وأضافت الخارجية: أن تَحَرُّك باراجواي يُمَثِّل خضوعًا للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الخارجية إلى أنها سوف تُنَسِّق مع الدول المعارضة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ لمواجهة مَن نقلوا سفاراتِهم، وذلك عن طريق اتخاذ الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية المناسبة، وخَلْق رأيٍ عامٍّ داخليّ ضدهم.
بدوره، يؤكد "المرصد" أن هذه التصريحات توضّح للجميع أن حكوماتِ البلدان التي أيّدت هذا القرار لم تُعَبِّر عن تَوَجُّهات شعوبها، مشيدًا بموقف المعارضة الإيجابي في هذه القضية، مشيرًا في الوقت نفسِه إلى أن الدول التي باركت هذا القرار وأيدته هي شريكة في الطغيان الذي يمارسه الكِيان الصهيوني بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني والمقدسات الدينية، وذلك بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس ضغوطًا على الدول للانصياع لقراراتها من خلال استغلال نفوذها الاقتصادي والإستراتيجي.
ويُشَدِّد "المرصد" على عروبة القدس الشريف وأنها عاصمة أبدية لدولة فلسطين العربية الإسلامية، ويشير إلى أن هذه القرارات تُعَدّ انتهاكًا للحقوق ومُخالَفَةً للقوانين والأعراف الدولية.
كما يؤكّد أن الإجراءاتِ الغاصبةَ لا تمنح المحتلَّ شرعيّةً، ولا تجعل من المُحَرَّم مباحًا؛ فحُرْمة الدماء وقدسية المكان وهُوِيَّته الحقيقية لن تغيّرها القرارات، مهما تَعاظَم مؤيدوها وتَكاثَر المصفّقون لها من عديمي الضمائر ومزيّفي النيات.
ويدعو "المرصد" أصحابَ العقول المُنْصِفة حول العالم إلى مؤازرة الشعب الفلسطيني في محنته وما يتعرّض له من انتهاكاتٍ بحقّ أبنائه وأرضه، وإلى الوقوف بحَزْمٍ في وجه الطغاة الذين لا يتورّعون عن ارتكاب الجرائم، ولا يَسْتَحون من انتهاك حقوق الإنسانية، ويمنحون ما لا يملكون لمَن لا يستحق.