في ظل الظروف الدولية الراهنة يتجلى دور الإعلاميين والصحفيين الإسبان الملتزمين بدعم القضية الفلسطينية، باعتبارهم أحد مرتكزات النضال من أجل العدالة؛ إذ يقف هؤلاء الصحفيون في الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق الإنسان من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتوثيق التحديات اليومية التي يواجهها في ظل الاحتلال الصهيوني الغاشم. وبذلك يتخطى عملهم الصحفي حدود الدور التقليدي المتمثل في نقل الأحداث، ليتحولوا إلى نقطة وصل فاعلة بين الوقائع الميدانية والجمهور؛ فيسهمون إسهامًا ملموسًا في تعميق الوعي بمبادرات وتحليلات عميقة للتأثيرات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لتلك الانتهاكات؛ مؤكدين أن القضية الفلسطينية تمس جوهر الكرامة الإنسانية، وتسعى إلى تحقيق العدالة بكل صورها.
تُعد التغطية الإعلامية الشاملة المتعاطفة مع القضية الفلسطينية عاملًا مؤثرًا في تشكيل الوعي العام الإسباني، وتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني. وقد أسهمت تلك التغطية في توجيه السياسة الخارجية الإسبانية نحو مواقف أكثر وضوحًا ودعمًا للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وتعزيز المساعدات الإنسانية لفلسطين. ويُعد إعلان رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيث" عن الاعتراف رسميًّا بدولة فلسطين خطوةً بارزة تبرز التزام إسبانيا بدعم السلام والعدالة في المنطقة، وقد لاقت هذه الخطوة تغطية إعلامية واسعة، ودعمًا كبيرًا على الصعيديْن؛ المحلي والدولي. كما تبنت الصحافة الإسبانية مواقف ومبادرات متعددة تجاه القضية الفلسطينية حديثًا، وقد تميزت بالتنوع، معبرة عن تفاعلات وتداخلات عالمية، واهتمامات داخلية.
تاريخيًّا، شهدت العلاقات الإسبانية الفلسطينية تطورًا كبيرًا منذ ديكتاتورية "فرانكو" إلى المرحلة الديمقراطية الحديثة. وقد أدى التحول الديمقراطي في إسبانيا في النصف الثاني من السبعينيات إلى إعادة تقييم موقف إسبانيا إزاء القضية الفلسطينية. والجدير بالذكر أن السياسة الإسبانية تجاه القضايا العربية عامة، والفلسطينية خاصة، تعتمد على عوامل جغرافية وتاريخية ثابتة، وعوامل سياسية واقتصادية متغيرة، وقد كان لهذا التراث المشترك بين العرب وإسبانيا أثر كبير في الموقف الإنساني تجاه القضية الفلسطينية.
وفي إطار التعبير عن التضامن العميق مع الشعب الفلسطيني، ابتكر ١٠٠ مصور إسباني حملة "صور من أجل فلسطين" بهدف جمع التبرعات لدعم اللاجئين الفلسطينيين، بالتعاون مع جمعية "نحكي للعالم" -وهي منظمة غير حكومية تعمل جاهدةً لمساندة سكان غزة- التي خصصت العائدات المجمعة لصالح منظمة أطباء بلا حدود لتعزيز مهمتها الإنسانية في فلسطين. ومن المقرر أن تُعرض للبيع مجموعة مختارة من الأعمال الفوتوغرافية التي تصور المشاهد الطبيعية الخلابة في إسبانيا، وصورًا شخصية لأفراد من الشباب، والكهول من الجنسيتين؛ الإسبانية والفلسطينية، بسعر ثابت يبلغ ١٠٠ يورو لكل صورة. ودعت الصفحة الإلكترونية للحملة جميع المتعاطفين إلى الإسهام في هذه الحملة، سواء بشراء الصور، أو بنشر الحملة عبر الشبكات الاجتماعية؛ بهدف توسيع دائرة الوعي والدعم لمواجهة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة في غزة، علمًا بأن كل صورة مقدمة هي بمثابة بادرة إنسانية، لذا تقدمت الجمعية بالشكر الفائق لكل عضو أسهم بجهده وعطائه في هذه المساعي الخيرية.
وقد انطلقت مبادرة "صور من أجل فلسطين" بقيادة ١١ مصورًا إسبانيًّا، يتقدمهم "تانيا كاسترو"، العضو السابق في فريق التصوير بجريدة الباييس، التي اتجهت إلى العمل التصويري المستقل، ومديرة "المهرجان الدولي للتصوير الفوتوغرافي"؛ تليها "ميريا كوماس" المشهورة بتصويرها الفني الذي يُجسد نضال الحركات الاجتماعية، ويُلقي الضوء على الظلم. وقد أثرت في الصحافة بإسهاماتها في "لا بانجوارديا" و"البيريوديكو دي كاتالونيا". كما تسهم أيضًا "سوزانا جيرون" المتخصصة في الشئون الاجتماعية والثقافية برؤيتها الفريدة في مجالات متعددة، وقد تعاونت مع مؤسسات إعلامية عالمية مثل "نيويورك تايمز"، و"الجارديان"، و"ناشونال جيوغرافيك"؛ في حين تُضيف "هانا يارزابيك" بصمتها في التصوير الوثائقي للرحلات؛ إذ تُعبر عن شغفها برصد اللحظات الإنسانية في خلال رحلاتها المتعددة إلى غزة. هذا، وتُشارك "مارتا موريراس" -السنغالية الموطن- منذ عام ٢٠١٥م تجاربها الحافلة بعد أن عاشت في ١٥ بلدًا، فيما تُسلط "نوريا لوبيز" الضوء على قضايا حقوق الإنسان والمرأة بعدسة حساسة ومُتبصرة، في حين تُعنى "أنا بالاسيوس" بالأفلام الوثائقية التي تُبرز قضايا حقوق الإنسان، والبيئة، والحيوان؛ وتُكمل الصورة كل من "جوديث برادو"، و"أوفيليا دي بابلو"، و"آنا سورينياك" الخبيرات في الشئون الدولية وحقوق الإنسان؛ إذ يُسهمن بخبراتهن الواسعة في هذا الميدان الحيوي.
وفي تقديرٍ لا مثيل له للشجاعة والتضحية، منح اتحاد الصحفيين في إقليم الأندلس الإسباني جائزة "خوليو أنجيتا بارّادو" الدولية للصحافة إلى الصحفي الغزاوي "وائل الدحدوح"؛ هذا التكريم الذي يأتي في دورته السابعة عشرة، ويمثل تقديرًا لكل الصحفيين الذين يواجهون العنف المروع في ظل الهجمات الصهيونية المستمرة على قطاع غزة. وقد أكد الاتحاد أن لجنة التحكيم التي صوتت بالإجماع للدحدوح قد اختارت تكريمه لا لمسيرته المهنية المتميزة فحسب، بل لالتزامه الراسخ بالدفاع عن حقوق الإنسان أيضًا. وتحمل الجائزة اسم الصحفي الإسباني الراحل "خوليو أنجيتا بارّادو" الذي قُتل إبان تغطيته حرب العراق في أبريل ٢٠٠٣م، وتُعد بمثابة تكريم للصحفيين الذين يضحون بحياتهم في سبيل نقل الحقيقة، والدفاع عن الحريات. وتشير الإحصائيات المؤلمة إلى أن ٧٥٪ من الصحفيين الذين قُتلوا في العالم عام ٢٠٢٣م كانوا من قطاع غزة، ما يوضح المخاطر الجسيمة التي يواجهها الصحفيون هناك.
الجدير بالذكر أن "وائل الدحدوح" أصبح رمزًا للصمود والتحدي بتغطيته الجريئة لقناة الجزيرة، وخصوصًا بعد الفاجعة التي ألمَّت به بفقدان زوجته وأبنائه وحفيده في قصف صهيوني مروع في أكتوبر ٢٠٢٣م، ثم تعرَّض هو نفسه للإصابة في ديسمبر ٢٠٢٣م في أثناء تغطيته قصف مدرسة في خان يونس. وفي يناير ٢٠٢٤م مُني بخسارةٍ أخرى عندما قُتل ابنه الأكبر "حمزة"، الصحفي المصور لشبكة التلفزيون القطرية، في هجومٍ بطائرةٍ مسيرة.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الصحفيين والإعلاميين الإسبان المناصرين للقضية الفلسطينية قد أثبتوا التزامًا لا يتزعزع تجاه العدالة والحقيقة من خلال هذه المبادرات النبيلة؛ فلم يكتفوا بتسليط الضوء على الظروف الإنسانية القاسية في غزة، بل تجاوزوا ذلك إلى تحريك الضمائر، وإيقاظ الوعي العالمي. وهذا التفاني منهم في نقل الحقيقة، والتنديد بالجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني إنما يجسّد روح الإنسانية التي تتجاوز الحدود والثقافات. إن الصور التي التقطوها ليست مجرد لقطات فوتوغرافية، بل هي شهادات حية على الصمود في وجه الظلم، والتحلي بالشجاعة عندما يسود الصمت والظلم. لقد أظهروا للعالم أن القلم والكاميرا يمكن أن يكونا أقوى من السلاح، وأن الكلمة يمكن أن تكون أقوى من الرصاص.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية