أربعة عشر شهرًا مرت منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، تلك الحرب التي تعد " أقسى حربِ إبادةٍ جماعيةٍ عرفتها البشرية في التاريخ الحديث"، وفي ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة مِنْ عمليات إبادة جماعية، وتهجير قسري، واستهداف للمدنيين مِنْ أطفال ونساء ومسنين، إلى جانب الجرائم الدولية التي ارتكبها الكيان الصهيوني، واستخدام أسلحة محرمة دولية في حق الشعب الفلسطيني وأهل غزة، وصل عدد ضحايا هذه الإبادة الجماعية على قطاع غزة لأكثر من (44,664) شهيدًا، و (105,976) مصابًا منذ 7 أكتوبر 2023م، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
ومع بشاعة ما يقوم به الكيان الصهيوني في قطاع غزة، لم يقف الحراك الشعبي العالمي بمنأى عن معاناة الفلسطينيين.
ففي إيطاليا، يعكس تفاعل الطلاب وتضامنهم مع القضية الفلسطينية، وعيًا وإحساسًا بالمسؤولية تجاه هذه القضايا الإنسانية العالمية، وأن مثل هذه المسيرات الداعمة للقضية الفلسطينية تثبت موقف الطلاب والشارع الإيطالي تجاه الأحداث الدولية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع الإنساني.
ويأمل هذا الحراك الطلابي الذي لا تزال وتيرته مستمرة، في أن تشكل مثل هذه التظاهرات ورقة ضغط على الحكومات الغربية لوقف الاعتداءات الصهيونية على الأبرياء في غزة وفلسطين.
ويقدم استطلاع الرأي الذي أجراه مركز أبحاث إبسوس Ipsos لصالح المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI، والذي أجري بين 1 و2 أكتوبر 2024م، محاولة لفهم ما الذي يعتقده الإيطاليون بشأن هذا الصراع في قطاع غزة، وما لحقه مِنْ عدوان آخر على لبنان، وما مدى قلقهم؟ وعلى مَنْ تقع أكبر المسؤوليات؟ وما الذي يأملون فيه بعد وقف إطلاق النار؟
وأوضح استطلاع الرأي أن أكثر مِنْ ثلاثة إيطاليين مِنْ كل أربعة، أي (77%) ممن أجابوا على استطلاع الرأي، يعربون عن قلقهم مِنْ أن يشهد الصراع في الشرق الأوسط تصعيدًا، سواء في العنف أو في عدد الأطراف المتورطة. بينما القليل جدًّا أي (أقل من 3%) فقط يصرحون بعدم قلقهم إطلاقًا، مما يؤكد المخاوف التي يثيرها الصراع.
وتَظهر هذه المخاوف أيضًا في الإجابات على سؤال آخر. فعندما سُئل الإيطاليون في فبراير الماضي 2024م عن التهديدات الأكبر على المستوى العالمي، أجاب (46%) منهم أنه تهديد "الحروب". واليوم، بحسب ( 54% ) مِنْ المستطلعين، يزداد هذا التهديد.
وعلى الرغم مِنْ حالة عدم اليقين، وهو ما يعني أن (أكثر مِنْ ثلث المستطلعين يصرحون بعدم معرفتهم بكيفية الإجابة)، ويبدو أن الإيطاليين يعتقدون أن إسرائيل بشكل عام، وخاصة حكومة نتنياهو الحالية، تتحمل أكبر المسئوليات سواء في غزة بنسبة (35% عند جمع نسبة التصويت في الخيارين معًا)، أو في لبنان بنسبة (32%). أما بالنسبة للخيارين الآخرين، وهو اعتبار حماس مسئولة على الوضع في غزة، فقد صوت لصالح هذا الخيار نسبة (15%) فقط مِنْ المستطلعين، بينما يُعتبر حزب الله المسؤول الرئيسي عن امتداد الحرب إلى لبنان مِنْ قبل ( 17%) مِنْ المستطلعين.
وتُظهر الإجابات أيضًا أنه بالنسبة للحرب في غزة ولبنان، تتحمل المسؤوليات بشكل رئيسي على أطراف محددة، وليس على السياق العام، وهذه الأطراف هي: حكومة نتنياهو مِنْ جهة (والتي يحددها قرابة ثلثي الإيطاليين مسؤولةً رئيسية عن الوضع الحالي في إسرائيل)، وحماس / وحزب الله من جهة أخرى.
وفي سياق تسود فيه حالة مِنْ عدم اليقين في كثير مِنْ الحالات، يعتقد 4 إيطاليين مِنْ كل 10 أن إسرائيل كان عليها أن تسعى إلى التوصل إلى تسوية مع حزب الله. وكانت الآراء التي فضلت خيار ضرب حزب الله عن بُعد، أو حتى غزو جنوب لبنان، أقل بكثير (وهو ما حدث بعد إجراء هذا الاستطلاع مباشرة). إذًا يتعلق الأمر بحكم ضمني، واضح جدًّا وسلبي، بشأن اختيار إسرائيل لبدء العمليات البرية في لبنان.
كما أن حكم الإيطاليين على ما حدث في غزة خلال العام الماضي منذ 7 اكتوبر 2023م، وحتى 7 أكتوبر 2024م، يبدو واضحًا إلى حد كبير؛ حيث يعتقد نصف الإيطاليين، أي نسبة (49%) مِنْ المستطلعين، أن رد إسرائيل كان غير متناسب مع حقها في الدفاع عن نفسها، بينما يعتقد حوالي واحد مِنْ كل خمسة إيطاليين أي (21%) مِنْ المستطلعين، أنه كان ردًّا مسوغًا بعد هجوم حماس الذي حدث قبل عام.
وبالنظر إلى المستقبل، يعتقد حوالي واحد مِنْ كل ثلاثة إيطاليين أنه ينبغي على الأمم المتحدة التدخل مباشرة لإدارة مرحلة الانتقال وما بعد الصراع في غزة. وهنا نلاحظ أن الإيطاليين لا يزالون، على الأقل جزئيًّا، يثقون في المنظمة الأممية.
أما فرضية إجراء عملية حفظ سلام وإدارة النزاعات مِنْ قِبل الاتحاد الأوروبي، فلا تقنع سوى نسبة ( 7%) مِنْ المستطلعين (وهي نسبة مشابهة لتلك التي تؤيد عملية بقيادة الولايات المتحدة). وأخيرًا، يعتقد (18%) مِنْ المستطلعين أن هذا الدور يجب أن يُؤدى مِنْ قبل دول المنطقة الشرق أوسطية.
ويبدو أن الإيطاليين ليس لديهم شكوك حول الدور الذي يجب أن تلعبه بلادهم في الصراع في الشرق الأوسط؛ حيث يعتقد 7 مِنْ كل 10 أن إيطاليا يجب أن تعمل على التوسط بين أطراف النزاع؛ بهدف الحد أيضًا مِنْ التصعيدات الإضافية، في حين يعتقد أقلية مِنْ المستطلعين أن إيطاليا يجب أن تدعم طرفًا أو آخر، أي إسرائيل بنسبة (5%)، أو القضية الفلسطينية بنسبة (8%). أما بالنسبة لـ ( 8%) مِنْ المستطلعين، فيرون أن إيطاليا يجب أن تدين حماس، ولكنها تدعم الفلسطينيين على أية حال.
تعتقد الغالبية بنسبة (54%) أن روما يجب أن تعترف بدولة فلسطين، رغم أن حوالي نصفهم، أي نسبة (54%) يعتقدون أنه يجب أن يتم ذلك فقط بعد انتهاء النزاع الحالي. أما الإيطاليون الذين يعارضون تمامًا قيام دولة فلسطينية، فيمثلون أقلية بنسبة (7%). مِنْ المهم أيضًا أن حوالي 4 مِنْ كل 10 إيطاليين يفضلون عدم التعبير عن رأي، مما يدل على تعقيد القضية الفلسطينية.
ومع أفول عام من الحرب، ينقسم الإيطاليون بشأن حيادية المعلومات حول الصراع بين إسرائيل وحماس، حيث يرى ما يقرب مِنْ نصف الإيطاليين، بنسبة (46%) أن المعلومات كانت منحازة بشكل مُفرط لصالح إسرائيل، في حين يرى (39%) أن المعلومات كانت محايدة وموضوعية، ومقدمة بصورة متوازنة وحيادية للأحداث، بينما فقط (16%) يرون أن الانحياز كان لصالح حماس.
هذا وقد سَجَّلَ الاستطلاع الذي أجراه مركز أبحاث إبسوس Ipsos لصالح المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI عينة تمثيلية مِنْ السكان الإيطاليين البالغين؛ حيث أجرى 800 مقابلة (مِنْ بين 3.984 جهة اتصال) عبر الإنترنت باستخدام طريقة CAWI بين 1 و2 أكتوبر 2024م.
ويعد الاستطلاع جزء مِنْ "إيطاليا إنسايت - الإيطاليون والسياسة الدولية ItaliaInsight – Gli italiani e la politica internazionale"، المعني بمراقبة آراء الإيطاليين حول الأحداث الكبرى، والاتجاهات في السياسة الدولية، ودور إيطاليا في العالم.
وعليه، لا يزال نبض الشارع الإيطالي متفهمًا وواعيًا لما يقوم به الكيان الصهيوني مِنْ جرائم وحشية على المدنيين، وخاصة النساء والأطفال الفلسطينيين، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، والإنسانية؛ بل إن استهداف الكيان الصهيوني الغاصب للمناطق التابعة للأمم المتحدة والتي يُفترض أن تكون مناطق آمنة، إضافة إلى الهجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يُظهر هذا التجاهل الصارم للوجود الإنساني، والقوانين الدولية التي تمنع استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة.
وما بين ارتفاع أعداد القتلى بين الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين في مأساة إنسانية صارخة، وإبادة جماعية ممنهجة، وتهجير قسري تعسفي، يدرك الشارع الإيطالي، بل والعالم أجمع، الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني الذي لا يتوانى عن استخدام العنف والقوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
ولا يزال نبض الأحرار حول العالم مِنْ أصحاب الضمائر الحية رافضين لهذه الإبادة الممنهجة، وهذا الاحتلال الغاصب، داعمين حق الفلسطينيين في قيام دولتهم المستقلة، والحياة الآمنة.
وحدة الرصد باللغة الإيطالية