الروهينجا

المدرسة الإسلامية الوحيدة لتحفيظ القرآن الكريم في إسبانيا

المدرسة الإسلامية الوحيدة لتحفيظ القرآن الكريم في إسبانيا

مقدمة 

تعتبر دور تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية واحدة من أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المسلمون في التنشئة الصحيحة لأبنائهم منذ القدم. والمدرسة الدينية هي إرث إسلامي قديم، حيث يفد إليها الأطفال منذ سن صغيرة لتعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم وحفظه وإدراك معانيه. ولمثل هذه المدارس دور كبير وفعال في ترسيخ تعاليم الإسلام ومبادئه من خلال دراسة القرآن الكريم واستنباط الأحكام وغرسها في نفوس الأطفال منذ الصغر لتنشئتهم دينيًّا بصورة قويمة، كما أنها تسهم في تكوين أرضية دينية صلبة، لا سيّما إذا ما كانت مثل هذه المدارس قائمة على المنهج الإسلامي المعتدل الذي يهتم بنشر الوسطية والأفكار السمحة. 
وللمدارس الدينية في أوروبا تواجد ليس بالكبير، وأحيانا يقابل التواجد بعدة انتقادات بسبب عدم توثيق أعداد الأطفال الملتحقين بهذه المدارس وكذلك مبيتهم في هذه الدور- التي تكون في الغالب تابعة لمساجد أو مراكز إسلامية- بعد المواعيد الرسمية للدروس النظامية. ومن بين الانتقادات التي وُجهت ضد تلك المدارس الدينية الموجودة في هولندا وجود الأطفال ومبيتهم فيها دون رقابة حكومية رسمية كاملة فيما يخص النواحي الطبية والأمنية للأطفال. وفي الغالب فإن تأسيس هذه الدور يتم بدعم مالي من أولياء الأمور دون مساعدات رسمية من الحكومات.  

Image


•    وضع المدارس الدينية الإسلامية في إسبانيا

لا يوجد في إسبانيا -والتي يبلغ عدد المسلمين بها حوالي 2 مليون مسلم بما يمثل 4% من إجمالي عدد السكان- سوى مدرسة دينية واحدة فقط في بلدة "كونسي" بجزيرة "ميورقة". وتهدف هذه الدار فضلًا عن محاربة مشاكل الهُوِيَّة للمجتمع الإسلامي المتنامي هناك إلى توضيح مخاطر التطرف وأن الإسلام بعيدٌ كلَّ البعد عن صورة الإرهاب المقيتة. وتقع المدرسة في عقار ضخم بعيد عن التكتلات السكانية والضوضاء بين خضرة الأشجار على أطراف البلدة، وتسمى مدرسة "محمد وزاني" نسبة لمؤسسها.  
وقد أوضح أحد العاملين في هذه المدرسة، ويُدعى "بشير سالبا"، أن تنظيم "داعش" وأمثاله قد خرّبوا عقول العديد من الشباب بأفكارهم المتطرفة وأعمالهم التخريبية، وذَكَرَ أنه قبل قدوم "داعش" إلى سوريا على سبيل المثال كانت واحة للسلام ومن أفضل البلدان عالميًّا في تعلّم اللغة العربية ودراسة القرآن الكريم، وكان المسلمون يفدون إليها من أوساط أوروبا لتلقي العلوم الدينية. 

Image

 

وقد جاء تأسيس هذه المدرسة تلبية لاحتياج حقيقي لفهم وتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم. وقال "بشير": "إن أعداد المسلمين الكبيرة في فرنسا وإنجلترا مكّنتهم من وجود مدارس إسلامية ذات مناهج رسمية معتمدة عكس ما هو موجود في إسبانيا، ونطالب بتنفيذ مثل هذه المناهج هنا أيضًا". وألمح إلى أن المساجد في إسبانيا تُستخدم كمراكز ثقافية فقط وليست تعليمية. 
وأشار إلى أن المسلمين يتعرضون لبعض المشاكل أحيانًا حيث هناك من يرفض اعتبارهم إسبانيين أو مَن يقول: إنهم غير قادرين على الاندماج والتعايش مع بقية أفراد المجتمع. وذكر أن أول وفد قدم لهذه المدرسة كان من مدينتي "إشبيلية" و"غرناطة" من خلال مجموعة من الشباب في سن السادسةَ عشرَ كبدايةٍ لهذا المشروع التعليمي. 


•    تأسيس المدرسة    

تم تأسيس المدرسة عام 2000 وافتُتحت في العام ذاته تحت رعاية الشيخ "محمد وزاني" أحد أئمة مدينة "مليلية" لتصبح بذلك أول مدرسة دينية إسلامية في إسبانيا، وإحدى المدارس القليلة من هذا النوع في أوروبا ككل. وقد قدم إلى هذه المدرسة إلى الآن حوالي 250 طالبًا طيلة عَقْدٍ ونصف أغلبهم من الأوروبيين والأمريكيين. وهناك مشروع لإنشاء مدرسة مشابهة في المكسيك على يد أحد خريجي هذه المدرسة وهو الشيخ "أحمد بيرميخو" المتخرج من هذه المدرسة ضمن الوافدين إليها من "غرناطة"؛ وذلك بهدف وقف تمدد التيار السلفي المتشدد في المكسيك. وقد انبثقت فكرة إنشاء هذه المدرسة من الأساس لاسترجاع حفظ القرآن الكريم وترتيله بطريقة "وَرْش"؛ ممّا يُقوّي طريقة العمل الجماعية لدعم روح الفريق في العمل.

Image

 

•    نظام عمل المدرسة اليومي

أما عن نظام عمل المدرسة اليومي فيبدأ بعد صلاة الفجر تتخلله بعض الدروس والواجبات والراحات وتناول الطعام حتى غروب الشمس. ولا يقتصر اليوم الدراسي على تلقي العلم فقط بل هناك عدد من الأنشطة والواجبات التي يُكلّف بها الأولاد من أجل إنجازها كالأعمال المنزلية والطبخ والاهتمام بالحديقة وجمع الثمار وغير ذلك من الأنشطة الجانبية. كما أن الطلاب يعيشون في حالة اتصال مستمر مع الطبيعة لإدراك كمال خلق الله. 
وعن النظام التعليمي للمدرسة، يتم تخصيص الأشهر الثلاثة الأولى لتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية؛ لأن أغلب من يفدون إلى المدرسة لا يعرفونها. ثم يتم تقريبهم إلى تعلم القرآن الكريم، حيث يقوم المعلم بإملاء عدد من الآيات على الطلاب بشكل منفصل على ألواح خشبية، وبعد ذلك يردد الأطفال هذه الآيات المكتوبة على الألواح في غرفهم حتى يصلوا إلى درجة حفظها بإتقان دون أخطاء، ومن ثم يمحونها من على هذه الألواح ويكتبون آياتٍ أخرى جديدة لهم من أجل استذكارها. 

Image


الجدير بالذكر؛ أن الكثير من الوافدين لا يأتون بغرض التعلم فقط، بل ينزع أغلبهم إلى اتخاذ نظام المبيت هدفًا لاكتساب خبرة التعايش والاندماج مع الآخر دون أي اعتبار للمدى الزمني الذي يقضيه، وفي الغالب لا يستمر ذلك فوق ثلاثة أشهر، بينما يأمُل البعض الآخر منهم أن يصبح أئمة. هنا يتدارس الطلاب خلال فترة تواجدهم بالمدرسة قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وَفقًا لأحكام التجويد وكذلك تفسيره ومعرفة شرائعه وأحكامه الفقهية. كما تُدرّس اللغة الإنجليزية بالإضافة إلى العربية والمعتبرة لغة أساسية وكذلك يتم تعليم الإسبانية لغير الإسبان من الوافدين من بلدان أوروبية أخرى أو من أمريكا. ومن المهارات الأخرى التي يتم تعليمها للطلاب معرفة أنواع النباتات وتعلم ركوب الخيل ومعرفة الدول الرئيسة ذات الطاقة المتجددة وغيرها من بعض المعارف العامة. وتنتهى الدورة المنعقدة في المدرسة من خلال جولة تستمر لمدة أسبوع يقوم فيها الشباب بالتعرّف على الطبيعة في جوٍّ من الصداقة والتعايش بين مختلِف الأفراد الذين يمثلون مختلف الثقافات.   
وتُعتبر مثل هذه المشروعات والمبادرات التعليمية الدينية مهمة للغاية ليس فقط على المستوى التعليمي ولكن على المستوى الأمني أيضًا، حيث تُسهم في إخراج جيل من الشباب المسلم الناشئ على القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة السمحة من خلال نصوص وتعاليم القرآن الكريم والبعيدة كل البعد عن الأفكار المتطرفة والتضليل المنهجي، الأمر الذي يمكن أن يحدث في بعض البلدان الأخرى. ويرى "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" أنه يجب أن تسعى السلطات المحلية إلى إدراج المناهج التعليمية لهذه المدرسة تحت المناهج الرسمية المعتمدة، وقد بات من الواضح النشاط الجيد الذي تقوم به والذي يؤدى -بلا شك- مهمة رئيسة في مكافحة خطاب التطرف والكراهية.  
إن دور هذه المدرسة عظيم في توجيه فكر الشباب الذين أصبح الكثيرون منهم بعيدين عن التعاليم الإسلامية الصحيحة ويستقون معلوماتِهم الدينيةَ عن طريق الإنترنت وهو أمرٌ في غاية الخطورة؛ لأنهم بذلك يصبحون صيدًا سهلًا لأصحاب النيات السيئة والفكر المضلل. 


•    خاتمة 

يرى "مرصد الأزهر" أهمية انتشار مثل هذه المدارس الدينية في أوروبا، وتحديدًا في إسبانيا، شريطةَ أن يكون القائمون عليها من أصحاب الفكر المستنير، الذي يسهم في تصحيح الصورة الخاطئة المنطبعة لدى الكثيرين هناك عن الإسلام. كما أنه لا مانعَ من أن تُؤسس مثل هذه الدور برعاية وإشراف رسمي لضمان صحة النظام بها من الناحية التعليمية الخاصة بالمناهج وما تتضمنه من أفكار وكذلك متابعتها أمنيًّا وصحيًّا بما يضمن إزالة أي شكوك أو ريبة من الممكن أن تحيط بها؛ وذلك للوصول إلى الهدف الأسمى وهو تنشئة أجيال من شباب المسلمين يحملون الفكر الصحيح في أوروبا حتى يصبحوا خيرَ سفراءَ وممثلين للإسلام وأن ينعكس هذا في سلوكياتهم وإسهاماتهم في المجتمعات التي يقطنون بها. 
في الوقت ذاته لا بُد أن تقوم الأجهزة الأمنية في الدول الأوروبية بدورها الرقابي على جميع أنواع المدارس، وفي حال وجود أي انحرافات منهجية من أصحاب الأفكار المتشددة يتم إغلاقها حتى لا تصير بؤرًا لإخراج منحرفين مخرّبين، الأمر الذي يسيء إلى الإسلام والمسلمين ويؤدي إلى الفرقة والشقاق بين أبناء المجتمع الواحد، علاوةً على إعطاء المجال –وبقوة- لنبذ المسلمين ورفضهم في كافة مجالات الحياة. 
إن "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" يُزكّي أي أنشطة تهدِف إلى نشر الوسطية والاستنارة ونشر صحيح الدين؛ بما يسهم بشكل قوي ومباشر في القضاء على الأحكام المُسبقة والأفكار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين. إن تعاليم الدين الإسلامي الحقيقية لم تكن أبدًا داعية إلى التخريب والشقاق بل على العكس تمامًا؛ فهي تحضّ على التعمير والتماسك بين أبناء المجتمع الواحد مراعيةً بذلك تعدداتِهم الدينيّةَ والثقافية، وهو ما يجب أن تعمل عليه كافة المؤسسات. 

وحدة الرصد باللغة الإسبانية
 

الموضوع السابق المساجد في ألمانيا تحت نيران النقد .. نظرة على كتاب "الإسلام رؤية من الداخل"
الموضوع التالي قراءة موجزة في أحوال الجالية الإسلامية في كولومبيا
طباعة
9792