انعكاسات تراجع اليمين المتطرف في سباق الانتخابات الإسبانية القادمة
/ الأبواب: اليمين المتطرف

انعكاسات تراجع اليمين المتطرف في سباق الانتخابات الإسبانية القادمة

     يسعى حزب "فوكس"، رأس الحربة حاليًا لأحزاب اليمين المتطرف في إسبانيا، منذ مدة لكسب ثقة الناخب الإسباني، والحصول على عدد أكبر من المقاعد البرلمانية التي تمكنه من تشكيل حكومة جديدة أو على الأقل، المشاركة في ائتلاف يوصله إلى تولي مقاليد الحكم. 
وقد دأب حزب "فوكس" منذ بداية ظهوره على بث خطاب شعبوي يثير الكراهية ويحرض على العنف ضد المهاجرين كلما سنحت له الفرصة، خصوصًا المسلمين منهم الذي يعتبرهم غزاة أوروبا، كما أن سياساته تتصف دائمًا بالعدائية والإقصاء للآخر بحجة الدفاع عن الهوية ‏الوطنية والثقافية والدينية لإسبانيا، ضاربًا عرض الحائط ما قدمه هؤلاء المهاجرين من فوائد جليلة للدولة الإسبانية التي كانت تعاني لفترات طويلة من تناقص كبير في نسبة المواليد مع زيادة كبيرة في نسبة كبار السن هناك، وهي مشكلة لا تعاني منها إسبانيا فحسب بل قارة أوروبا بأكملها، وكان للمهاجرين الفضل في زيادة عدد السكان بإسبانيا بنسبة وصلت إلى 10% خلال العقدين الماضيين.
وقد أسهم ذلك في زيادة نسبة الشباب التي كانت آخذة في التآكل، ومن ثم كان لهذا أثره الإيجابي على الاقتصاد لتوفر يد عاملة من المهاجرين في بعض الوظائف والمهن التي لا يقبل عليها المواطن الإسباني بشكل عام، كحرفة الزراعة مثلًا. 
ونود أن نشير إلى أن تقدم هذا الحزب في البرلمان الإسباني سيمثل تهديدًا كبيرًا على المهاجرين، الفئة الاجتماعية الأكثر ضعفًا؛ إذ سيكون له صوت مؤثر في عملية سن القوانين والتشريعات المنظمة للمجتمع ‏الإسباني، وسيتمكن من وضع سياساته حيز التنفيذ وأولها التضييق على المهاجرين المسلمين الذين يعتبرهم أعداء القيم الأوروبية.
لكن لحسن الحظ، تشير أحدث استطلاعات الرأي الأخيرة التي نشرتها صحيفة "آه بي ثي" الإسبانية في يوليه 2022م إلى أنه من ‏المتوقع أن يفوز الحزب الشعبيPP في الانتخابات العامة القادمة بتأييد أكثر من 36٪، والتي من شأنها أن تمنحه ما بين 155 إلى ‏‏159 مقعدًا. ويأتي في المركز الثاني حزب العمال الاشتراكي PSOE ‏بنسبة 24.3٪ من الأصوات بواقع 94 إلى 98 مقعدًا. 
أما حزب "فوكس" فمن المتوقع أن يحوز خلال ‏الانتخابات العامة القادمة ما بين 37 إلى 39 مقعدًا، وهو أقل من المتوقع بكثير، حيث كان المأمول بالنسبة لأنصار الحزب ومؤيديه أن يحصد 100 مقعد. 
 وفي هذا الإطار سلطت جريدة "آه بي ثي" الإسبانية، في 16 يوليه 2022م، الضوء على تصريحات "سانتياجو أباسكال"، رئيس حزب "فوكس"، التي أدلى بها مؤخرًا في إحدى مقابلته عبر إذاعة الراديو الإسباني، حيث ذكر خلالها أن توقعاته بفوز حزبه في الانتخابات العامة القادمة تضاءلت بشكل كبير بعد نتائج انتخابات إقليم "أندلوثيا"، والتي حصل فيها حزبه على نتيجة أقل من المتوقع بكثير مشيرًا إلى أن الفوز في الانتخابات العامة المقبلة لا يزال "بعيدًا" عن الواقع.
جدير بالذكر أن تصريحات "أباسكال" جاءت بعد ثلاثة أشهر فقط من إلقاءه خطابًا حماسيًا طموحًا أمام الجمعية العامة للحزب، أعرب خلاله عن أمله في حصول حزبه على ما لا يقل عن 100 مقعد في البرلمان الإسباني، ولكن هذه الآمال تبددت بعد نتيجة انتخابات إقليم "أندلوثيا" على الرغم من حصوله على  مقعدين أكثر من انتخابات عام 2018م، فقد ارتفع عدد المقاعد للحزب من 12 إلى 14 مقعدًا، وقد تم تفسير تلك النتيجة على أنها إخفاق ذريع لسببين: أولهما أن الحزب كان يتوقع على الأقل مضاعفة عدد مقاعده السابقة؛ وثانيهما أنهم واثقون من أن الحزب الشعبي يحتاج إليهم لتحقيق الأغلبية المطلقة، وحال حدوث ذلك السيناريو، كانوا سيطالبون بالمشاركة في تشكيل الحكومة الإقليمية، كما فعلوا في فبراير في مقاطعة "كاستيا وليون"، التي تتمتع بحكم ذاتي. 
واعترف "أباسكال" نفسه أنهم لم يتمكنوا من إقناع الناخبين في إقليم "أندلوثيا"، مؤكدًا أنهم أخفقوا في تحقيق تطلعاتهم الانتخابية، إلا أنه في الوقت نفسه دعا أنصاره إلى عدم "القلق"، مشيرًا إلى أنه قبل ثلاث سنوات ونصف فقط، كان يمثل الحزب في البرلمان الإسباني "ستة أعضاء" فقط. 
وهو الآن حاضر في معظم البرلمانات الإقليمية ولديه 52 نائبًا في مجلس النواب؛ كثالث أكبر قوة سياسية بعد الحزب العمالي الاشتراكي والحزب الشعبي، وكان حزب "فوكس" قد استند في تفاؤله بتحقيق آماله الانتخابية إلى النتائج التي حصل عليها في الانتخابات العامة في 2019م، حيث حصل في إقليم "أندلوثيا" على ما يقرب من 870 ألف صوت انتخابي، الأمر الذي مكنه من الحصول على 12 مقعدًا من إجمالي 52 مقعدًا يشغلها الحزب حاليًا في مجلس النواب. 
ويرى مرصد الأزهر أن ترجيح التوقعات بإخفاق حزب "فوكس" في الانتخابات العامة القادمة في إسبانيا يبين مدى وعي الناخب بخطورة الفكر اليميني المتطرف على استقرار المجتمع، وأن السياسات الإقصائية لهذا الحزب لا تحقق تقدمًا ولا تدعم تطورًا، حيث إن هذه الأمور تتطلب مزيدًا من الحريات واحترام التعددية الاجتماعية الثقافية والدينية للمجتمعات. 
في الوقت ذاته يوضح المرصد أن من أبرز تداعيات تعثر الأحزاب اليمينية المتطرفة بوجه عام وإخفاقها في تحقيق مآربها الانتخابية، كما سبق وحدث في الانتخابات الفرنسية مع زعيمة اليمين المتطرف "مارين لوبان"، تتمثل في إحداث انفراجة للمسلمين والمهاجرين على وجه التحديد، حيث يسمح لهم عدم صعود اليمين المتطرف الحصول على حقوقهم المكفولة بالدستور والقانون، وعدم سن قوانين وتشريعات جديدة من شأنها إحداث شرخ في النسيج المجتمعي وحالة من الشقاق والفرقة بين كافة الأطياف. 
ويستقرئ المرصد من خلال ذلك أن مؤشر تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا بوجه عام، وإسبانيا بصفة خاصة، على المدى القصير، آخذ في التراجع والهبوط شيئًا فشيئًا، وذلك لوجود عوار في سياساته الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية التي لا تولد سوى العنف ونبذ الآخر وترسخ للكراهية، الأمر الذي يبدو جليًّا في العديد من المقترحات التشريعية والاجتماعية لأعضاء هذا التيار وأنصاره، مثل رفض استقبال اللاجئين أو التمييز بينهم على أساس العرق أو الدين.      
ويعاود المرصد التأكيد على أهمية مشاركة المسلمين في الانتخابات الإسبانية بشكل فاعل، وكذلك في كل المناسبات والمحافل داخل البلاد والتأكيد على اندماجهم وتعايشهم السلمي، والعمل على دعم مبادارت المنظمات الحكومية وغير الحكومية؛ لتوعية المجتمع بخطورة انتشار خطاب الكراهية والفكر المؤدي إلى التطرف والتعريف بمدى تأثيره السلبي على تماسك المجتمع وتقدمه. 
 
وحدة رصد اللغة الإسبانية 
الموضوع السابق مخاطر تكتلات اليمين المتطرف في أوروبا
الموضوع التالي اليمينيون وإحراق المصحف.. أزمة مُتصاعدة تهدد التعايش السلمي
طباعة
618

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.