اليمينيون وإحراق المصحف.. أزمة مُتصاعدة تهدد التعايش السلمي
/ الأبواب: اليمين المتطرف

اليمينيون وإحراق المصحف.. أزمة مُتصاعدة تهدد التعايش السلمي

    لماذا يحرق المصحف في السويد مرتين في غضون شهر؟ ولماذا تصمت الشرطة؟ بل ويحدث ذلك تحت سمعها وبصرها وبتصريح منها؟ 

أسئلة تثيرها تصرفات هوجاء وغير مسؤولة، من عنصري متطرف، وهو‏"راسموس بالودان" ‏زعيم حزب "سترام كورس" اليميني المتطرف في الدنمارك، الذي أقدم في 15 أبريل ٢٠٢٢م على إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد، ‏وكان ذلك بتصريح من الشرطة السويدية وتحت حمايتها.  
‏‏ وبالرغم من ردود الأفعال الرافضة لهذا التجاوز السافر، فإنه يبدو أن حماية الشرطة لهذا المتطرف شجعته على تكرار فعلته، إذ أقدم بعد شهر واحد على الأمر ذاته، وتحديدًا في 14 مايو الجاري 2022م، وأحرق نسخة من القرآن الكريم في منطقة ذات كثافة سكانية عالية من المسلمين في ‏محافظة "فسترا يوتالاند" ‏السويدية‎.‎‏ وفي استفزاز آخر للمسلمين، قام ما ‏يقرب من 100 من رجال ‏الشرطة بحماية "بالودان" في أثناء فعلته. ‏
والواقع أن حماية الشرطة المُتكررة له، يضع مصداقيتها وحيادها على المحك، كما يؤدي هذا التصرف إلى أزمة تؤثر بالسلب على حالة التعايش والاستقرار المجتمعي في تلك الدولة، وهو ما لا نتمنى حدوثه. 
وتثير تلك العملية الاستفزازية، تساؤلات حول مغزى هذه الاعتداءات غير مقبولة التبرير، فلماذا يخص هؤلاء القرآن وحده بالازدراء والإهانة؟ ولماذا يفردونه بالتمزيق والحرق؟ إن التساؤل لا يعني أن إهانة أي كتاب مقدس آخر أو اعتداء على دار عبادة لأي دين هو أمر مقبول، بل على العكس، هو أمر مرفوض بالكلية، ولا مبرر له على الإطلاق. فلماذا يستهدفون كتابنا المقدس بهذه الطريقة الإجرامية؟!   
ولا شك أن هناك أهدافًا خفية ودوافعَ خبيثة وراء تكرار تلك الحادثة، التي تعد -بلا شك- جريمة ازدراء تستحق عقوبة رادعة. والواضح أن تلك الدوافع تتركز في تيقن "بالودان" بعدم الوقوع تحت طائلة القانون، نظرًا لما تردده الشرطة هناك من أن دورها هو حماية حرية التعبير، وأن التصرف غير مجرَّم قانونًا، ولكن، هل هذا حقيقي؟ 
إن هناك دوافع أخرى أساسية، ككراهية "بالودان" للمسلمين ولوجودهم في تلك البلاد، وذلك الخطاب الشعبوي الذي يحمله بالودان ومن على شاكلته، والذي يحاولون من خلاله ملامسة قلب الناخب من ذوي الميول القومية، فهم يبنون ‏خطابهم على فكرة تفوق الجنس الأبيض على غيره من الأجناس، ويروجون لفكرة مفادها أن القيم الإسلامية ‏تحديدًا تتنافى مع القيم الغربية، ومن أهمها الديمقراطية، أو أن المهاجرين ليسوا سوى غزاة لأوربا.‏‎
كما أن وجود أرضية مجتمعية تقبل بهذا الخطاب المتطرف، في نظير مصالح سياسية معينة هو أحد تلك الدوافع الخبيثة لمثل هذه التجاوزات. 
في الواقع، فإن الوضع الراهن، فضلًا عن أنه ينذر بأزمة وشيكة بسبب تجاوزات عناصر اليمين المتطرف، فإنه يحمل دلالات غير مطمئنة بسبب موقف الشرطة غير المبرر من هذه التجاوزات، هذا إذا أخذنا في الاعتبار تصريحات للمسلمين أنفسهم ترجح تواطؤ الشرطة السويدية سعيًا إلى استفزاز المسلمين، ومن ثم دفعهم إلى ارتكاب أعمال تضعهم تحت طائلة القانون، فتستطيع الشرطة حينها التعامل معهم على أنهم عناصر تخريبية أو إجرامية وتتمكن من ترحيلهم أو اعتقالهم، وهذا أخطر ما في الأمر على الإطلاق.    
ويرى مرصد الأزهر أن الأزمة لم تعد في التصرف الفردي الذي يمكن احتوائه، وبالتالي فإن الوقت قد حان للحديث عن قانون رادع لازدراء الأديان وجرائم الكراهية، يحدد الفرق بين حرية التعبير وازدراء الأديان التي لا تنفصل عن جرائم الكراهية التي تستحق العقاب الجنائي. 
إن ثقافة التعايش لا يمكن إرساؤها إلا بعد مقدمات لا بد منها، يأتي القانون الرادع على رأسها، وإلا باءت كل مساعي التعايش والسلام بالفشل. وعلى ذلك فإنه لا بد من وقفة حاسمة مع جماعات اليمين المتطرف، والتوقف عن غض الطرف عن جرائمها المتلاحقة، التي لن تجر المجتمعات الأوروبية إلا إلى مزيد من الاحتقان. 
كما أن على المجتمعات الأوروبية أن تعيد النظر في قضية حرية التعبير، خصوصًا إذا تجاوزت حدود التعبير السلمي، واقتربت من المقدسات الدينية، التي يستفز انتهاكها مشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم.      
 


وحدة رصد اللغة الإسبانية 


 

الموضوع السابق انعكاسات تراجع اليمين المتطرف في سباق الانتخابات الإسبانية القادمة
الموضوع التالي اليمين المتطرف في إيطاليا يستعد للانتخابات بخطاب عنصري
طباعة
815

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.