اليمين المتطرف في إيطاليا يستعد للانتخابات بخطاب عنصري
/ الأبواب: اليمين المتطرف

اليمين المتطرف في إيطاليا يستعد للانتخابات بخطاب عنصري

تتوالى في إيطاليا جرائم العنصرية والكراهية ضد الأجانب بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص، نتيجة خطاب اليمين المتطرف الذي يتسم بالعنصرية والعداء للأجانب، لا سيما على مشارف الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل. ورغم عدم وجود صيغة قانونية عالمية تصلح تعريفًا لخطاب الكراهية، إلا أن الأمم المتحدة تصنف أشكال الاتصال الكلامي أو الكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية في إشارة إلى شخص أو جماعة على أساس ما هم عليه أو على أساس دينهم أو إثنيتهم أو جنسيتهم، أو عرقهم أو لونهم، أو أصلهم أو جنسهم، أو أي شكل آخر من أشكال هُويتهم تحت بند التحريض والكراهية، بالنظر إلى تداعيات هذا الخطاب التدميرية على المجتمعات.
أبرز الاعتداءات العنصرية في إيطاليا مؤخرًا

قام أحد الأشخاص في محطة القطار بمدينة "كالينزانو" الإيطالية، بالاعتداء اللفظي والجسدي على امرأة مسلمة، في الشهر السابع من الحمل، ونزع الحجاب عن وجهها. كانت المرأة تستعد بالصعود على متن القطار المتجه إلى مدينة "فلورنسا" بصحبة ابنها البالغ من العمر 11 عامًا، وتفاجأت بشخص يبلغ من العمر 35 عامًا يصرخ قائلًا:" لا يجب بقاء أمثالك هنا، هل فهمتي؟" ثم دفعها ونزع الحجاب عن وجهها. سارع الابن إلى مساعدة والدته قبل أن ينهار من البكاء. وفور الحادث أعلنت الشرطة الإيطالية إلقاء القبض على الجاني بتهمة الاعتداء المتعمد بدافع الكراهية والعنصرية، والحاق ضرر جسدي ومعنوي بالمرأة المسلمة وابنها.
وفي مطلع أغسطس الجاري؛ تعرَّض "أليكا أوغورشوكو" بائع نيجيري يبلغ من العمر 39 عامًا، إلى اعتداء وحشي أودى بحياته، على يد شاب إيطالي يُدعى "فيليبو فيرلاتسو" في أحد شوارع مدينة "تشيفيتانوفا" في محافظة "ماتشيراتا" بإقليم "ماركى "Marche وسط إيطاليا. وبحسب مقاطع الفيديو المتداولة للحادث، فقد كان البائع المتجول النيجيري يمشي بعكاز، حين تعرض للهجوم حيث انتزع منه القاتل في البداية العكاز وضربه وأسقطه أرضًا، ثم صعد فوقه وظل يضربه حتى لفظ النيجيري أنفاسه الأخيرة.
وبعدها بيومين فقط، تعرضت الفتاة النيجيرية "بيوتي" صاحبة الخمسة وعشرين عامًا لاعتداء وحشي، من صاحب المطعم الذي تعمل فيه، في مدينة "سوفيراتو" في محافظة "كاتانزارو" بإقليم "كالابريا" جنوب إيطاليا، لمجرد أنها طالبت بالحصول على مستحقاتها المالية. وبعد الاعتداء توجهت "بيوتي" للمشفى ومنه إلى قسم الشرطة حيث قدمت شكوى ضد صاحب العمل.
وفي الخامس عشر من أغسطس الجاري مُنعت أسرة سيدة نيجيرية من دخول حمام سباحة ومدينة ملاهي مائية بمدينة آستي بمحافظة "تورينو" بإقليم "بييمونتي"، شمال غرب إيطاليا. شهدت الواقعة حشد من الجمهور وقام البعض بتصويرها، وفي الفيديو يمكن سماع أشخاص يتناقشون مع الموظفين وإحدى النساء تقول: "لا يمكنكم فعل ذلك وإلا فليكتب في الخارج: ممنوع دخول أي رجل نيجيري. كيف لرجل أتى من "تورينو" وسافر لمسافة (50) كيلومتر ثم يُقال له: ممنوع دخول الرجل النيجيري؟! لو كان رجلًا إيطاليًّا، فأنا متأكدة من أن إدارة المنشأة لم تكن لتتخذ نفس الموقف".
ومؤخرًا وجه مريض إيطالي يبلغ من العمر (59) عامًا، إهانات عنصرية لطبيب من أصل كاميروني في أثناء عمله في مركز الإسعافات الأولية في مدينة "لينيانو سابيادورو" بمحافظة "أوديني" شمال شرق إيطاليا، ورفض الخضوع للعلاج بسبب بشرة الطبيب السمراء.

لماذا هذا التوقيت؟!

تتزامن هذه الاعتداءات العنصرية مع الحملة الانتخابية التي تستغلها الأحزاب اليمينية في تشويه صورة الأجانب لدى الإيطاليين، وتقديمهم على أنهم يمثلون تهديدًا للتقاليد والثقافة الإيطالية، ويسهم هذا الخطاب في تكوين صور نمطية وسلبية عن المهاجرين في أذهان المواطن الإيطالي، ويؤدي إلى إضفاء الشرعية بطريقة ما على الاعتداءات العنصرية التي تستهدف المهاجرين وتجعلهم في مرمى خطاب التعصب والكراهية. وبالتالي فإن الخطاب السياسي لأحزاب اليمين يُروج للمواقف المعادية للأجانب بشكل عام والعنصرية ضد المسلمين بشكل خاص في الشارع الإيطالي.
يُذكر أن رئيس الوزراء الإيطالي "ماريو دراغي" كان قدم استقالته في شهر يوليو الماضي ٢٠٢٢م، في أعقاب انهيار حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها، ثم أعلن الرئيس "سيرجيو ماتاريلا" حلَّ مجلسي الشيوخ والنواب، ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل ٢٠٢٢م.
وعلى إثر ذلك بدأت الحملة الانتخابية للأحزاب السياسية، وتضم الكتلة اليمينية المحافظة ثلاثة أحزاب هي: الحزب اليميني المتشدد "إخوة إيطاليا" وهو حزب ذو جذور فاشية جديدة برئاسة "جورجيا ميلوني"، والحزب اليميني ذو توجهات متشددة "الرابطة" بزعامة "ماتيو سالفيني"، وحزب "فورتسا إيطاليا" بزعامة "سيلفيو برلوسكوني". ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن مرشحي الكتلة اليمينية سيشغلون مساحة واسعة في قائمة الفائزين بالانتخابات التشريعية المقررة في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل، وسط تقديرات تشير إلى أن حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، سيكون هو الفائز الأكبر.
جدير بالذكر أن موضوع الهجرة يمثل موضوعًا مركزيًّا في برنامج تحالف حزبي "إخوة إيطاليا" و"الرابطة" حيث تصف المهاجرين بـ (التهديد الأمني) للإيطاليين، ودائمًا ما يستحضر الحزبان في خطابهما السياسي مسألة إجرام المهاجرين المزعومة؛ وذلك بهدف إثارة الفزع في نفوس الإيطاليين، وتغذية مشاعر العداء والكراهية تجاه الأجانب.
ووفقًا لما نشرته وكالة "إل بوست" بتاريخ 27 يوليو ٢٠٢٢م، يعتبر موضوع الهجرة أحد الموضوعات القليلة البارزة في الحملات الانتخابية الجارية؛ حيث تتحدث عنه الأحزاب اليمينية بنفس النغمة التي طالما تعامل بها اليمين الإيطالي مع استقبال المهاجرين واندماجهم، فكل من "ماتيو سالفيني" "وجورجيا ميلوني" يستغل الزيادة في تدفقات المهاجرين وبعض الوقائع الإخبارية؛ للتحدث عن موضوع الهجرة بنبرة مثيرة للقلق، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بشأن العديد من القضايا فإن "سالفيني" "وميلوني" يتبنيان نفس النغمة في التعامل مع موضوع الهجرة.
وقد أعلن "سالفيني" الذي بنى في السنوات الأخيرة جزءًا كبيرًا من شعبيته على النغمة المثيرة للقلق بشأن المهاجرين، أنه زار جزيرة "لامبيدوزا" ونشر عدة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وعد فيها بوقف تدفقات المهاجرين وطردهم والدفاع عن الحدود. أما "جيورجيا ميلوني" رئيسة حزب إخوة إيطاليا، فقبل سقوط حكومة "ماريو دراجي" كانت قد طالبت أكثر من مرة بإقالة وزيرة الداخلية "لوتشيانا لامورجيزي" متهمة إياها بالتهاون في التعامل مع المهاجرين الذين يصلون عن طريق البحر. وقبل أيام قليلة أعادت "ميلوني" نشر مقطع فيديو يصور مشاجرة وقعت أمام محطة "ميلانو" الرئيسية بين بعض الأجانب، وعلقت عليه بامتعاض شديد قائلةً: "كم عدد أعمال العنف التي يجب علينا أن نشهدها حتى نعترف بوجود مشكلة ضخمة تتعلق بالأمن في إيطاليا؟".
ومع انتشار خطاب الكراهية في إيطاليا يجدد مرصد الأزهر التحذير من خطورة هذا الخطاب على النسيج الوطني الإيطالي، ويدعو إلى الحد من التصريحات التي تحرض على العنف أو تدفع إلى إثارة الفتنة بين أطياف المجتمع. ويؤكد المرصد أن معالجة خطاب الكراهية هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع، بداية من الأفراد ووصولًا إلى الحكومات والمجتمعات، كما يناشد المرصد السلطات الإيطالية بضرورة محاربة كل أشكال التمييز العنصري والاعتداءات على المهاجرين، وكذلك وضع حزمة من القوانين لمنع التصريحات الاستفزازية المسيئة للأجانب التي يلقيها بعض السياسيين والتي تحرض الإيطاليين على المهاجرين، وتضفي الشرعية على الأعمال العدائية ضدهم، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة وضع حد لخطاب الكراهية المنتشر في بعض وسائل الإعلام الإيطالية.

وحدة الرصد باللغة الإيطالية

الموضوع السابق اليمينيون وإحراق المصحف.. أزمة مُتصاعدة تهدد التعايش السلمي
الموضوع التالي اليمين المتطرف يهدد بعودة الفاشية والنازية الجديدة إلى أوروبا
طباعة
1014

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.