اليمين المتطرف في أوروبا: "بين تزايد شعبيته وتقويض أجندته"
/ الأبواب: اليمين المتطرف

اليمين المتطرف في أوروبا: "بين تزايد شعبيته وتقويض أجندته"

 

تشهد أوروبا تَغيُّرًا في المشهد السياسي على مدى فترة طويلة، حيث تتزايد الائتلافات الحكومية بين التيار اليميني التقليدي وحركات اليمين المتطرف. وتحل الأحزاب المحافظة محل الأحزاب الاشتراكية في السياسة الأوروبية. ففي معظم دول أوروبا، تمثلت الانتخابات الأخيرة في تقدم واضح لتكتلات اليمين المتطرف، ويُعزى هذا التقدم في المقام الأول إلى العنصرية والقومية التي تزايدت في السنوات الأخيرة، وهو ما يشكل تحدِّيًا كبيرًا لقيم ومبادئ الديمقراطية في القارة العجوز. وهناك عدة أمثلة على هذا التحول في أوروبا:

  • ففي فرنسا تزايدت شعبية حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، والذي يتزعمه "مارين لوبان"، الذي ينادي بإعادة الحدود الفرنسية والتصدي للهجرة غير الشرعية.
  • وفي ألمانيا حصلت حركة اليمين المتطرف "AfD" على 18٪ من الأصوات في الانتخابات، وهي نسبة مماثلة لما حصل عليها الحزب الاشتراكي (SPD)، الشريك الرئيس الحالي في الائتلاف الحاكم إلى جانب الخضر والليبراليين. في هذا السياق، أفادت صحيفة "بيلد" بأن الحزب المتطرف اليميني والحزب الاشتراكي تعادلا بنسبة 19٪، وهي النسبة التي لم يصل إليها اليمين المتطرف في ألمانيا، ولم يحظ بدعم كهذا منذ الحرب العالمية الثانية.
  • كما تحالف حزب "Lega" اليميني المتطرف في إيطاليا مع حزب "خمس نجوم" اليميني الشعبوي في الانتخابات البرلمانية لعام 2018م، وحقق الائتلاف نتائج جيدة وشكل الحكومة الإيطالية فيما بعد. ويمثل وصول "جيورجيا ميلوني" إلى الحكم في إيطاليا مثالًا واضحًا على هذا التحول، حيث أكدت حقيقة أن الحركات المحافظة المتطرفة قادرة على الحكم في القارة.
  • وفي إسبانيا، حقق حزب "فوكس" نجاحًا ملحوظًا في الانتخابات البرلمانية الإسبانية لعام 2019م، حيث حصل على 24 مقعدًا في البرلمان الإسباني، لكنه لم يتحالف مع الأحزاب التقليدية لتشكيل حكومة. ويمكن أن تمثل الانتخابات المقررة في 23 يوليو ٢٠٢٣م في إسبانيا خطوة إضافية في هذا التحول الأوروبي، حيث سيتم تحديد عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب الشعب (PP) بقيادة "ألبرتو نونيث فيخو"، وحاجته للدعم من التكتل المتطرف المحافظ "فوكس" الذي يتزعمه "سانتياجو أباسكال". وسيكون من المثير للاهتمام معرفة مدى تحالف حزب الشعب مع "فوكس" وما إذا كان سينتقل نحو اليمين المتطرف بشكل أكبر، مما يؤثر على التحول السياسي في إسبانيا وأوروبا بشكل عام.
  • كما يوجد في دول الشمال الأوروبي تحولات في المشهد السياسي، حيث انهارت التابوهات المترسخة في التحالفات والائتلافات السياسية، وتحالفت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية مع الحركات اليمينية المتطرفة. ففي النرويج، تحالف حزب التقدم مع الحزب المحافظ، وفي السويد يدير زعيم اليمين المحافظ "أولف كريسترسون" اتفاقًا مع الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين بدعم خارجي من حزب الديمقراطيين السويديين المتطرف اليميني SD، والذي يضمن له الأغلبية في البرلمان. وفي الدنمارك، اضطرت رئيسة الوزراء الديمقراطية الاجتماعية، ميت فريدريكسن، إلى الانحياز من اليسار إلى اليمين للحفاظ على ائتلاف مع الليبراليين المحافظين.

ولعل الصعود غير المسبوق لأحزاب اليمين المتطرف مرتبط بتأثير الخطابات الشعبوية التي تتبناها هذه الأحزاب التي نادت بتقييد الهجرة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، واستغلت تردي الأوضاع الاجتماعية وتداعيات أزمة كورونا، كما استثمرت بشكلٍ جيد التراجع التاريخي لأحزاب اليسار، واستطاعت استقطاب المزيد من الأصوات الانتخابية وتوسيع الرقعة الشعبية، حيث اتهمت الحكومات التقليدية بالفشل في إدارة الاقتصاد، والحفاظ على مصالح المواطنين. إن هذه الأحزاب المتطرفة لديها إستراتيجيات فعالة في التواصل مع الجماهير ونشر أيديولوجيتها، مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والاستغلال الفاعل للإعلام، والتلاعب بالمشاعر، والقضايا الحساسة للجماهير.

ولكن هل استطاعت أحزاب اليمين المتطرف بعد انتصاراتها المتتالية في الانتخابات أن تؤثر بشكل كبير على الأنساق السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه بغض النظر عن الاتجاه نحو سيطرة اليمين المتطرف في أوروبا، فإن ممارسة السلطة تتطلب الالتزام بالقواعد والحدود المحددة، ولذلك هناك حدود لمجال حركة اليمين المتطرف ومناورته، ولا ينبغي له تجاوز هذه الحدود؛ لكيلا يُحرم من الحصول على الأموال الضخمة التي تأتي من الصندوق الأوروبي. وأي انجراف استبدادي أو ديكتاتوري سيضعه في وضع حرج، كما حدث في حالتي المجر وبولندا التي تربطهما علاقات متوترة مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر المجر وبولندا من الدول التي تتبنى سياسة صارمة تجاه الهجرة غير الشرعية، وترفضان مبادرات الاتحاد الأوروبي، كما تفرض الحكومتان قيودًا على الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي بشكل عام.

ومن ناحية أخري، لا يمكن القول بأن تيارات اليمين المتطرف ستحقق نجاحًا دائمًا في السياسة الأوروبية. فالأحزاب "اليمينية المتطرفة" و"الأحزاب القومية" تواجه تحديات عدة، بما في ذلك صعوبة التوافق على أجندة مشتركة، وتأثير الضغوط الداخلية والخارجية على قراراتها وسياساتها. علاوة على ذلك، فإن الأحزاب "اليمينية المتطرفة" تتباين في برامجها السياسية والقضايا التي تركز عليها، وهذا يجعل من الصعب عليها الحصول على دعم واسع النطاق، وتشكيل حكومات قوية ومستقرة.

كما أن الدول الأوروبية تتمتع بديمقراطيات قوية ومؤسسات دستورية، وقوانين تحد من توغل الأحزاب "اليمينية المتطرفة" وتنفيذ سياساتها المثيرة للجدل. وبالتالي، فإنه من المتوقع أن يظل اليمين المتطرف في موقع متأرجح، ولن يتمكن من تحقيق تأثير دائم في السياسة الأوروبية، وذلك في ظل وجود تحديات عديدة ومؤسسات دستورية وديمقراطية قوية في الدول الأوروبية. لكن ينبغي الانتباه إلى أن المجتمعات الأوروبية تواجه بعد الصعود المتزايد لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تحديات عديدة، من بينها تفاقم الانقسامات الثقافية والعرقية والدينية واللغوية، مما يعرقل عملية الاندماج والتعايش السلمي بين الأقليات المختلفة.

ولذلك، من الضروري أن تتخذ المجتمعات الأوروبية إجراءات فاعلة لمواجهة هذا التحدي، منها تعزيز الحوار السياسي، والتفاهم بين الأحزاب والتيارات المختلفة، وتعزيز الوعي السياسي، والتعددية الثقافية، والتسامح، والتعايش السلمي، وتقديم حلول اقتصادية واجتماعية فعالة للتحديات التي تواجه المجتمعات، وتعزيز الحملات التوعوية لمنع العنف، والتمييز ضد الأقليات والمهاجرين واللاجئين، خصوصًا المسلمين منهم، وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية في مواجهة اليمين المتطرف، مثل الصحافة والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

 

الموضوع السابق استغلال اليمين المتطرف لموقع "تويتر" للتحريض ضد المسلمين في أوروبا
الموضوع التالي تراجع حزب فوكس في الانتخابات الإسبانية.. دلالات ونتائج
طباعة
515

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.