تراجع حزب فوكس في الانتخابات الإسبانية.. دلالات ونتائج
/ الأبواب: اليمين المتطرف

تراجع حزب فوكس في الانتخابات الإسبانية.. دلالات ونتائج

يُعتقد أن الديمقراطية بمفهومها الشامل هي النظام السياسي الذي يحقق أفضل النتائج للبشرية من حيث التنظيم الاجتماعي، والتنمية، والتقدم، والحقوق الفردية والجماعية، وبناء وتعزيز فكرة المواطنة والتعايش بين الأطياف المجتمعية كافة. وقد تجسَّد ذلك يوم الأحد الموافق ٢٣ يوليو ٢٠٢٣م في إسبانيا في يومٍ أقل ما يوصف بأنه يوم مشهود، من خلال مشاركة شعبية في الانتخابات التشريعية في إسبانيا، وهي مشاركة عكست رفض الشعب الإسباني بوجه عام أيديولوجيات التطرف اليميني.

في هذا الصدد، ركزت العديد من الصحف، ووسائل الإعلام الإسبانية على نتائج الانتخابات التشريعية في إسبانيا، وتأثيرها على المشهد السياسي. وأسفرت الانتخابات التي جرت في الثالث والعشرين من يوليو ٢٠٢٣م عن تراجع حزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا؛ حيث حقق نتائج أقل من المتوقع، وهو أمر دعا للتفاؤل في إسبانيا، وبروكسل.

حقق الحزب الشعبي (PP) المركز الأول في هذه الانتخابات، وتلاه حزب العمال الاشتراكي (PSOE) الذي يتزعم الائتلاف الحكومي الحالي. لكن النتائج لا تسمح لأي حزب بتشكيل الحكومة المقبلة بسهولة. وتراجع عدد مقاعد حزب فوكس المتطرف في الانتخابات، ليس بسبب تراجع "فوكس" واليمين المتطرف فحسب، بل بسبب حشد الناخبين اليساريين لوقف الموجة اليمينية العنيفة.

وقد شهدت أوروبا تقدمًا بطيئًا وثابتًا لليمين المتطرف على مدار السنوات الماضية، مع خطابات معادية للمهاجرين، والمسلمين، وفئات أخرى من المجتمع؛ حيث يتمتع اليمين المتطرف بتمثيل برلماني في ٢٢ من أصل ٢٧ دولة في الاتحاد الأوروبي، ويشارك فيه حكومات خمس دول، وهي: المجر، وبولندا، وإيطاليا، وفنلندا، ولاتفيا. ويختلف الأمر في السياق الإسباني، حيث يمثل تراجع حزب فوكس -الذي فقد ١٩ مقعدًا دفعة واحدة- خطوة نحو وقف نمو الفاشية في القارة. فمعاداته للمهاجرين، والتشكيك في الاتحاد الأوروبي لم يدفع الناخبين إلى التصويت لصالحه كما كان يتخيل، وهذا مؤشر إيجابي على نمو الوعي لدى الناخب الإسباني، وعدم انسياقه وراء شعارات فضفاضة تهدد النسيج الوطني.

في هذا الشأن، بعثت إسبانيا في الانتخابات الأخيرة برسائل ملهمة حول ضرورة إسقاط التطرف اليميني، وتحقيق التوازن السياسي من خلال الحوار، والتعاون بين الأحزاب المختلفة.

جدير بالذكر أن الحزب الشعبي الإسباني يُصنَّف على أنه "يميني"، ولكنه ليس متطرفًا، وقد انشق عنه حزب فوكس في عام ٢٠١٣م؛ فهل يمكن أن يحدث التحالف بين الحزبين؟

في هذا السياق، لم يكشف رئيس الحزب الشعبي "فييخو" في مقابلة مع صحيفة "إل موندو" عن نيته بشأن التحالف مع حزب فوكس، مؤكدًا أن تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب اليميني القومي "ليس مثاليًّا".

وبدوره، حذَّر رئيس حزب العمال الاشتراكي "سانشيث" في مناظرة تلفزيونية من أن تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الشعبي وفوكس ليس انتكاسة لإسبانيا، فحسب، بل هو انتكاسة خطيرة للمشروع الأوروبي، والحقوق، والحريات.

وفضلًا عن ذلك، فإن رئيس مدينة سبتة، "خوان فيفاس"، ممثل الحزب الشعبي، استبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق في المدينة لتشكيل تحالف مع حزب فوكس؛ بسبب وجود العديد من الاختلافات الجوهرية بين الحزبين. وذكرت مصادر من داخل الحزب في سبتة أن هذه الاختلافات تتركز في هجوم حزب فوكس المتواصل على المسلمين في سبتة؛ لذا يرى الحزب أن هذه المواقف تتعارض مع مبادئه الخاصة بترسيخ مفهوم التعايش بين الثقافات المتعددة في المدينة، ومن ثم استُبعِد إجراء نقاشات مع حزب فوكس للتوصل إلى اتفاق مشترك بينهما لتكوين تحالف في الانتخابات التشريعية.

ولا تختلف توجهات فوكس عن توجهات الأحزاب اليمينية المتشددة في القارة الأوروبية؛ حيث يتصف بالتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني، ومعاداة المسلمين والمهاجرين؛ ذلك أنه يرى أن ما يحدث من جرائم، وسرقاتٍ هو بسبب زيادة موجات الهجرة، وأن لدى المسلمين خاصة والأجانب عامة عادات، وتقاليد جلبوها من بلادهم الفقيرة، لا ينبغي أن تدخل بلادهم؛ لذا فإن إخفاق حزب فوكس في الانتخابات، واستبعاد التوصل إلى اتفاق مع الحزب الشعبي يعكس من ناحيةٍ مدى وعي الناخب بخطورة الفكر اليميني المتطرف الذي يعارض التعددية الثقافية، والدينية، مما يزيد من التوترات بين أطياف المجتمعات، ومن ناحية أخرى، سيكون لهذا الإخفاق انعكاسات ايجابية تتمثل في تعزيز التعايش السلمي والتعددية الثقافية والدينية، وإحداث انفراجه لحقوق المسلمين في إسبانيا.

ومن هذا المنطلق، من الضروري عودة الأحزاب اليسارية إلى برامجها، وقيمها الأساسية التي جذبت مؤيديهم من الأساس، فضلًا عن تعاونها مع الأحزاب اليمينية المعتدلة في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية، خاصة وأن كليهما يواجه تحديات تفرضها الحركات اليمينية المتطرفة التي لا تريد وصول الفكر الديمقراطي الذي يقبل التعددية.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

الموضوع السابق اليمين المتطرف في أوروبا: "بين تزايد شعبيته وتقويض أجندته"
الموضوع التالي تغول إرهاب اليمين المتطرف خطر محدق يهدد القارة الأوروبية
طباعة
461

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.