الهجرة غير الشرعية تؤرق قبرص.. المهاجرون بين سندان العزلة ومطرقة اليمين المتطرف
/ الأبواب: اليمين المتطرف

الهجرة غير الشرعية تؤرق قبرص.. المهاجرون بين سندان العزلة ومطرقة اليمين المتطرف

     تمثل قضية الهجرة مصدر قلقٍ بالغ للرأي العام القبرصي، وتعكس البارومترات الأوروبية، وقياسات الرأي العام في قبرص على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، مدى اهتمام الشعب القبرصي بهذه القضية. ولذلك احتلت قضية الهجرة المرتبة الأولى على قائمة المشكلات التي تؤرق المواطن القبرصي بنسبة (٥٢٪) من إجمالي المشاركات، بينما حلت مشكلات غلاء الأسعار، وارتفاع تكلفة المعيشة، والتضخم، في المرتبة الثانية بنسبة (٤٦٪) بحسب أحدث تقارير (يوروباروميتر) والمنشور بتاريخ مارس ٢٠٢٣م.

 ومن الأسباب الرئيسية في تغيير اهتمامات المواطن القبرصي، يمكن الإشارة بوضوح إلى دور حزب الجبهة الشعبية الوطنية (Ε.ΛΑ.Μ) باعتباره الهيئة السياسية الأساسية لليمين المتطرف القبرصي، الحاسم خلال السنوات الأخيرة في طريقة تأطير قضية الهجرة غير الشرعية، وبالتالي كيفية تقديرها أو رؤيتها من قبل الرأي العام، وكذلك وسائل الإعلام، حيث تبنَّى الحزب خطابًا عنصريًّا قويًّا ومعاديًا للمهاجرين، وحشد وتوجيه الرأي العام القبرصي عبر عدد من الفاعليات المناهضة للمهاجرين التي يشارك فيها المجتمع.

والواقع أن إدارة تدفقات الهجرة يشكل تحديًا كبيرًا بالنسبة لجزيرة صغيرة مثل قبرص، محدودة الموارد والقدرات، الأمر الذي يتطلب الاتفاق على رؤية سياسية شاملة للتعامل مع "ملف المهاجرين واللاجئين" بعد فشل الإدارة المسؤولة في دمج المهاجرين، والتقاعس عن فحص طلبات اللجوء، وإعادة المرفوضين إلى أوطانهم، وانعدام خطط تطوير مباني الاستضافة، وغياب التشاور مع المجتمعات المحلية، والاستفادة من معلوماتها. الأمر الذي جعل من المهاجرين فريسة سهلة لليمين المتطرف.

 والمعروف أن قبرص تعتمد إلى حدٍّ بعيد، على العمالة الأجنبية (غير القانونية) عبر استخدام الآلاف من طالبي اللجوء القانونيين وغير النظاميين في أعمال الأعمال اليدوية والخدمية، مع ذلك يعاني هؤلاء المهاجرون أوضاعًا معيشية بالغة الصعوبة. وقد أدى تدهور أوضاع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في مدينة (خلوراكا)، نتيجة تسكينهم في مجمعات معزولة، إلى تجمعهم في شارع (الفثرياس) بتاريخ الإثنين الموافق ١٤ أغسطس ٢٠٢٣م، احتجاجًا على انقطاع خدمات المرافق المختلفة مثل الكهرباء والمياه بسبب عدم قدرتهم على دفع الفواتير، وانتهت الاحتكاكات مع قوات الشرطة إلى تدخل قوات مكافحة الشغب.

ولم تكد تمضي أيام على هذا الحادث، حتى نفذت عناصر لليمين المتطرف ملثمة ومدججة بالأسلحة البيضاء، هجومًا على الأجانب في البلاد، ما أسفر عن إصابة العشرات، وتخريب بعض المنشآت والمشروعات المملوكة للأجانب. وبدت شوارع "ليماسول" وكأنها منطقة حرب لساعات قليلة؛ حيث أضرمت عناصر اليمين المتطرف النيران في حاويات القمامة. وكان من بين ضحايا العنف العنصري حلاقٌ سوري، تعرض محله لأضرار جسيمة، ووَفقًا لفيديو قصير منشور على شبكة الإنترنت، يظهر دخول مجموعة من شباب اليمين المتطرف الملثمين إلى محل الحلاقة في وقت متأخر من الليل، وايقاظ صاحبه الذي كان يقيم بداخل المحل، وضربوه وكسروا ذراعه، قبل إشعال النيران في المحل. وفي الوقت نفسه اعتدوا على امرأة فيتنامية وحطموا محلها، بل لم يسلم حتى السياح من العنف العنصري؛ حيث هاجمت مجموعة من اليمينيين المتطرفين شخصيْن، تبين فيما بعد أنهما موجودان في قبرص سائحيْن. والحقيقة أن المتابع للشأن القبرصي، يدرك أن هذه الاعتداءات ليست مفاجئة، وإنما هي نتاج تراكمات كثيرة. إن أوضاع اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين أشبه ببركان خامل ينذر بالثوران منذ سنوات. وتقاعس الحكومة عن دمج اللاجئين المهاجرين غير الشرعيين، تسبب في تغيير طابع المجتمع الديموغرافي في غضون سنوات قليلة. كما أعطت مساحة للسلوكيات المتطرفة مثل تلك التي وقعت في شوارع "خلوراكا".

 

ردود أفعال رافضة

وصف "نيكوس خريستوذوليذيس" الرئيس القبرصي، ما حدث بـ"الصُّوَر المـَشينة" التي تُسيء إلى قبرص، وأكد أن من سيثبت تورطه في هذه الأحداث سيتعين عليه تحمل التكلفة المالية للأضرار. ونفى أن تكون مشكلة الهجرة أحد دوافع هذه الهجمات، واتهم المتورطين في هذه الأحداث بإهانة قبرص.

بدوره تقدم "مايكل مافروس" سفير قبرص في الكويت، باعتذار للسياح الكويتيين، وعائلاتهم المتضررين من أحداث العنف في "ليماسول" مشيرًا إلى أن بلاده اتخذت إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الهجمات. وقال:" نُدين بشدة أعمالَ العنف غير المسبوقة والمؤسِفة ضدَّ المهاجرين والزوار، والتي اندلعت في قبرص في الأسابيع الأخيرة، وتسببت في مقتل العديد من الأشخاص، الأمر الذي تضرر منه المجتمع القبرصي".

كما أدانت بعض الأحزاب القبرصية الأخرى ما وصفوه بجرائم اليمين المتطرف؛ حيث ندد بيان "الحزب التقدمي للشعب العامل" في "ليماسول" بعنصرية اليمين المتطرف. ونظم الحزب تظاهرة في ساحة "غريغوري أفكسنتيو" في "ليماسول"، ووجه رسائل ضد فاشية اليمين المتطرف. انتقد "ستيفانوس ستيفانو" أمين عام الحزب، طريقة التعامل الرسمية مع الأحداث، ودعا الجميع إلى مقاومة عنف اليمين المتطرف. وهتف المشاركون "لا يوجد مهاجر عدوٌّ لنا، والعمال هم حلفاؤنا"، و"لا نريد الفاشيين لا في ليماسول، ولا في أي مكان، اطردوهم من كل حي"، و"لا للخطاب العنصري! لا للتعصب"، و"لا للفاشية! لا لليمين المتطرف! لا لمزيد من التسامح تجاه أفعاله، والمذابح التي ينظمها!".

 شعبيًّا أطلق متطوعون حملة تمويل جماعي على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف مساعدة (داو) المرأة الفيتنامية على استئناف نشاطاتها. وقد نجحت الحملة بالفعل في جمع مبلغ (16) ألف يورو بغضون (24) ساعة.

 

 تدابير مَسْك العصا مِنَ المنتصَف

تتزايد المطالبات للمسئولين بإحداث التوازن بين إرضاء المجتمع المحلي الذي يغلي بسبب توتر الأحداث من جهة، حيث يطالب السكان المحليون بإنهاء الاستيطان غير المنضبط للأجانب، والعزل، ووقف انتهاك القانون في "بافوس"، واستعادة الشعور بالأمن الذي اهتز بسبب الأحداث الأخيرة، كما يطالبون بالترحيل الفوري لجميع المهاجرين غير القانونيين. ومن جهة أخرى يطالب البعض المسئولين بإرضاء مئات المهاجرين، وطالبي اللجوء القادمين الذين يشعرون بالبؤس، ويعيشون كالمحاصرين في قبرص، وبعضهم لا يملك حتى السلع الأساسية، ولا المأوى لعائلاتهم المشردة غير المستقرة.

 وردًّا على الأحداث الأخيرة، عقد الرئيس "نيكوس خريستوذوليذيس" اجتماعًا في القصر الرئاسي لمعالجة الوضع في "خلوراكا". وعقب الاجتماع، أعلن المتحدث باسم الحكومة السيد "كونستانتينوس ليتمبيوتيس" عن سلسلة من الإجراءات الحاسمة التي تهدف إلى ضمان السلامة والأمن في المنطقة، وذلك على النحو التالي:

(١) أن تتولى دائرة الأجانب والهجرة التابعة للشرطة، وإدارة اللجوء التابعة لوزارة الداخلية، بالتعاون مع مسئولين من وزارة الرعاية الاجتماعية، عملية التسجيل لسكان المجمَّع السكني.

 (٢) بالنسبة لطالبي اللجوء المقيمين في المجمَّع السكني، فنظرًا لمخالفتهم لـ"مرسوم تحديد مكان إقامة طالبي الحماية الدولية داخل الحدود الإدارية لمجتمع خلوراكا لعام ٢٠٢٢م"، وبناءً على نتائج التسجيل، سيتم نقلهم إلى مركز الإقامة في كوفينو، وسيتم الفحص الفوري لطلباتهم، وإعطائهم الحق في المغادرة الطوعية من قبرص.

(٣) بالنسبة للمقيمين الذين يتمتعون بوضع قانوني في قبرص، سيتم منحهم مُهلة أسبوعين من انتهاء التسجيل لتأمين سكن قانوني بديل، مع أحقية الأفراد والأسر الضعيفة -التي لديها أطفال قاصرون- في الحصول على الدعم من وزارة الرعاية الاجتماعية.

 (٤) القبض على الأفراد الذين يثبت وجودهم في الجمهورية القبرصية بشكل غير قانوني، وترحيلهم، كجزء من عملية التسجيل.

(٥) بمجرد الانتهاء من الخطوات المذكورة أعلاه، ستتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة لضمان التنفيذ الدقيق لمرسوم محافظ "بافوس".

هذا وبموجب المرسوم الصادر عن رئيس مكتب منطقة بافوس بتاريخ ١٧ نوفمبر ٢٠٢١م، سيتم إغلاق مجمَّع "آجيوس نيكولاوس" في مجتمع "خلوراكا" على الفور لأسباب تتعلق بالسلامة، والصحة.

 

 ختامًا..

من المؤكد أن تطبيع الخطاب العنصري ضد الأجانب، وربط الهجرة بالجريمة، أو بقضايا الصحة والبطالة، يخلق أرضًا خصبة لتطور أحداث العنف، ثم إن تكدس الكثير من الناس في بعض المناطق مثل "خلوراكا"، و"كوكينوتريميثيا" يخلق الكثير من المشاكل، الأمر الذي تتخذه الأحزاب اليمينية ذريعة لمعاداة الأجانب اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين، وعلى هذا تحدث الصدامات مع غير القبارصة.

 وبناء على ما عرضناه، فإن مرصد الأزهر يؤكد على أهمية التصدي لكل دعاة العنف والكراهية، وعلى رأسهم أحزاب اليمين المتطرف، سواء أكان ذلك في قبرص أم في غيرها، مع ضرورة سَنِّ تشريعاتٍ وقوانينَ تضمن حقوق اللاجئين والمهاجرين بما يحقق السلام، والتسامح، والتعايش المشترك.


 

الموضوع السابق تغول إرهاب اليمين المتطرف خطر محدق يهدد القارة الأوروبية
الموضوع التالي أوروبا تجنح يمينًا: فوز خيرت فيلدرز في الانتخابات الهولندية
طباعة
543

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.