اقتضت حكمة الله - تعالى - أن يمرّ الإنسان خلال حياته بمراحل عمرية مختلفة؛ وتعد مرحلة الطفولة من أجمل المراحل التي يمرّ بها الإنسان خلال حياته منذ ولادته حتى مماته، ففيها يعيش الإنسان سعادة أول خطوة يخطوها على الأرض، ويبدأ يتذوق حلاوة الحياة، ويشرع عقله في التفكير فيما حوله، أما مرحلة الطفولة بالنسبة للأمم فهي مرحلة غرس البذور التي يرجى حصاد ثمارها في المستقبل؛ فما تغرسه الآن تحصده غداً، لذا تهتم الأمم جميعها بالأطفال أيما عناية فأطفال اليوم؛ شباب الغد، رجال المستقبل. الأمر الذي أكدت عليه الأديان والأعراف والقوانين، بل وحتى العادات والتقاليد والاجتماعية، وعلى النقيض من ذلك تقوم الجماعات الإرهابية باتخاذ الأطفال أسلحة يصوبونها تجاه ضحاياهم، وقنابل يتم تفجيرها في الآمنين، وسهاماً يطلقونها صوب أهدافهم، وهم بذلك يضربون بكل الأعراف والشرائع والقوانين، بل والفطرة الإنسانية عُرض الحائط، فها هي جماعة بوكو حرام ذراع داعش في غرب إفريقيا تواصل مسلسل إجرامها ووحشيتها بحق الأطفال الأبرياء وكأنها تصرّ على مقابلة براءتهم بوحشيتها وتتعمد تبديد الحلم بمستقبل أفضل على يد هؤلاء الأطفال حينما يكبروا وتحويله لكابوس مزعج من خلال أطفال مفخخين يُزجّ بهم هنا وهناك فتسيل دماءهم الذكية وتفيض أرواحهم الطاهرة ومعها أرواح كثير من الأبرياء.
وقد أخذ مرصد الأزهر لمواجهة التطرّف على عاتقه كشف جرائم مثل هذه الجماعات التي لا تراعي في إنسان إلاً ولا ذمة، رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، مسلماً كان أو غير مسلم، فالكل مستهدف، حتى صار مجرمو هذه الجماعات يسعون لإراقة الدماء سعي الظمآن على الماء، وقد دأب إرهابيو بوكو حرام على استغلال الأطفال بعد تخديرهم في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية؛ الأمر الذي أكده تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"؛ حيث أن جماعة بوكو حرام صارت تعتمد على الأطفال بشكل أساسي في تنفيذ هجماتها الإرهابية، وأن نحو 80% من هؤلاء الأطفال من البنات المختطفات واللاتي يتم تفخيخهن والزجّ بهن في الأماكن العامة، والكمائن، والمعسكرات التابعة للجيش النيجيري. كما أفاد التقرير أن جماعة بوكو حرام المتطرّفة تقوم بتخدير الأطفال قبل تفخيخهم. وأورد التقرير إحصائية جاء فيها أن عام الثلاثة أشهر الماضية قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في استغلال جماعة بوكو حرام للأطفال في تنفيذ هجماتها الإرهابية؛ حيث بلغ عدد العلمليات التي نفّذتها الجماعة باستخدام الأطفال نحو 27 عملية انتحارية في نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون. وأضافت المنظمة في تقريرها أن بوكو حرام نفّذت ما يقرب من 117 تفجيرًا انتحاريًا باستخدام الأطفال، منذ عام 2014، الأمر الذي دفع قوات الأمن في مناطق نشاط بوكو حرام للتعامل مع الأطفال بحذر شديد حتى أن نحو 1500 طفل تم اعتقاله خلال العام الماضي في كل من الكاميرون ونيجيريا والنيجر وتشاد. ويتزامن صدور هذا التقرير مع الذكرى الثالثة لواقعة اختطاف فتيات تشيبوك، التي قامت فيها بوكو حرام باختطاف 276 فتاة من طالبات المدارس.
ويرى المرصد أن جرائم بوكو حرام بحق الإنسانية والأطفال فاض بها الكيل، وفاقت الحد، وانتهكت كل القوانين والشرائع والأعراف، مما يتطلب تشديد المواجهة الفكرية أولاً قبل الميدانية، إذ من السهل القضاء على إرهابي وليس من السهل القضاء على فكرة إرهابية أو فتوى شاذة أو رأي متطرّف؛ الأمر الذي يسعى المرصد جاهداً لتحقيقه من خلال نشر الفكر الصحيح، وإحلال الاعتدال محل التطرّف، حتى ينعم العالم بالأمن الذي ينشده ويتخلّص من وباء الإرهاب.