الجماعات المتطرفة

 

30 أبريل, 2017

إزدواجية داعش الأخلاقية

إن فكرة المدينة الفاضلة التي يقدمها داعش لأتباعه وللمستقطبين من الشباب، ودعم الفكرة بالدعوة للجهاد بأدواته المعاصرة عسكريًا وتقنيًا وأيديلوجيًا ونفسيًا هي فكرة مصحوبة بتناقض كبير بين ما يدعيه هذا التنظيم من تبنيه لأخلاقيات وسلوكيات وقوانين وبين ما يمارسه بالفعل من تجاوزات واختراقات لكل الأعراف المجتمعية والدينية.

وبمتابعة أعضاء وحدة الرصد باللغة الألمانية لما يصدر عن تنظيم داعش من رسائل يبثها عبر وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة نجد أن داعش قد أولت تحريم المخدرات والكحول والسجائر وتجريم من يتناولها، اهتمامًا كبيرًا، وفرضت عقوبات كثيرة كالجلد مثلا، وعينت من أتباعها من يراقب تهريب المخدرات والمسكرات والسجائر.

لكن التقارير ومعها شهادات العائدين من داعش والنساء الأيزيديات الناجيات من ويلاته كلها تشير إلى أن هذا التنظيم الإرهابي لم يعبأ أصلا بتحريم الإسلام لتجارة المخدرات وتناولها، بل جعل المخدرات مصدرًا من مصادر تمويله وجعل تعاطي المجاهدين للعقاقير المخدرة سلاحًا يستمدون منه القدرة على ارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية.

وإذا ما تحدثنا عن العقاقير المخدرة التي تستخدمها داعش لتحفيز جنودها على القتل والحرق وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية، نجد أن عقار "الإمفيتامين" المادة التي يشتق منها الكبتاجون يأتي في مقدمة تلك العقاقير وأن سوريا قد تحولت إلى أكبر مصنعي ومستهلكي هذا العقار في ظل وجود داعش، ذلك حسب ما أوردته عدد من التقارير والمواقع الإخبارية أواخر عام 2014، ولا تعبأ داعش بالتأثيرات الصحية والنفسية لهذا العقار على مقاتليها، فغايتها أن تجعل جنودها بتعاطيهم لهذا العقار في حالة يقظة وحماس لممارسة ما يكلفون به دون وعي أو إدراك.

تستخدم عصابات داعش الإرهابية "الكبتاجون" و"الكوكايين" و"الحشيش" و"الهيروين" لتزيل الخوف عن  تابعيهم وتدفعهم إلى نشوة حماسية تجعلهم شرسين للغاية عند تنفيذ هجماتهم.

وكشفت قيادات الحشد الشعبي في محافظة الأنبار غرب العراق من قبل استخدام المواد المخدرة وحبوب الهلوسة من قبل إرهابيين في مدينة الفلوجة، فيما قال قائد لواء كرمة الفلوجة العقيد خميس بحر الحلبوسي إن الإرهابيين قد استخدموا حبوب الهلوسة والمخدرات في مناطق الفلوجة والكرمة والصقلاوية شمال الفلوجة حيث تم تفتيش جثث القتلى من داعش وعثر على آثار الحبوب المخدرة في أجساد الإرهابيين القتلى.

يقول أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية ويدعى فرحان عفرين "قتلنا أفرادًا من "داعش" وأثناء تفتيش جيوبهم وجدنا حبوب ومخدرات وهذا السم الذي يتعاطونه.

وذكر قائد عمليات دجلة الفريق عبد الأمير الزيدي في وقت سابق أن عصابات داعش كانت تجبر الإرهابيين على تناول الحبوب المخدرة وأن الانتحاريين كانوا يتناولون ثلاث جرعات من المخدرات قبل تنفيذ العمليات.

وقال الزيدي في حديث لــ السومرية نيوز، "لدينا معلومات مؤكدة تفيد بأن تنظيم داعش يرغم عناصره على تناول أنواع محددة من المخدرات بهدف زيادة الإدمان لجعلهم تحت سيطرته ودفعهم إلى هاوية الموت بغيات العقل الذي تسلبه المخدرات"، مبينا أن "أغلب قتلى التنظيم في معارك ديالى وصلاح الدين عثر بحوزتهم على حبوب وعقاقير مخدرة".

وإذا ما قرأنا عن الإرهابيين الذين قاموا بهجمات إرهابية أو ساعدوا على تمويلها في أوروبا في الآونة الأخيرة سنجد أنفسنا أمام حقيقة أكدتها التحقيقات وأكدها أهالي الجناة، وهي أن القاسم المشترك بين هؤلاء الإرهابيين كان أيضا تعاطيهم للمخدرات وإدمانهم لها وتجارتهم فيها.

صلاح عبد السلام الذي ساعد في تزويد المسلحين والمهاجمين الانتحاريين منفذي اعتداءات باريس بالأسلحة والمتفجرات كان يعمل مديرًا لمقهى تم إغلاقه بسبب الاتجار بالمخدرات، ثم مارس بعد ذلك تجارة المخدرات واتهم بالسرقة وتعاطي الممنوعات، حتى قُبض عليه، حسبما ذكر موقع الشرق الأوسط في مارس 2016. 

وذكرت صحيفة "فيلت أم زونتاج" الألمانية الأسبوعية أن التونسي أنيس عمري الذي قام بهجوم الدهس بشاحنة في أحد أسواق أعياد الميلاد وسط العاصمة برلين يوم 19 ديسمبر الماضي والذي أودى بحياة 12 شخصًا على الأقل كان يتعاطى عقار النشوة والكوكايين بصورة دورية. ويتشكك المحققون فيما إذا كان العمري واقعًا تحت تأثير المخدرات أم لا خلال تنفيذه هجوم برلين. وقد بات معروفًا منذ واقعة أنيس عمري أن عددا من المتطرفين متورطون أيضا في تجارة المخدرات وإدمانها.

وفي تقرير بالإذاعة البافارية ذكر عرفان بيكي، الذي كان جهاديًا وأصبح الآن عميلاً لهيئة الاستخبارات الألمانية وكتب كتابًا عن المتطرفين في ألمانيا، أن الإسلامويين متهمون بالازدواجية الأخلاقية وبالنفا،ق وبأن بعض الرجال المنضمين إلى تنظيماتهم لديهم شغف بالمخدرات والإباحية.

وبعد الهجوم على مطار" أورلي" الفرنسي على يد زياد بن بلقاسم البالغ من العمر39 عامًا والذي لقي حتفه رميًا بالرصاص من قبل قوات الأمن أثناء محاولته اختطاف سلاح جندي في المطار؛ أشارت دلائل وشهادات إلى أن الجاني الذي صاح خلال الهجوم قائلاً إنه هنا لأنه يريد الموت في سبيل الله كان يتناول الكحول والمخدرات، وهذا ما صرحت به النيابة العامة أنه تم العثور علي آثار من الكوكايين والحشيش والكحول في دم منفذ الهجوم.

إن الإسلام الذي ترفع "داعش" رايته وتقتل وتحرق وتغتصب باسمه وهو منها براء قد حرم المخدرات والمسكرات بكل أنواعها، حماية للصحة العقلية والنفسية، ومحافظة على السلوك القويم للأفراد، وقد أجمعت الأمة الإسلامية على هذا التحريم لثبوته بنصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحسبنا في ذلك قول الله تعالى، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (المائدة 90)، ومن هنا أجمع فقهاء الأمة بحرمة شرب الخمر وجميع المسكرات وتعاطي المخدرات بكافة أنواعها وزراعتها والتجار بها.

وحدة الرصد الألمانية